منذ أكثر من عام، أمر الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتوجيه ضربة صاروخية لنظام بشار الأسد، رداً على هجوم بأسلحة كيماوية على شعبها.
وأقدم ترمب على فعل الشيء ذاته قبيل فجر السبت، 14 أبريل/نيسان 2018، مع حليفتيه فرنسا وبريطانيا، في ردٍّ استهدف ردع بشار الأسد عن استخدام الأسلحة الكيماوية مرة أخرى، لكنه ليس من المرجح أن يحدث تغييراً فيما يتعلق باستمرار قبضته على السلطة.
وأعلن ترمب اليوم السبت: "المهمة أنجزت"، وهي عبارة ارتبطت على نحو ثابت بالرئيس الأسبق جورج دبليو. بوش، الذي استخدمها في عام 2003 خلال حرب العراق، التي سبَّبت له إزعاجاً حتى نهاية رئاسته.
ونالت أحدث الضربات التي أمر بها ترمب تأييد أصوات من أنحاء الطيف السياسي الأميركي، لكن تلك الأصوات انتقدت عدم وجود استراتيجية أميركية موسَّعة قد تضع نهاية للحرب المستمرة منذ أكثر من 7 أعوام، سواء بالأسد أو دونه.
ضربة بلا رسالة
وتساءل المعلقون عن الرسالة من وراء الضربة، التي أشارت إلى أن الحلفاء الغربيين لن يسمحوا بأن يمر أي هجوم بأسلحة كيماوية دون عقاب، لكنهم اعترضوا على أي تدخل أعمق عندما تقتل البراميل المتفجرة التي تستخدمها قوات النظام السوري عدداً أكبر من السوريين.
وقال السناتور الجمهوري جون ماكين في بيانٍ بعد الضربات الأخيرة "لكي ننجح على المدى البعيد، فإننا نحتاج إلى استراتيجية شاملة لسوريا والمنطقة بأسرها".
وأضاف مكين الذي دعا قبل عام إلى اتخاذ إجراء أكثر حدة، لشلِّ قدرات النظام السوري العسكرية "الضربات الجوية غير المرتبطة باستراتيجية أوسع ربما كانت ضرورية، لكنها لن تحقق وحدها الأهداف الأميركية في الشرق الأوسط".
وأوضح ترمب أنه يرغب في سحب قرابة 2000 جندي أميركي شاركوا في الحملة على تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، وأوقفت إدارته دعمها للمعارضة السورية المسلحة، مما يبرهن على رغبته في الانسحاب من سوريا.
لكنه اتَّخذ على ما يبدو موقفاً متناقضاً مع تلك الرسالة، عندما قال اليوم السبت، إن الحلفاء الغربيين مستعدون "لمواصلة هذا الرد"، إذا لم يكف الأسد عن استخدام الأسلحة الكيماوية المحظورة.
تعارض صارخ
وقال مسؤول أميركي، إنه في حين تمكن مساعدون كبار لترمب مثل وزير الدفاع جيمس ماتيس من إقناعه بتجنب ذلك التحرك الأكثر صرامة، الذي كان يريده في البداية، قائلين إن في ذلك مخاطرة بالتصعيد مع روسيا حليفة الأسد، فإن الإدارة لم تقترب من وضع استراتيجية شاملة بشأن الحرب في سوريا.
وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه، إن ترمب كان يريد إلحاق ضرر أكبر بآلة الحرب التي لدى الأسد، لكنه استقرَّ في النهاية على إضعاف قدرات أسلحته الكيماوية لأسباب منها أن جزءاً من قاعدته السياسية في الداخل يعارض انغماس الولايات المتحدة أكثر في الأحداث السورية.
وأضاف "هذا تعارض صارخ تصعب عليه إزالته".
وفي حين جعل هجوم الأسلحة الكيماوية سوريا في محطِّ نظر ترمب بالكامل، يقول خبراء إن من غير المرجح إقناعه بأن يبقي المسار في سوريا لما هو أبعد من إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية.
رحيل الأسد ليس أولوية أميركا وحلفائها
وقال عدد من المسؤولين الأميركيين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، إن إزاحة الأسد، الذي تمكَّن من البقاء بفضل الدعم الكبير من إيران وروسيا، لا تشكل أولوية للإدارة.
وقال فراس مقصد، مدير معهد الجزيرة العربية في واشنطن "لا حل بعد لمشكلة الأسد… الأسد نجح في المستقبل المنظور على الأقل، وهو يستفيد من ذلك".
وبينما لا يبدو أن هناك بديلاً فورياً لما يسمى بعملية جنيف، المفترض أن تقود لانتقال سياسي في سوريا، أكد مسؤولون أميركيون كبار، طلبوا عدم نشر أسمائهم، أن العملية فشلت، وأنه آن الأوان لإعادة النظر فيها.
وقال مسؤول أميركي "عملية جنيف لم تنجح، وآن الأوان لإيجاد شيء جديد أو تغييرها".
وقال دينيس روس الذي عمل مستشاراً للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لشؤون الشرق الأوسط في ولايته الأولى، إن الضربات الصاروخية لن تترك أثراً يذكر على الموقف في سوريا بشكل عام.
نهج ترمب لا علاقة له بتوازن القوى
وأضاف أن نهج ترمب "لا علاقة له بتوازن القوة في سوريا، بل ينصبّ على داعش وعلى ردع الأسد عن استخدام الأسلحة الكيماوية.
"الضربات قد تقنع (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين بمنع الأسد من الاستمرار في استخدام المزيد (من الأسلحة الكيماوية)، إذ من الواضح أننا سننسحب من سوريا. الضربات لا تغير تلك الحقيقة".
وقال مقصد، إن روسيا أعلنت النصر ثلاث مرات في سوريا، وأحبطت الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق انتقال سياسي يفضي في نهاية المطاف إلى رحيل الأسد.
وأضاف "بوتين لديه الإرادة السياسية والمثابرة لمواصلة المسار في سوريا، وقد أظهر هذا على مدى نحو ثلاث سنوات".