أثار اغتصاب ومقتل فتاة تبلغ من العمر 8 سنوات تداعيات سياسية كبرى لحكومة الهند، حيث اندلع رد فعل غاضب مماثل لرد الفعل الناجم عن اغتصاب شابة بوحشية داخل حافلة منذ عدة سنوات ووفاتها في وقت لاحق جراء جراحها.
وبحسب ما ذكرته صحيفة The New York Times الأميركية، فإن اثنين من كبار المسؤولين بالحزب الحاكم استقالا، وتدخلت المحكمة العليا وحاول زعماء المعارضة محاصرة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وذلك على وقع احتجاجات عمت أنحاء البلاد خلال الأيام القليلة الماضية.
لم يصدر مودي تعليقات موجزة يوم الجمعة بشأن قضية الاغتصاب وقضية أخرى حديثة سوى بعد أن انتقد زعماء المعارضة صمته. ولم تهدأ تصريحاته بأن البلاد شعرت بالخزي جراء عمليات الاغتصاب وأن "بناتنا سوف يُنصفن" من الغضب المتزايد.
تفاصيل ما جرى مع الفتاة
ووُجدت جثة هذه الفتاة مكومة في فستان ملطخ بالدماء في يناير/كانون الثاني، وقد تصدرت الحادثة عناوين الصحف ووسائل الإعلام في الهند.
جاءت الفتاة من مجتمع إسلامي بدوي في ولاية جامو وكشمير المتنازع عليها. وتذكر الشرطة أن مجموعة من الرجال الهندوس استدرجوها إلى إحدى الغابات واختطفوها وقاموا بتخديرها واحتجازها في أحد المعابد الهندوسية واغتصابها ثم خنقها.
وذكر المحققون أن الجناة اعترفوا بفعلتهم بعد القبض عليهم وقالوا أنهم كانوا يستهدفون الفتاة كجزء من مؤامرة لترويع قبيلتها البدوية وطردهم من بلدهم.
ومع ظهور المزيد من التفاصيل المقززة، تزايدت مشاعر الذعر. وأطلق بعض كبار نجوم السينما الهندية حملة إعلامية اجتماعية للإعراب عن اشمئزازهم. ويذكر العديد من الهنود أن الاشمئزاز الذي يشعرون به – والغضب تجاه حكومتهم – يماثل اشمئزازهم وغضبهم بعد اغتصاب السيدة الصغيرة عام 2012 بإحدى الحافلات في العاصمة نيودلهي، حينما توقفت الحياة في كافة أنحاء الهند للحظات.
ويعتبر هذا الحادث من أكثر القضايا تعنتاً وصعوبة التي تواجهها الدولة في مجال إساءة معاملة النساء والفتيات والانقسام الشديد بين الهندوس والمسلمين.
وذكرت عالمة الاجتماع ديبا نرايان، التي نشرت كتاب مؤخراً حول كيفية معاملة النساء في الهند "الاغتصاب هو اغتصاب. وربما تكون هذه جريمة أسوأ. فحادثة الحافلة تمت على يد مجموعة من الرجال الثملين الذين كانوا يسعون وراء قضاء وقت ممتع وفقدوا السيطرة بالكامل على أنفسهم. ولكن هذه كانت جريمة متعمدة تم التخطيط لها واستغلال عملية اغتصاب فتاة صغيرة على مدار أيام كسلاح سياسي".
ما الذي أثار القضية مرة أخرى؟
وعادت القضية للحياة هذا الأسبوع بعد أن قام مجموعة من المحامين بمحاصرة إحدى المحاكم ومحاولة منع رجال الشرطة من تقديم لائحة الاتهام (قدم رجال الشرطة في النهاية لائحة الاتهام إلى القاضي في منزله).
وكان بعض المحامين يدعمون حزب مودي القومي المعروف باسم حزب باراتيا جاناتا.
وقدم وزيران من الحزب بحكومة ولاية جامو وكشمير، ممن شاركوا في الاحتجاجات، استقالتهما يوم الجمعة بعد التعرض لانتقادات واسعة النطاق ومواجهة اتهامات باعتراض تطبيق العدالة وإثارة الانقسامات الدينية.
وأنكر أحد الوزيرين، وهو شودهاري لال سينغ، أنه استقال تحت ضغوط من الحزب. وقال "لقد استقلت بسبب وجود ضغوط من الدولة".
ويبدو أن الحزب الحاكم بالهند قد أخفق في الاستفادة من الدروس السياسية المؤلمة بعد قضية اغتصاب عام 2012. وفي ذلك الحين، كان حزب المؤتمر الوطني الهندي، وهو حزب المعارضة الرئيسي حالياً، يسيطر على السلطة وقد تعرض لانتقادات لاذعة نتيجة رد فعله البطيء.
ويتم توجيه نفس تلك الانتقادات حالياً ضد مودي وحزبه.
أصدرت المحكمة العليا أمراً إلى المحامين المشاركين في الاحتجاجات بتوضيح السبب وراء قيامهم بمنع ضباط الشرطة من دخول المحكمة.
وذكر المحامون أنهم قد أُثيروا من قبل مجموعة مجموعة هندوسية يمينية تطلب سحب التحقيقات من أيدي شرطة الولاية، والتي يذكرون فيها أنهم موالون للمسلمين وتقديمها إلى أحد مكاتب التحقيقات الوطنية التي يرونها أكثر حيادية.
قصص أخرى في الهند
وليست هذه هي قضية الاغتصاب الكبرى الوحيدة التي يتعين على الحزب الحاكم التعامل معها حالياً.
فقد تم اتهام أحد المشرعين ذوي النفوذ بالحزب الحاكم في برلمان ولاية أوتار برادش باغتصاب فتاة مراهقة ثم التآمر مع شقيقه لمساعدته في قتل والد الفتاة بعد أن تقدمت الأسرة بالشكوى.
وقد استغل زعماء المعارضة تزامن هاتين القضيتين لصالحهم، حيث نظموا اجتماعاً في منتصف الليل واتهموا الحزب الحاكم بحماية المغتصبين والقتلة. وذكر المحللون أنه رغم ذلك ربما ما كانت الفرصة ستسنح لهم إذا ما كان مودي قد أظهر بعض الاهتمام في وقت مبكر. وقال براتاب بانو ميهتا، نائب مستشار جامعة أشوكا "من المؤكد أن مودي تأخر في الحديث".
واتفقت المؤلفة نرايان معه في الرأي. وقالت "عادة ما يكون رد فعل مودي متأخراً. فهو ينتظر أن تنتهي القضية، وحينما لا تنتهي ويصبح في مأزق، يتحدث بابتذال".
وأضافت "أعتقد أن الحزب الحاكم سوف يعاني من ذلك. وسوف يدفع ثمن الحصانة التي أطلقوا لها العنان من خلال عدم التعامل مع الجرائم باعتبارها جرائم ولكن بتسييسها".
وسرعان ما أصبحت قضية اغتصاب الفتاة الأخيرة نقطة خلاف بين الهندوس والمسلمين في الهند، فكثيراً ما كان السياسيون يثيرون الخلاف بين الجانبين وغالباً ما تكون العواقب وخيمة، بحسب الصحيفة الأميركية.
وفي هذه الحادثة كانت الضحية مسلمة وكافة الرجال الثمانية الذين تم القبض عليهم هندوساً وكان بعض المحققين مسلمين، لكن من جانب آخر، لا يثق المسلمون بصفة عامة في الحزب الحاكم وفلسفته الهندوسية القومية.