بينما تدرس إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، خيارات الرد على الهجوم الكيماوي السوري، الذي أودى بحياة عشرات المدنيين- تهدد روسيا بإسقاط أي صواريخ تطلقها الولايات المتحدة على النظام السوري، لكن يبدو أن تهديدات موسكو لن تكون إلا مجرد مزاعم.
وبحسب موقع The Daily Beast الأميركي، يعد ذلك التهديد مخادعاً، حيث تمتلك نُظم الدفاع الجوي الروسي في سوريا قدرة محدودة تمكِّنها من إسقاط صواريخ كروز فقط، وهي الأسلحة التي تفضل وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) استخدامها عند الهجوم على الأهداف الدقيقة.
ومع ذلك، فإنها خدعة ينبغي أن يتناولها البيت الأبيض على محمل الجدية. فقد لا تتمكن روسيا من إسقاط الصواريخ الأميركية، ولكنها تستطيع الانتقام بسبل أخرى إذا ما ضربت الولايات المتحدة بشار الأسد، بحسب الموقع الأميركي.
وبدأت التهديدات المتبادلة بين واشنطن وموسكو، بعد سقوط 74 شخصاً خلال الهجوم الكيماوي على مدينة دوما التي تخضع لسيطرة المعارضة في منطقة الغوطة الشرقية شمال دمشق. وفي أبريل/نيسان 2017، ورداً على الهجوم الذي شنه النظام باستخدام الغاز خلال الشهر نفسه، أطلقت القوات الأميركية 59 صاروخاً من طراز توماهوك تجاه قاعدة الشعيرات الجوية غرب سوريا ودمرت بعض الطائرات المقاتلة بها.
وخشية حدوث هجوم مماثل هذا الشهر (أبريل/نيسان 2018)، نقلت قناة تلفزيونية تابعة لحزب الله عن السفير الروسي لدى لبنان، ألكسندر زاسبكين، قوله إن روسيا سوف ترد هذه المرة. وقال زاسبكين باللغة العربية: "إذا ما قام الأميركيون بأي ضربة، فسيتم إسقاط الصواريخ؛ بل والمصادر التي تم إطلاق الصواريخ من خلالها"، بحسب ما أوردته صحيفة New York Times.
ورد الرئيس دونالد ترمب على موقع تويتر: "تتعهد روسيا بإسقاط كل الصواريخ التي تستهدف سوريا. فلتستعد روسيا؛ لأن الصواريخ قادمة، وستكون رائعة وجديدة وذكية. ينبغي ألا تكونوا شركاء لحيوان يقتل شعبه بالغاز ويستمتع بذلك!"
ويعتبر ترمب صائباً حينما انطوت كلمته على أن نُظم الدفاع الجوي S-400 التي تمتلكها روسيا قد لا تستطيع منع الصواريخ الأميركية. فقد نشرت موسكو نظامي مدفعية من طراز S-400؛ أحدهما في قاعدة حميميم الجوية حيث توجد الطائرات الروسية المقاتلة، والآخر بالقرب من مدينة اللاذقية الساحلية، التي ترسو بها السفن الروسية في بعض الأحيان.
ونقل موقع The Daily Beast عن تيد بوستول، خبير الصواريخ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا قوله إن نظام S-400 يعد مماثلاً إلى حد كبير لنظام الدفاع الجوي باتريوت الذي يمتلكه الجيش الأميركي، والذي يستطيع من الناحية النظرية أن يستهدف الطائرات والصواريخ على بُعد 250 ميلاً. ومن الناحية العملية، سوف يكون هناك حدود لمدى قدرة S-400 على الاشتباك في ظل ظروف القتال الفعلي.
الدفاع الجوي يعمل بفاعلية 30% فقط
ونقل الموقع عن فيليب كويل، كبير مسؤولي اختبار الأسلحة السابق بوزارة الدفاع الأميركية، قوله إن نظم الدفاع الجوي بصفة عامة تعمل بفاعلية تبلغ 30% فقط. فقد أخطأت 5 من بين كل 7 صواريخ باتريوت أميركية الصنع هدفها، أو أخفقت في الوصول إليه حينما حاولت القوات السعودية اعتراض وابل من الصواريخ الباليستية التي أطلقها المتمردون اليمنيون على الرياض في أواخر شهر مارس/آذار 2018.
وعادة ما تكون نظم الدفاع الجوي أقل فاعلية في مواجهة صواريخ كروز، التي تحلّق في المعتاد على مستوى ارتفاع الأشجار.
وأوضح كويل: "يمكن أن تختفي صواريخ كروز وسط الفوضى التي تؤثر على أجهزة الرادار حينما تقترب كثيراً من مستوى سطح الأرض"، بحسب الموقع الأميركي.
وتمنح التربة الوعرة بمنطقة غرب سوريا صواريخ كروز الكثير من أماكن الاختباء. ولهذا السبب، ناضلت روسيا من أجل بناء شبكة دفاع جوي فعالة بالمنطقة. وإلى جانب نظام S-400، أرسل الكرملين إلى سوريا العديد من منصات إطلاق الصواريخ أرض/جو قصيرة المدى والسفن الحربية المزودة بأنظمة الدفاع الجوي المتطورة، على أمل سد العديد من الفجوات في تغطية نظام S-400.
ومع ذلك، يوجد عدد كبير من الجبال بالمنطقة يفوق قدرة روسيا على توفير منصات الإطلاق والسفن وأجهزة الرادار. وتجدر الإشارة إلى أن نظم الدفاع الروسية لم تعترض أياً من صواريخ توماهوك وعددها 59 والتي أطلقتها السفن الحربية الأميركية عام 2017، رغم أن بعض الصواريخ كانت تحلِّق على بُعد 30 ميلاً من منصة إطلاق صواريخ S-400 في قاعدة حميميم، بحسب الموقع الأميركي.
وكتب توم كوبر، الخبير والكاتب بمجال الطيران: "أخفقت أجهزة الرادار الروسية في الكشف عنها تماماً".
تهديد روسيا جاد أيضاً
وبحسب الموقع الأميركي، ربما أن روسيا لا تستطيع منع الولايات المتحدة من استهداف النظام السوري بوابل من الصواريخ التي تحلّق على ارتفاع منخفض، ولكن ذلك لا يعني أن تهديد الكرملين باتخاذ إجراء انتقامي ليس جاداً.
وذكر بوستول: "ينبغي التعامل مع البيان الروسي بجديدة بالغة؛ لأنه في الأساس تحذير بأن روسيا لن تقف مكتوفة اليدين. ومن ثم، فإنه بيان سياسي يشير إلى أن الروس سوف يحاولون التوصل إلى وسيلة للرد على أي هجوم أميركي على القوات السورية".
وذكر السفير الروسي زاسبكين "مصادر" الإطلاق بصفة خاصة، باعتبارها أهدافاً محتملة للرد الانتقامي الروسي. وتعتزم الولايات المتحدة إطلاق صواريخ توماهوك من غواصاتها وسفنها الحربية، رغم وجود نماذج للإطلاق جواً أيضاً.
وتجدر الإشارة إلى أن القوات الروسية قد اعتادت إطلاق هجمات وهمية على سفن البحرية الأميركية والتحليق بالقرب من الطائرات الأميركية المقاتلة.
وفي أبريل/نيسان 2016، حلّقت طائرات روسية من طراز Su-24 مراراً أعلى المدمرة الأميركية USS Donald Cook بينما كانت تبحر في المياه الدولية بالبحر الأسود. واعتبر المتحدث باسم البنتاغون أن الأفعال الروسية "مستفزة وغير مهنية". ولم يمنع التوبيخ الأميركي الطائرات الروسية من تعقُّب قاذفات القنابل الأميركية مرتين على الأقل خلال عام 2017.
وقد لا يستطيع الكرملين إسقاط صواريخ كروز، ولكنه قادر بصفة مثالية على تهديد السفن والطائرات التي تطلق تلك الصواريخ.