بعد 3 سنوات من القتال الطاحن في ليبيا، وبمساعدة من حلفاء أجانب، بات الجنرال الليبي اللواء خليفة حفتر يسيطر على معظم شرق ليبيا، وأصبح الشخصية الأقوى –وإن كانت استقطابية- في المشهد الليبي المُفتَّت.
وفي الوقت الذي يهدف فيه حفتر إلى بسط وتوسيع سلطته، فإنَّه يتطلَّع أيضاً إلى خطب ود إدارة الرئيس الأميركي ترامب، لكن إصابته بأزمة صحية خطرة، جعلت طموحه موضع شك، بحسب ما ذكرته صحيفة New York Times، الخميس 12 أبريل/نيسان 2018.
ويضع حفتر جذب اهتمام أميركا نحوه نصب عينيه، حتى أنه في ديسمبر/كانون الأول الماضي، استعان الجنرال بشركة لجماعات الضغط في واشنطن من أجل تلميع صورته كقائدٍ مستقبلي محتمل لليبيا، وللتصدي للمنتقدين الذين يُندِّدون به باعتباره أمير حرب فظ.
ولكسب ود الولايات المتحدة، سَمَح حفتر بالفعل لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) بإقامة قاعدة في بنغازي –في عودة أميركية متواضعة إلى المدينة بعدما قُتِل السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز هناك عام 2012– كما يوجد عدد قليل من أفراد قوات العمليات الخاصة الأميركية في ميناء المدينة الرئيسي.
بومبيو الذي ينتظره حفتر
وقد يؤدي وصول مدير وكالة CIA مايك بومبيو لمنصب وزير خارجية أميركا، إلى اصطفاف اللواء حفتر أكثر إلى جانب واشنطن. فبومبيو الذي جرت جلسة تأكيد تعيينه أمس الخميس 12 أبريل/نيسان، وحفتر الذي كان أحد أصول وكالة الاستخبارات المركزية، كلاهما معادٍ صريح لكافة أشكال الإسلام السياسي.
لكنَّ صعود اللواء حفتر أصبح مهدداً الآن، بعد الأخبار التي تفيد بأنَّ الجنرال صاحب الـ75 عاماً نُقِل جواً إلى مستشفى بباريس، حيث أفادت وسائل الإعلام الفرنسية أنَّه يتلقى العلاج جرَّاء إصابته بسكتة دماغية. وبعد نفيٍ في البداية، اعترف مساعدوه سراً أمس الخميس بأنَّه خضع لعلاجٍ طبي طارئ. لكنَّهم لم يُقدِّموا تفاصيل عن حالته أو مكان وجوده، وفقاً لما ذكرته New York Times.
وأغرق هذا الغموض الحياة السياسية الفوضوية في لبيبا بمزيد من التكهُّنات. ولأنَّ استعادة بعض النظام إلى شرق ليبيا بعد سقوط العقيد معمر القذافي كان مُعتمِداً على قوة شخصية اللواء حفتر، ظهرت مخاوف من الانزلاق إلى تناحرٍ عنيف في حال خرج من الصورة فجأةً.
وقال فريدريك ويري، وهو زميل أول في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: "كانت هناك فترة العام الماضي كان حفتر فيها هو رجل الساعة، وكان الناس يتكهَّنون بأنَّه يستطيع الوصول إلى طرابلس. ثُمَّ سكنت الأمور قليلاً، وبدت تصدُّعاتٌ في تحالفه. والآن لا أحد متأكد مما هو قادم".
ورأى ويري أنه إذا ما أصبح اللواء حفتر غير مؤهل للاستمرار في القيادة، فأحد الاحتمالات القوية هي أن يأخذ التحالف الذي شكلًّه بعناية فائقة للسيطرة على بنغازي في الانهيار، ويتمزق بفعل التوترات والافتقار لوجود خليفة طبيعي معروف لحفتر.
وأضاف: "رغم كل أخطاء حفتر، فإنَّه كان الشخص الذي يُبقي كل هذا مترابطاً معاً، لا يوجد شخص مماثل لأخذ مكانه".
الأصدقاء الأجانب
ووسط الميليشيات المتنافسة التي جابت ليبيا بعد القذافي، صعد حفتر إلى السلطة بمساعدة قوة نيران أجنبية وقدرة بارعة على تقليب حلفائه على بعضهم. فضربت الطائرات الحربية التي نشرتها كلٌ من الإمارات ومصر أعداءه وساعدته على السيطرة على المنشآت النفطية.
كذلك قاتلت قوات فرنسية شبه عسكرية على خطوطه الأمامية في بنغازي، حيث قُتِل ثلاثة منهم في 2016. وقدَّمت السعودية التمويل من جانبها.
ونقلت صحيفة New York Times عن مسؤول استخباراتي أميركي سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قوله إنَّ القوات الخاصة الروسية قدَّمت العام الماضي الذخيرة والمعلومات الاستخباراتية للواء حفتر من قاعدتهم غربي مصر، الأمر الذي أزعج المسؤولين الأميركيين.
علاقة قوية بالأميركيين
وارتبط اللواء حفتر معظم حياته بالولايات المتحدة، وفي أواخر الثمانينيات، قاد حفتر، باعتباره مسؤولاً كبيراً في الجيش الليبي يعيش بالمنفى في تشاد، جهوداً تدعمها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية للإطاحة بالعقيد القذافي.
فشل المخطط، وانتهى الأمر باللواء حفتر في ضواحي ولاية فرجينيا الأميركية، حيث عاش لعقدين من الزمن، وفي نهاية المطاف أصبح مواطناً أميركياً مُتجنِّساً.
لكن بعد أن عاد إلى ليبيا في 2011 بطموحاتٍ متهورة للاستيلاء على السلطة، نأى المسؤولون الأميركيون بأنفسهم عنه.
وفي العام 2015، دعمت السياسة الأميركية الحكومة المُنافِسة لحفتر، والمدعومة أيضاً من الأمم المتحدة في طرابلس، ومعروفة بأنَّها "إدارة ضعيفة وتسيطر بالكاد على حيٍ واحد في العاصمة، لكنَّها تظل تُمثِّل الأمل بالنسبة للغرب من أجل إيجاد حلٍ سياسي في ليبيا"، بحسب قول الصحيفة الأميركية.
النفط غيّر الموقف
بدأ حفتر يجذب أنظار الأوروبيين بشكل ملفت في العام 2017، عندما حقَّقت قواته انتصارات كبيرة، وتقدَّمت في أنحاء بنغازي وسيطرت على أكبر منشأة نفطية، وحينها بدأ قادة أوروبيون يغازلون الجنرال الليبي علناً.
وسافر حفتر الصيف الماضي إلى باريس تلبيةً لدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتقى وزير الدفاع الإيطالي في روما، كما استقبل حفتر وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون بمقره الحصين على قمة تلة خارج بنغازي.
ويُقدِّم اللواء حفتر نفسه للغرب باعتباره محارباً راسخاً ضد الإسلام السياسي، على شاكلة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. لكنَّ المُنتقدين يقولون إنَّ نهجه يُعزِّز أعداءه عن طريق دفع الإسلاميين المعتدلين والمتطرفين للتعاون معاً.
ورغم أنَّ القائد السبعيني صوَّر نفسه كقائدٍ عسكري عظيم لديه ولع بالألقاب، يقول الخبراء إنَّ مهارته الحقيقة تكمن في التحالفات الخارجية، والجيش الوطني الليبي الذي يتزعمه الذي هو في الواقع تحالف من الميليشيات ووحدات جيش نظامية.
ومنذ العام الماضي، استخدم حفتر تلك المهارات لمدِّ نفوذه إلى صحاري جنوب ليبيا، وهي منطقة شاسعة فوضوية إلى حدٍ كبير، وكوَّن فيها عدداً من التحالفات القَبَلية، وهي المنطقة التي أصبحت في السنوات الأخيرة أيضاً محط الاهتمام الرئيس لجهود مكافحة الإرهاب الأميركية.
ومنذ تولَّى ترامب الحكم، نفَّذت الولايات المتحدة 9 ضربات صاروخية في جنوب ليبيا، معظمها يستهدف مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
لكن حتى قبل ظهور مشكلاته الصحية الأخيرة، كان الخبراء في الشأن الليبي يُحذِّرون من أنَّ اللواء حفتر ربما لا يكون قوياً مثلما يتظاهر، وأنَّ القوات التي ساعدت في بروز مكانته في الشرق ربما أيضاً تكون السبب في فشله.
تحالفٌ متزعزع
ويواجه حفتر تحديين كبيرين داخل ليبيا يتمثلان في تحالفاته المتزعزعة، وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أسفر تفجيرٌ بسيارتين مفخختين عن مقتل 35 شخصاً خارج مسجدٍ شرقي بنغازي. وكانت الجهة المتشبه بها هم "المتشددون الإسلاميون".
وبعد ساعات، جرَّ أحد كبار قادة حفتر 10 سجناء إسلاميين معصوبي الأعين في أحد الشوارع، بينما كانت كاميرا تلتقط تصرفاته، وأطلق النار ببندقيةٍ على رأس كل واحدٍ منهم.
كان هذا القائد، محمود الورفلي، مطلوباً بالفعل من جانب المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بتهمة ارتكاب "جرائم حرب" في حوادث إعدام 33 شخصاً على الأقل في 2016 و2017، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
اضطر اللواء حفتر للتراجع. ونزع ونيس بوخمادة، قائد كتيبة الصاعقة في بنغازي، فتيل الاحتجاجات بتعهُّده بعدم إرسال الورفلي إلى المحكمة الدولية. وقال: "هذه مسألة تعني المحاكم الليبية". لكن المحاكم الليبية، التي يُرثى لحالها، لم تتناول القضية بعد.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرة توقيف بحق الورفلي، بتهمة ارتكاب "جرائم حرب" في حوادث إعدام 33 شخصاً على الأقل في 2016 و2017، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
ويشكو الخصوم القبليون من أنَّ جيش اللواء حفتر يخضع لهيمنة قبيلة "الفرجان" التي ينتمي إليها، وأنَّ أبناءه يتصرفون باعتبارهم رجاله الذين يفرضون إرادته بالقوة.
وبالنسبة لسكان بنغازي، فإنَّ شكواهم هي أنَّ المسلحين المتدينين الذين ساعدوه في السيطرة على بنغازي يمارسون الآن نفوذاً كبيراً في الحياة اليومية بالمدينة.
وفي العام الماضي، سيطر دعاة متشددون على العديد من المساجد، وألغى مسؤولون محافظون حفلاتٍ موسيقية، وحاولوا منع النساء من السفر دون محرم. قال نسيم عميش (25 عاماً)، وهو مسؤول تنمية: "الأمر أشبه بصفقة مع الشيطان. إنَّهم يسيطرون على المساجد حتى يبسطوا سلطتهم. لكنَّ ذلك قد يضل السبيل ويُسبِّب مشكلات".
مُمانِع للديمقراطية
ولم تفلح جهود الغرب لإحضار اللواء حفتر إلى طاولة التفاوض. والصيف الماضي في باريس، وقَّع اتفاقاً مع طرابلس لإجراء انتخاباتٍ بحلول نهاية العام 2018، لكن يبدو ذلك الآن احتمالاً بعيداً.
وأظهر اللواء حفتر في المقابلات التي أجراها القليل من الحماسة حيال إجراء انتخاباتٍ حرة. حيث قال لمجلة Jeune Afrique الفرنسية الشهر الماضي مارس/آذار: "ليبيا اليوم ليست جاهزة للديمقراطية. ربما تنجح في ذلك أجيال المستقبل".
ويعتبر منتقدون كثيرون، خاصةً في غرب ليبيا، أنَّ ذلك برهان إضافي على أنَّه نسخة مُعاد تكوينها من العقيد القذافي ولا تختلف عنه كثيراً، فهو يتلذذ بالسلطة من أجل السلطة ويُبَدّي الوحشية على الحريات والحقوق الأساسية، وفقاً لـ New York Times.
وأبرز تقريرٌ للأمم المتحدة نُشِر هذا الأسبوع الاحتجاز التعسفي وإساءات أخرى تجري في سجونٍ يُديرها اللواء حفتر، وكذلك في السجون التي تُديرها الميليشيات المنافسة في الغرب.
ويقول المؤيدون للواء الليبي، إنَّه بعد سبع سنوات من الفوضى، فإنَّ "رجلاً قوياً على شاكلة القذافي أو السيسي قد يكون بالضبط ما تحتاجه ليبيا". وقالت آمال بوقعيقيص، وهي محامية وناشطة بالمجتمع المدني في بنغازي: "صدقوني، لقد فقدتُ إيماني بالانتخابات، ربما يمكن إجراؤها بعد خمس أو عشر سنوات. لكنَّنا الآن نحتاج إلى شخصٍ قوي لتولى السلطة".
روايات متعددة
وعلى مدار الأشهر الأخيرة، شارك اللواء حفتر في محادثات مع مسؤولين عسكريين من غرب ليبيا، توسَّطت فيها مصر، بشأن مقترحاتٍ لتكوين جيش وطني موحد، لكنَّ تلك المحادثات مُعلَّقة الآن، إذ تتجه كل الأنظار في ليبيا إلى المستشفى الفرنسي الذي يخضع فيه حفتر للعلاج.
وانتشرت سلسلة كبيرة من الشائعات في ليبيا أمس الخميس، بدءاً من روايات بأنَّه يتعافى بصورة جيدة من العلاج، وصولاً إلى تلك التي تُرجح أنَّه في واقع الأمر قد مات.
وذكرت وكالة رويترز، اليوم الجمعة، أن أحمد المسماري المتحدث العسكري باسم الجيش الوطني الليبي الذي يقوده حفتر، امتنع عن الرد مباشرة على وجود حفتر في باريس لتلقي العلاج.
ونقلت الوكالة عن مصدر في شرق ليبيا، قوله إن حفتر نُقل جواً إلى الأردن وسيتوجه من هناك إلى دولة ثالثة للعلاج من مشكلة صحية خطيرة، كما ذكر مصدر ثان في مقر القيادة العسكرية بشرق ليبيا، أن حفتر في فرنسا لكنه لم يذكر تفاصيل عن حالته.
ومن جانبها، ذكرت وكالة الأناضول، الجمعة، أن رئيس الأركان العامة الليبية، عبد الرازق الناظوري، نفى أنباء صدور قرار تكليفه بمهام القائد العام للقوات المسلحة خلفًا لحفتر.