المواجهة دولية؛ لذلك انتقل الحديث إلى مبالغ مليارية ومنظمات إرهابية وغسل أموال.
مُلّاك مصرف بحريني من إيران، اشتكوا البحرين لدى المحكمة الدولية بعد إغلاقه، فردَّت البحرين بوثائق تثبت تهريب 7 مليارات دولار عبر حسابات مشبوهة تحت عيون المراقبين.
ولأن لكل حوالة طرفين ووسيطاً، يبقى السؤال هنا: من ساعد إيران في تهريب كل هذه الأموال؟
صحيفة The Washington Post الأميركية حصلت على وثائق قدَّمتها البحرين ضد "بنك المستقبل"، الذي أغلق عام 2015.
تكشف الوثائق مساعدة المصرف إيران سراً في التملُّص من العقوبات الدولية المفروضة عليها، وتهريب مليارات الدولارات، على مدار أكثر من عقدٍ من الزمان. ولم يصدر أي ردٍّ رسمي من إيران حتى نشر هذا التقرير.
حصان طروادة الذي نقل الأموال
التدقيق الذي أجرته الحكومة البحرينية في حسابات البنك، كشف أيضاً التجارة المحظورة بين إيران وعشرات الشركاء الأجانب، والبنك مملوك جزئياً لمصرفين من أكبر المقرضين في إيران Bank Melli وBank Saderat، إلى جانب البنك الاهلي المتحد.
وكشفت السجلات أنَّ البنك أخفى معاملاتٍ تجارية بقيمة 7 مليارات دولار في الفترة ما بين 2004 و2015؛ أي حينما مُنعت فيه الكثير من البنوك الإيرانية، بموجب العقوبات، من الوصول إلى الأسواق المالية الدولية.
تظهر الوثائق أن مئات الحسابات البنكية المرتبطة بأشخاص مُدانين بجرائم -من بينها غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فضلاً عن قروضٍ وهمية- قُدمت لشركات تعمل كواجهات لشركات الحرس الثوري الإيراني.
وشبَّه مسؤولون بحرينيون البنك بـ"حصان طروادة" مالي، مكّن إيران من شراء بضائع بمليارات الدولارات وبيعها.
البحرين: لم نواجه انتهاكات بهذا الحجم من قبلُ
وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، وصف "بنك المستقبل" بأنه "أكبر غرفة عمليات لإيران لتحويل الأموال".
وأضاف الشيخ، خلال إحدى جلسات منتدى الإعلام العربي، الذي انطلق الثلاثاء 3 أبريل/نيسان 2018، في دبي، أن "إيران أكبر من نظام الجمهورية الإسلامية، الذي ينتهج نهجاً عدوانياً، ويسعى للهيمنة والسيطرة".
وكانت البحرين اتهمت، في الأوراق التي أُودعت في فبراير/شباط 2018 لدى المحكمة الدولية بهولندا، مسؤولي "بنك المستقبل" بارتكاب "قدرٍ كبير من السلوكيات غير المشروعة" مع العديد من الشركاء الأجانب. وقالت إن النشاطات التي كُشِفَت حتى الآن -على الأرجح- "مجرِّد غيض من فيض"؛ لأنَّ العديد من المعاملات يبدو أنها أُخفيت بذكاء.
وأكدت المملكة البحرينية، في مُلخصٍ مكتوب أرسلته إلى المحكمة الدائمة للتحكيم بلاهاي، أنَّ "البحرين لم تواجه قَطُّ انتهاكاتٍ بهذا الحجم"، مضيفة أنَّ "التشعبات الناتجة عن الأفعال غير القانونية المنهجية لبنك المستقبل لا يمكن المبالغة بشأنها".
وحتى الآن، لم يصدر أي رد من "بنك المستقبل" أو بعثة إيران لدى الأمم المتحدة.
"بنك المستقبل" متهم بانتهاك العقوبات ضد إيران
يُذكَر أنَّ "بنك المستقبل"، الذي أُسِّس في عام 2004، واجه اتهامات سابقاً بمساعدة إيران في الالتفاف على العقوبات التجارية.
وقتها، وضع مسؤولون أميركيون وأوروبيون البنك على القائمة السوداء، مع حظره من استخدام النظام العالمي للحوالات المصرفية المعروف باسم "SWIFT". ووضع البنك الأهلي حصصَه في أسهم "بنك المستقبل" في استثمارٍ بثقةٍ مُطلقة عام 2008.
هذه الإجراءات دفعت المساهمين الإيرانيين إلى تقديم شكوى أمام المحكمة في لاهاي، متهمين البحرين بإغلاق البنك على نحو خاطئ، ومُطالبين بإعادة الأصول المجمدة.
ورداً على تلك الشكوى، قدمت البحرين مئات الأوراق تسرد بالتفاصيل قصة مؤسسة مالية كانت تعمل في الأساس "بهدف التستر"، ومنحت بعض الشركات الإيرانية إمكانية الوصول السري إلى الأسواق الأجنبية والنظام النقدي الدولي.
وقال خالد بن أحمد آل خليفة، وزير الخارجية البحريني، في بيانٍ نشرته صحيفة The Washington Post، إنَّ عملية تدقيق الحسابات "كشفت حجماً هائلاً من الجرائم وانتهاكات القانونين البحريني والدولي"، مضيفاً أنَّ الإجراءات الجنائية جارية في البحرين، وأنَّ جهات التحقيق ستُطلِع دولاً أخرى على نتائج التحقيقات؛ لأنَّها "ستكون مهمة للمجتمع الدولي أيضاً".
المَبلغ الحقيقي أكبر بكثير على الأرجح
ومن بين الممارسات التي أوردها التقرير، الاستخدام المنهجي لآلية "تغيير الأكواد المصرفية لإخفاء هوية المتعاملين". أي تعمُّد محو أو تغيير معلومات تحديد الهوية عند نقل الأموال بين البنوك. واكتشف مدققون ماليون أكثر من 4500 واقعة تغييرٍ للأكواد المصرفية، ارتكبها مسؤولو البنك لإخفاء دور إيران كمُرسِل أو متلقٍّ للأموال.
وبلغ إجمالي حجم الأموال، المعروف أنَّها نُقلت في تلك التعاملات، 4.7 مليارات دولار، لكنَّ مسؤولين بحرينيين يقولون إنَّ المبلغ الحقيقي أكبر بكثير على الأرجح. وشبَّهوا الأمر بـ"طبقات البصل التي تُخفي اللُبَّ في أعماقها".
كانت التحويلات المصرفية في مئات الوقائع مصحوبةً بتعليمات محددة؛ لتجنُّب الإشارة إلى إيران أو الأكواد المصرفية الإيرانية.
وفي رسالة من "بنك ملي" الإيراني لمسؤول في "بنك المستقبل"، صدرت توجيهات بـ"عدم ذكر اسم بنكنا هكذا، والرقم المرجعي للرمز التعريفي للبنك في أي رسالة تمر عبر الولايات المتحدة الأميركية، ولا تمر عبر ولاية نيويورك".
بنوك غربية أيضاً متورطة في هذه الممارسات. ففي عام 2010، غرَّمت إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، عملاق النظام المصرفي البريطاني "Barclay's" مبلغ 298 مليون دولار؛ لإخفاء تعاملات مالية بقيمة 500 مليون دولار مع إيران.
خداع تحت عيون المراقبين
وبالإضافة إلى المبلغ المُقدَّر في عملية تغيير الأكواد المصرفية، ارتكب البنك البحريني ما يلي:
– استخدام بديل عن Swift لتحويل 2.7 مليار دولار.
– أكثر من 10 آلاف مخالفة للقوانين البحرينية المصرفية والمتعلقة بغسل الأموال.
– تنفيذ آلاف الصفقات وانتهاك العقوبات الدولية المفروضة على إيران.
– فتح 260 حساباً بنكياً لأشخاصٍ مُدانين بجرائم غسل الأموال ودعم الإرهاب.
وذكر مسؤولون أميركيون سابقون مطلعون على القضية، أنَّ النتائج مثيرةٌ للقلق؛ لأنَّها تشير إلى سلوكٍ خادع مستمر من جانب مسؤولين مصرفيين، في وقتٍ كان فيه "بنك المستقبل" تحت رقابة شديدة من جانب وكالات حكومية أميركية وبحرينية.