كلما كانوا أكثر كان أفضل! 4 لاجئين سودانيين قبلوا ما رفضه الأميركيون

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/03 الساعة 20:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/04 الساعة 05:33 بتوقيت غرينتش

يقطعون رؤوس الدجاج وينظفون أحشاءها مقابل أقل أجرة للساعة الواحدة من العمل. هذا ما آل إليه حال ٤ لاجئين سودانيين إلى أميركا.

عدم الاعتراف بشهادات اللاجئين والمهاجرين الجدد -إن كانوا من حملة الشهادات- يجعل إيجاد وظيفة في اختصاصهم أشبه بـ"المهمة المستحيلة". ينتهي بهم الحال في مهن وفرص عمل تتطلب مهارة يدوية كالمعامل والمصانع ومراكز تعبئة اللحوم والدجاج.

تستقطبهم إعلانات على هذا القبيل: "١١ دولاراً في الساعة والخبرة غير مطلوبة". هذه الإعلانات بلا شك موجهة للاجئين الذين يبحثون عن فرصة عمل؛ أي فرصة عمل.

الأميركيون يرفضون العمل في هذه الوظائف لعدة أسباب: أجرتها المتدنية وظروف العمل القاسية والدوام المتقلب، وغيرها من الأسباب.

هنا يأتي عمل شركات التوظيف، أو حلقات الوصل بين المؤسسات الباحث عن عمالة غير أميركية، واللاجئين والمهاجرين المستعدين للبدء من أي مكان.

تحسن الاقتصاد الأميركي للعام التاسع على التوالي، أعطى العمال المبتدئين المزيد من الخيارات. وتعمل شركات توظيف متخصصة على استهداف اللاجئين الوافدين من البلدان التي مزقتها الحروب والذين لا يتحدثون الإنكليزية؛ بمن فيهم العرب ومواطنو بورتوريكو الهاربون من البطالة، والمهاجرون الشرعيون الذين لا يمانعون الخضوع لاختبارات المخدرات.

من هذه الشركات واحدة تحمل اسم "East Coast Labor Solutions"، أو "حلول العمالة بالساحل الشرقي"، يديرها راي ويلي. هي وكالة أكثر منها شركة، تخطت عملها كمجرد وسيط، إلى مساعدتهم على الاستقرار من خلال توقيع عقد يعملون بموجبه لديها لأول عام مقابل مبلغ أسبوعي، قبل أن يحصلوا على راتبهم كاملاً بعد ذلك.

يقول ويلي لصحيفة The New York Times: "إذا أخبرتني أن هناك 1000 لاجئ يحتاج إلى العمل، أستطيع أن أجد لهم عملاً هذا الشهر. فأصحاب العمل يفضلون اللاجئين، إذ لا شك في وضعهم القانوني؛ وعادة ما يكون لديهم دوافع أكبر ويبذلون قصارى جهدهم في العمل؛ ويرجع ذلك إلى أن وضعهم يكون أكثر حاجةً".

يبحثون عن وظيفة لا تشترط اللغة

بيرهان تيكلاي، الذي عمل بدايةً في مصنع لتجهيز الدجاج، يشرف على العمال الذين وصل عددهم إلى الثلاثين أو نحو ذلك. ساعدهم ويلي على الاستقرار في حين كان يلبي حاجة مصانع تصنيع اللحوم والأخشاب للعمال.

وصل تيكلاي، وهو في الأصل من إريتريا بعد أن حصل على تأشيرة في "القرعة التنويعية" عام 2011، والتي تُمنح بموجبها تأشيرة لمهاجرين للإقامة الدائمة في أميركا (وهو البرنامج الذي تعهدت إدارة ترامب مؤخراً بإغلاقه).

قال تيكلاي: "بالنسبة للاجئين الذين لا يستطيعون تحدث اللغة الإنكليزية أو قيادة السيارة، فإن العمل في مصنع لتجهيز اللحوم هو أفضل ما يُمكنهم فعله".

ويعمل تيكلاي كمترجم للعمال، لأنه يجيد اللغة العربية والأمهرية والتغرينية، والإنكليزية بطلاقة، بالإضافة إلى عمله كمنظم إداري ووكيل عقاري، وموظف في مكتب للقروض، ومكتب شكاوى، ومُصلح عام.

ساعد لمدة عام كلاً من وليد كانيو والفضيل داود وعليّ حميد، وهم لاجئون من السودان، على الاستقرار في شقة، قبل أن يبدأوا العمل لصالح مصنع الدواجن. ورغم شقتهم المتواضعة، لكنهم مقتنعون بمبدأ المشاركة وتوفير المال، ويكنون كل الامتنان لـ Labor Solutions.

أما بالنسبة للآخرين، فقد كانت التجربة مختلفة.

يعملون دون راحة وتشاركهم الوكالة رواتبهم

لم يعلم أحد العاملين أن عليه دفع 25 دولاراً إضافية كل أسبوع، مقابل الوصول إلى المصنع، ولم يفهم لم عليه العمل لصالح Labor Solutions بدلاً من مصنع اللحوم مباشرةً. التنقل بين الإدارات يعني غياب التأمينات الصحية وتعويضات التقاعد مستقبلاً.

أما ظروف العمل، فقاسية وغير متسامحة. تتضمن 30 دقيقة من أجل الغداء، و10 دقائق مرتين من أجل الذهاب إلى الحمام. لا يكفي هذا الوقت لتبديل الملابس، وخطأ صغير يؤدي إلى الطرد.

"هذا هو الأسلوب المتبع في أميركا: يخبرونك بالأمور الجيدة، ويخفون عنك الأمور السيئة"، على لسان عامل آخر.

وعلى المستوى السياسي يحاربهم ترمب

وحدد الرئيس دونالد ترمب أعداد اللاجئين بـ45 ألفاً هذا العام، وهو أقل عدد تم تحديده منذ بدء البرنامج عام 1975. كان المعدل طوال العقد الماضي ٧٥ ألف سنوياً، علماً أن الرئيس السابق باراك أوباما وضع هدف استقبال ١١٠ آلاف في العام ٢٠١٧، ليغير ترمب خطته كلياً.

وقال ويلي رداً على كلمة الرئيس حول شغل المهاجرين للوظائف، التي ينبغي أن يحصل عليها الأميركيون المولودن في أميركا: "أقدر محاولات ترمب، ولكن هناك بعض الوظائف منخفضة الأجور لا يرغب المواطنون في شغلها".

هجرة رؤوس الأموال حيث اليد العاملة الرخيصة

بالطبع قد يرغبون في شغلها لو كان الأجر كافياً. حين تم إنشاء نقابات عمالية لعمال تعبئة اللحوم في مدن مثل شيكاغو، بلغ الأجر في الساعة الواحدة حوالي 20 دولاراً يومياً، بالإضافة إلى المزايا الأخرى السخية.

وخلال الستينيات من القرن الماضي، انتقل عمال التعبئة إلى المناطق الريفية، حيث تتواجد الحيوانات، بدلاً من نقل الحيوانات إلى أماكن تواجد العمال. انخفضت الأجور وتسارع الإنتاج.

تحولت الهجرة إلى ظاهرة مع عولمة الاقتصاد، ما أدى إلى تغير أحوال الطبقة المتوسطة المستقرة.

ومع انخفاض الأجور، تراجع حجم القوى العاملة، التي كان غالبيتها من البيض. فظهر المهاجرون والملونون والنساء أمام ماكينات تعليق الدجاج على الخطافات أو تقطيعها إلى أجزاء.
يحصل هؤلاء على نصف الأجر والمزايا التي حصل عليه نظرائهم منذ أربعة عقود. لا تؤدي مثل هذه الظروف إلى دعم استقرار العمال. في بعض المصانع، يضطر أصحاب العمل إلى استبدال 70% من العمال سنوياً.

شركات التوظيف بين المساعدة والاستغلال

هنا يأتي دور ويلي، يجلبون العمال من أجزاء مختلفة من العالم مثل إفريقيا والمكسيك. بعضهم وافدون جدد يقيمون عند أحد الأقارب، أو مقيمون في البلاد منذ وقت طويل، ويناضلون من أجل سداد الإيجار ودفع المواصلات. يجد ويلي وظائف للعشرات من هؤلاء شهرياً.

يحصلون على نحو 11 إلى 13 دولاراً في الساعة في المدن الصغيرة. وقد تؤمن وسائل نقل أو تجد لهم شققاً يتقاسمونها. توفر لهم المال الذي يغطي نفقات السفر والقيمة الإيجارية للشهر الأول في العمل والوديعة التأمينية، وجزمة العمل واحتياجات المنزل الأساسية.

ثم يسدد العمال تلك المبالغ من راتبهم دون فرض أي فوائد بمعدل 60 دولاراً أسبوعياً، على أن يتحرر بعد سنة؛ أي بعد سداد القرض.

يشكلون النسبة الكبرى من اليد العاملة الكادحة

ووفقاً لأحدث تقرير عن عمالة اللاجئين تم تقديمه للكونغرس، شارك ما يقرب من 62٪ من اللاجئين في القوى العاملة في عام 2015. وبلغ معدل البطالة للاجئين 11.7٪ عام 2015 – وهو ما يفوق بكثير معدل البطالة الإجمالي في الولايات المتحدة، أي 5٪ في ديسمبر 2015.

وكانت أهم ثلاث وظائف للمهاجرين غير الحاصلين على شهادات ثانوية تصب في مهن الخادمات ومديري المنازل والطباخين والعاملين في الزراعة وفقاً لمعهد Urban Institute.

أما العمال المولودون في الولايات المتحدة، والذي لا يحملون شهادة الثانوية العامة، فكانوا يعملون بمجملهم على صناديق الحسابات أو كسائقي شاحنات، أو عمال نظافة.

أكاديميون: الحل بسيط ومربح للطرفين

وفي محاولة لإيجاد حل لمشكلة توظيف اللاجئين، طورت مجموعة من العلماء من جامعة Stanford University's الأميركية وETH Zurich السويسرية، خوارزمية تستخدم بيانات تاريخية حول إعادة توطين اللاجئين لإرسال الوافدين الجدد إلى مواقع يحتمل أن يزدهروا فيها، بدلاً من استقبالهم في الأماكن التي تتسع لهم وحسب.

وقال كيرك بانساك، وهو باحث في Immigration Policy Lab IPL التابع لستانفورد: "من خلال وضع نظام يعزز من فرص توظيفهم بدون تكلفة فعلية، ينبغي أن يكون هذا تمكيناً ليس فقط للاجئين، ولكن أيضاً للمجتمعات التي تمت إعادة توطينهم فيها".

الحل المقترح لا يقتصر فقط على الولايات في أميركا، ولكنه يقدم سبيلاً لكل الدول التي تستقبل اللاجئين مثل كندا ودول أوروبا.

يعترف ويلي بأن العمل ليس للجميع، ولكنه يوفر موطئ قدم بالنسبة لكثير من اللاجئين. وعنهم يقول: "يريدون الحلم الأميركي، ولا يمانعون البدء من القاع.. هناك الكثير من الوظائف التي لا تتطلب مهارة في أميركا، والتي لا يشغلها الأميركيون، هؤلاء الناس يشغلونها".

 

تحميل المزيد