تخوض الولايات المتحدة الأميركية اليوم معركة وسط آسيا وشرقها، مع إيران وكوريا الشمالية، وذلك في بغية منع الأولى من امتلاك السلاح النووي، ونزع أسلحة الثانية.
بينما يستعد دونالد ترمب للمباحثات المحتملة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون حول الحد من برنامج الأسلحة النووية لكوريا الشمالية، فإنه يواجه أكبر تحديات الأمن القومي تعقيداً حتى وقتنا هذا. وقد زاد من صعوبة المهمة بعد أن هدد بنسف الاتفاق الآخر الوحيد للحد من البرنامج النووي مع إيران.
لنعد إلى الوراء قليلاً
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 انتشرت آلاف الرؤوس النووية في أوكرانيا، وكازاخستان، وبيلاروسيا، فيما امتلكت جنوب إفريقيا عدداً من تلك الأسلحة قبل أن تتخلى عنها بعد انهيار نظام الفصل العنصري بداية تسعينيات القرن الماضي.
لم يكن تخلي هذه الدول عن الأسلحة النووية بمعزل عن الولايات المتحدة الأميركية، التي لعبت دوراً بارزاً في إقناع هذه الدول بالتخلي عنها بشكل سلمي، فيما تخلى النظام الليبي عن برنامجه النووي بعد احتلال العراق عام 2003 طواعية خوفاً من ملاقاة نفس المصير.
خلال السنوات الماضية، وبعد الجهود المبذولة على مدار عقود، كانت إيران قد أوشكت على إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع القنبلة النووية حينما توصلت إلى اتفاق مع القوى العظمى عام 2015.
وتخلصت إيران من نحو 97% من اليورانيوم منخفض التخصيب ودمرت 13 ألف من أجهزة الطرد المركزي لديها والبالغ عددها 19 ألفاً وتعهدت بتعطيل مرفق المياه الثقيلة الذي يستهدف إنتاج البلوتونيوم المستخدم في صناعة الأسلحة العسكرية.
وإذا ما حاولت إيران التلاعب والاحتيال، يستطيع نظام التحقق التكنولوجي الأكثر دقة في العالم، الكشف عن تلك الانتهاكات وإنذار العالم بشأنها من أجل التدخل في الوقت المناسب.
وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تتولى الرقابة على الاتفاق، كشفت مراراً عن التزام إيران بالاتفاق، وأكد عشرات الخبراء، من بينهم دبلوماسيون أميركيون ومسؤولون عسكريون، فعالية الاتفاق. كما نقلت صحيفة Haaretz عن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال جادي أيزنكوت يوم الجمعة قوله إن الاتفاق أدى إلى تعطيل "الرؤية النووية الإيرانية بنحو 10 إلى 15 عاما".
ورغم أن إيران لم تمتلك أي أسلحة نووية من قبل، إلا أن الاتفاقية اشترطت استمرار المحادثات على مدار شهور، بالإضافة إلى إجراء مفاوضات تقنية وسياسية لمدة عامين. فما بالك بكوريا الشمالية التي تمتلك ما بين 20 إلى 60 سلاحاً نووياً، بالإضافة إلى مرافق إنتاج البلوتونيوم وتخصيب اليورانيوم، والتي يتم إخفاء العديد منها.
أصر ترامب على نزع الأسلحة النووية لكوريا الشمالية بصورة كاملة يمكن التحقق منها. وتشير كافة الأدلة إلى أنه يريد تحقيق ذلك على الفور.
ومع ذلك، فإن تهديد ترامب بإلغاء الاتفاق مع إيران، وإعادة فرض العقوبات قد يزيد من صعوبة تحقيق ذلك.
فقد زعم ترامب دون أدنى دليل، أن إيران لا تلتزم بالاتفاق، واحتج على استمرار إيران في صنع الصواريخ الباليستية، وتسليح حزب الله ودعم الرئيس السوري بشار الأسد. ولم يكن من المفترض أن يمنع الاتفاق أياً من هذه المخاوف.
وكان ترامب طلب أن تتولى بريطانيا وفرنسا وألمانيا، تصحيح ما اعتبره أخطاءً بالاتفاق، بحلول 12 مايو/أيار، حتى يجد من يُلقي عليه اللوم عند انهيار الاتفاق.
وقد يظن الرئيس، وفريقه الجديد المتشدد من مستشاري الأمن القومي أن الانسحاب من الاتفاق الإيراني سوف يقنع كيم بالاتفاق الذي تم التوصل إليه مع إيران. ومن الأرجح أن يعتبر كيم ذلك دليلاً على عدم إمكانية الوثوق بوفاء الولايات المتحدة بالتزاماتها ويرفض التوصل إلى أي اتفاق.
ولا يعد إقناع دولة بالتخلي على أسلحتها بالأمر اليسير. فقد ذكر مسؤولو كوريا الشمالية أنهم يحتاجون إلى الأسلحة النووية لوقف الاعتداءات الأميركية. وقد ضبط كيم وتيرة الدبلوماسية الحديثة – بما في ذلك دعوته المفاجئة لترامب وزيارته للرئيس الصيني شي جينغ بينغ. وعلاوة على ذلك، فقد أبلغ الصين وكوريا الجنوبية أنه سيناقش "نزع الأسلحة النووية" مع المسؤولين الأميركيين.
وفي عام 1994، أي قبل أن تمتلك كوريا الشمالية أي أسلحة نووية، أدى الاتفاق المحدود مع الولايات المتحدة إلى تجميد برنامج تخصيب البلوتونيوم لكوريا الشمالية لنحو ثماني سنوات حتى انهياره خلال فترة حكم الرئيس جورج بوش.
وربما تتضمن المفاوضات الجادة مع كوريا الشمالية قيام ترامب بممارسة الضغوط على كيم لتجميد الاختبارات النووية والصاروخية ووقف إنتاج وقود الأسلحة النووية ومنع انتشار الأسلحة النووية وفرض نظام تحقق على غرار النظام الإيراني.
ومع ذلك، لماذا قد يوافق كيم على أي من ذلك إذا ما انسحب الأميركيون من الاتفاق الإيراني؟ ولماذا يفترض كيم أو أي خصم مستقبلي لهذا الأمر أن المفاوضات مع ترامب تستند إلى حسن النية؟
حقق الاتفاق الإيراني الهدف المرجو والمتمثّل في الحدِّ من برنامج إيران النووي. ومع ذلك، لا يزال هناك أمل في أن يتم تحقيق ذات الهدف مع كوريا الشمالية.
في الواقع، يستطيع ترامب أن يساهم بصورة غير مسبوقة في تحقيق السلام والأمن الدوليين من خلال التوافق مع كيم. ورغم ذلك، قد تتبدد هذه الإمكانية إذا ما قام الرئيس الأميركي بتصعيد الأزمة النووية المصطنعة مع إيران في ذات الوقت الذي يحاول خلاله نزع فتيل الأزمة مع كوريا الشمالية.