فجَّر إعلان الصين عن زيارة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون لعاصمتها بشكل سري، مفاجأةً على صعيد الدبلوماسية في شبه الجزيرة الكورية، فالزعيم الشاب يخرج لأول مرة من بلده ويزور عاصمة إحدى الدول الكبرى، في إشارة إلى كسر العزلة عنه، كما أن الأمر تجاوز ذلك إلى إعلان كيم عن استعداده للتخلي عن سلاحه النووي.
لكن هذا التصريح يناقض ما يقوم به الزعيم الشاب على الأرض، فوفقاً لمحللين، تُظهِر صور الأقمار الصناعية مفاعلاً كورياً شمالياً جديداً، يبدو أنَّه الآن يدخل حيز العمل، وذلك بعد سنواتٍ من أعمال البناء، بحسب ما نقلته صحيفة The New York Times الأميركية.
يقع المفاعل في مجمع يونغبيونغ النووي، حيثُ بدأت كوريا الشمالية برنامجها النووي في الستينيات. واليوم، يضم الموقع مئات المباني التي تقع على طول إحدى حلقات نهر كوريونغ، ويغطي منطقةً تبلغ مساحتها أكثر من ثلاثة أميال مربعة (7.8 كيلومتر مربع تقريباً).
ويبدو أن التحدي الذي يقع على الرئيس الأميركي دونالد ترامب عندما يلاقي كيم سيكون أكبر كثيراً من مجرد إقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن أسلحتها النووية، إذ سيتوجَّب على ترامب كذلك أن يدفع كوريا الشمالية للتخلي عن مصانعها ومفاعلاتها ومنشآت التخصيب النووية التي تنتج الوقود النووي اللازم لبناء مزيدٍ من الأسلحة، حتى في ظل ما تشير إليه صور الأقمار الصناعية من توسيع كوريا الشمالية لإنتاجها.
وتُصر كوريا الشمالية على أنَّ المفاعل يهدف لإنتاج الكهرباء للاستخدام المدني. لكنَّ المفاعل الجديد قد ينتج أيضاً البلوتونيوم، وهو وقودٌ رئيسي يُستخدَم في الأسلحة النووية. وبالتالي يمكن أن يُكمِّل إنتاج المنشآت القديمة القائمة في يونغبيون.
ويُنظَر إلى إنتاج وقود القنابل في المفاعلات باعتباره أمراً أسهل من إتقان بناء الصواريخ القادرة على قذف الأسلحة النووية في مختلف أنحاء العالم.
وفي حين يختلف الخبراء فيما بينهم على مدى قرب كوريا الشمالية زمنياً من إنتاج رؤوس حربية بإمكانها الصمود أمام الحرارة المرتفعة عند دخولها إلى الغلاف الجوي للأرض مرةً أخرى بعد إطلاقها، فإنَّهم يتفقون على أنَّ كوريا الشمالية أتقنت بالفعل استخدام المفاعلات من أجل إنتاج البلوتونيوم.
زيادةٌ في النشاط
تُظهر صورة المفاعل الكوري الشمالي أعلاه، التي تعود إلى 25 فبراير/شباط، ما يبدو أنَّه انبعاثاتٌ تخرج من مدخنة. وبحسب تقريرٍ لمجلة جينز إنتيليجنس ريفيو ومركز الأمن والتعاون الدولي بجامعة ستانفورد، يشير هذا إلى أنَّ التجارب الأولية ربما بدأت في المفاعل الجديد. وتُسمَّى المنشأة بمفاعل الماء الخفيف التجريبي.
لدى المفاعل القدرة على توليد 25 إلى 30 ميغاواط من الكهرباء، وهو ما يكفي لتشغيل بلدة صغيرة. ومن المحتمل أن تُنتج المنشأة أيضاً 20 كيلوغراماً من البلوتونيوم الصالح للاستخدامات العسكرية سنوياً، وذلك بحسب معهد العلوم والأمن الدولي، وهي مجموعة خاصة في واشنطن تتابع الأسلحة النووية.
سيُمثِّل ذلك 4 أضعاف الكمية التي تنتجها كوريا الشمالية سنوياً من مفاعلها الوحيد الآخر الأكبر، الذي يوفر للبلاد البلوتونيوم اللازم لترسانتها النووية منذ فترةٍ طويلة.
ووجد محللو الصور في مجموعة ستانفورد أنَّ النشاط حول المفاعل الجديد تزايد بصورةٍ كبيرة في 2017، ما يشير إلى أنَّ كوريا الشمالية مسرعة باتجاه تشغيله بطاقته الكاملة.
وطوال عام 2017، رصد المحللون ما بدا أنَّه عملٌ كبير لإكمال بناء نظام تبريد باستخدام مياه النهر -يظهر بالصورة أسفله- للمفاعل الجديد.
وجد المحللون أيضاً بعض الأدلة التي قد تدعم تأكيد كوريا الشمالية، بأنَّ المفاعل الجديد سيُستخدم لتوليد الطاقة. إذ بدا أنَّ صور الأقمار الصناعية تُظهِر أنَّ خطوطاً للطاقة وبرجاً لنقل الطاقة قد أُقيمت حول الموقع.
مسألة محورية في المباحثات
وترى الصحيفة الأميركية أن المفاعل الجديد قد يصبح مسألةً محورية في المباحثات بين ترامب وكيم جونغ أون، وذلك في حال كان الهدف كما تُصر الولايات المتحدة هو نزع السلاح النووي تماماً. وحتى إذا وافق كيم على تجميد التجارب النووية والصاروخية، سيظل بإمكانه مراكمة مزيدٍ من وقود القنابل يكفي لترسانةٍ أكبر ما دامت المفاوضات مستمرة.
كانت هذه قضيةً شائكة في المفاوضات الإيرانية التي تفاوض فيها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما على تجميدٍ للإنتاج الجديد لكمياتٍ كبيرة من الوقود النووي الجديد، ولو أنَّ صلاحيته تنتهي في غضون 13 عاماً. وليس واضحاً ما إن كان ترامب بإمكانه الحصول على إيقافٍ مشابه للإنتاج من كوريا الشمالية.
لكن إن فشلت المباحثات، أو ببساطة ظلَّت مستمرة أطول من اللازم، فقد يكون المفاعل جزءاً من مبررٍ لشن عملٍ عسكري، على الأقل إن هيمنت الحجج القديمة لجون بولتون، مستشار ترامب الجديد للأمن القومي المُعيَّن حديثاً. ففي مارس/آذار 2015، وقبيل توقيع الاتفاق النووي الإيراني مباشرةً، جادل بولتون في مقال رأي بصحيفة نيويورك تايمز الأميركية بأنَّه لا المفاوضات ولا العقوبات سيمنعان إيران من تعزيز برنامجهما النووي وبرامج أسلحتهما. ومنذ ذلك الحين عبر عن حججٍ مشابهة حول كوريا الشمالية.
فكتب بولتون: "الحقيقة المزعجة هي أنَّ فقط عملاً عسكرياً شبيهاً بهجوم إسرائيل عام 1981على مفاعل أوزراك الذي أنشأه صدام حسين في العراق، أو تدميرها لمفاعلٍ سوري في 2007 صممته وبنته كوريا الشمالية، يمكنه إنجاز المطلوب. الوقت قصيرٌ للغاية، لكن لا يزال بإمكان ضربةٍ عسكرية أن تنجح".
المسألة ليست معقدة
وترى الصحيفة الأميركية أن تطوير وتشغيل المفاعلين في موقع يونغبيون يهدد بتعقيد أي محادثات بشأن تجميد أنشطة كوريا الشمالية، وكذلك بشأن الهدف النهائي المتمثل بنزع السلاح النووي.
ومع ذلك فإنَّ المسألة ليست مستعصية على الحل. فالنهج المعتاد هو الاعتماد على المفتشين الذين يضمنون عدم معالجة أي وقود نووي مستنفد من أجل الحصول على البلوتونيوم. فعلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ذلك من قبل في يونغبيون، قبل أن يُطرَد مفتشوها لاحقاً، وبالتأكيد يمكنها عمل الشيء نفسه من جديد.
مع ذلك، يقول مسؤولو إدارة ترامب إنَّ مفتشي نزع الأسلحة النووية سيكون عليهم تغطية البلاد بأكملها، بسبب وجود ما يُشتبه بكونها منشآت تخصيب يورانيوم غير مُعلَن عنها خارج يونغبيون.
ويقول محللون تابعين لجهاتٍ خاصة، إنَّهم يعتزمون مواصلة مراقبة يونغبيونغ للحصول على أدلةٍ حول الوقت الذي يصبح المفاعل الجديد فيه في حالة تشغيلٍ كامل، وما إذا كان في واقع الأمر ينتج وقوداً جديداً، من أجل ترسانة كوريا الشمالية المتنامية من الأسلحة النووية.