منذ وقوع الانقلاب العسكري في مصر في الثالث من يوليو/تموز من عام 2013، دأب النظام على استخدام القوة الغاشمة في التعامل ليس فقط مع معارضيه، بل أيضاً مع الجمهور عامة، بما في ذلك غير المسيسين منه، وذلك لقمع أي معارضة و لفرض إجماع تأييدي للنظام.
وقد وثقت العديد من المنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان العديد من مظاهر استخدام تلك القوة الغاشمة، حتى إن المطالبة بأبسط الحقوق المدنية أصبحت من قبيل المخاطرة التي قد تؤدي إلى عواقب جسيمة قد تصل إلى القتل خارج نطاق القانون، ناهيك عن الاعتقال والتعذيب والانتهاكات البدنية والجنسية وتلفيق القضايا والإهمال الطبي الذي تسبب بوفاة العديد من المحتجزين.
في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2017، أقر قائد الانقلاب – الذي أصبح رئيساً للبلاد – باستخدام "القوة الغاشمة" في مواجهة من سماهم "الشرذمة من المتطرفين"، ذلك الاتهام الذي أصبح يوجه إلى أي صاحب رأي مخالف. فطالما لا يهادن المواطن ويظهر طاعته العمياء وتأييده المطلق للنظام، فإنه محل اتهام بالخيانة والتآمر والإرهاب، وعرضة للاضطهاد بأشكاله المختلفة في أي وقت وأي مكان على أرض مصر. ولا فرق في ذلك بين مواطن وآخر فكلهم لدى النظام "عبيد".
إن المنظور السلطوي في مصر – ورغم الادعاءات المغايرة – يشير إلى تقسيم المواطنين إلى فئتين هما "الأسياد" وهم من يمتلكون السلطة أو النفوذ أو المال، في مقابل فئة "العبيد" أو المواطنين الذين ليس لديهم ما يحميهم من ذلك القهر والاضطهاد الذي يمارسه الأسياد عليهم.
إن أحداثاً كثيرة تثبت ذلك، حيث يظهر "السيد" – في زيه العسكري وبسلاحه الحكومي أو محتمياً بمنصبه أو بنفوذه أو بماله – يقهر ويذل، يعذب أو يغتصب أو يقتل بلا وازع من ضمير أو رادع من قانون ومساءلة، بينما هؤلاء الضحايا من "العبيد" لا يجدون إلى دفع الاضطهاد عن أنفسهم أو استرجاع حقوقهم الإنسانية المغتصبة سبيلاً.
ويبدو أن تلك النظرة وأسلوب تعامل النظام مع المواطنين قد امتد من أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز والسجون ومعسكرات الجيش إلى أنساق مجتمعية أخرى، ومنها المؤسسة التعليمية ورموزها؛ حيث تشهد المدارس المصرية العديد من الاعتداءات الجسدية من جانب المدرسين على الطلاب والتلاميذ، في صورة تعكس القهر الذي يتعرض له المواطن المصري منذ نعومة أظافره، وفي الوقت الذي يعاني فيه النظام التعليمي من العديد من السلبيات فيما يتعلق بالبيئة التعليمية، وبجودة التعليم، ومردوده.. إلخ.
ومن أدلة ذلك ما شهدته مدرسة "يوسف جاد الله التجريبية" التابعة لإدارة العمرانية التعليمية، بمحافظة الجيزة. ففي صباح أحد أيام شهر فبراير/شباط من عام 2018 وبعد وصوله إلى المدرسة، حاول التلميذ "إياد عمرو السيد أبوالعينين" ذو السبعة أعوام الصعود لفصله لوضع حقيبته قبل حضوره لطابور الصباح. ولكن ثلاثة تلاميذ أكبر منه سناً من الشرطة المدرسية منعوه من الصعود وقاموا بدفعه أرضاً وسحله من قدميه على السلم. وأثناء اعتدائهم عليه، علقت يد "إياد" بحاجز من السلك وضع بديلاً عن حاجز السلم، الأمر الذي أدى إلى قطع وانفصال عقلة من أحد أصابع يده، مما أدى بـ"إياد" إلى فقد الكثير من الدماء نتيجة للنزيف الذي استمر لساعات قبل وصول والده ومحاولته إنقاذه.
أما إدارة المدرسة المسؤولة عن حماية وسلامة التلاميذ فما كان منها إلا أن وضعت العقلة المنفصلة في "منديل ورقي"، و أجلست إياد جانباً دون تقديم أي إسعافات أو محاولة نقله إلى أي مستشفى. وعندما حضر والد "إياد" بناء على اتصال من إدارة المدرسة، قاموا بتسليمه العقلة المنفصلة. ولكن للأسف كان الوقت متأخراً جداً لإنقاذ إياد من عاهة مستديمة عندما وصل إلى المستشفى؛ لأن العقلة المنفصلة كانت قد جفت ولا يمكن إعادتها إلى الإصبع.
إن مأساة "إياد" ما هي إلا انعكاس لوضع مجتمعي أكبر نطاقاً، وأوسع شمولاً من مدرسته أو النظام التعليمي ككل، إنها تعكس ممارسة قهرية ممنهجة من جانب السلطة ورموزها ضد مواطنيها. وإن في قصة إياد لتشابهاً كبيراً مع القتل البطيء والمتعمد بالإهمال الطبي ومنع الدواء، الأمر الذي تمارسه سلطة الانقلاب ضد العديد من المعارضين المحتجزين بسجونها، مما تسبب في وفاة عدد ليس بالقليل منهم وفقاً لتقارير حقوقية صادرة عن منظمات محلية ودولية.
هناك عدة أسئلة تطرح نفسها هنا ومنها، ما هو المردود المتوقع من تلك العلاقة بين السلطة والمواطنين؟ هل يسعى النظام إلى إنتاج مزيد من المواطنين المجردين من أي ولاء أو انتماء لدولة ومجتمع قد تفننا في إيذائهم وإذلالهم؟ أم أن هذا هو ما يسمى بإرهاب الدولة؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.