كانت امرأة تُدعى "تشوي" قلقةً على أختها في كوريا الشمالية؛ ففي المرة الأخيرة التي تحدثتا فيها معاً قبل شهرين، بَدَت أختها يائسة. إذ قالت إنَّها سُجنت وضُربت ولم تعد قادرةً على تحمُّل التعذيب، وقالت إنَّها تريد الهروب والانضمام إلى تشوي في كوريا الجنوبية.
وذكرت وفق القصة التي نشرتها صحيفة The New York Times أنَّها ستحمل معها سُمَّاً لتنتحر في حال القبض عليها.
كان أهمُّ شيء متبقٍ لتشوي (63 عاماً) -الجدة ذات العينين البنيتين والصبر الفولاذي- في حياتها هو مجيء بقية أفراد أسرتها إلى كوريا الجنوبية. إذ هربت من كوريا الشمالية قبل 10 أعوام، ثم تبِعها ابنها وابنة أختها كذلك التي تعمل حالياً مُصفِّفة شعر وتعيش بالقرب منها في العاصمة الكورية الشمالية المبهرجة سول.
لكنَّ تشوي كانت تشتاق إلى لمِّ شملها مع أختها الخيَّاطة المنزلية صاحبة الخمسين عاماً، وابن أختها أيضاً اللذين تركتهما عند هروبها. وكانت تريد نقلهما إلى مأمنٍ بعيداً عن متناول الحكومة التي اعتقلت زوجها وزوج أختها وابن أختها بتهمة مساعدة غيرهم على الرحيل من كوريا الشمالية. لقد كانوا مُستهدفين باعتبارهم أعداء الدولة، ولم يرهم أحدٌ مرةً أخرى.
وفي مساء أحد أيام، الصيف الماضي، سمعت تشوي الأخبار التي كانت تنتظرها. فحين فتحت بابا شقتها، صرخت ابنة أختها (25 عاماً) قائلةً: "لقد اتصل أخي وقال: "عبرنا الحدود، ووصلنا إلى الصين. أحضروا لنا السيارة".
وشعرت تشوي -التي لا تستخدم سوى اسمها الأخير لحمايتها وحماية أسرتها من أي انتقامٍ محتمل من جانب الحكومة الكورية الشمالية- آنذاك ببهجةٍ شديدة.
لكنَّها شعرت مع ابنة أختها بقلقٍ جديد؛ فهما يدركان جيداً أنَّ الرحلة إلى كوريا الجنوبية طويلة ومحفوفة بالمخاطر، لأنَّهما خاضتاها من قبل.
وعادةً ما يغادر المنشقون كوريا الشمالية بعبور الحدود إلى الصين. لكنَّ هذه الحدود خاضعةٌ لحراسة مُشدَّدة على أيدي جنودٍ تحت إمرة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، الذي يعتبر من يحاولون المغادرة خائنين.
الوصول إلى الصين ثم طريق ثالث
فور وصول المنشقين إلى الصين، يُضطَّرون إلى الاعتماد على المُهرِّبين الذين يأخذون منهم مبالغ باهظة، مقابل مساعدتهم في الإفلات من قوات الأمن الصينية وعملاء كوريا الشمالية. وقد يؤدي تعرُّضهم للاعتقال أو الخيانة إلى السجن أو ما هو أسوأ.
وغالباً ما يشقون طريقهم إلى حدود الصين الجنوبية، سعياً للعبور إلى دولةٍ ثالثة، عادةً ما تكون تايلاند، حيث تُهرِّب الحكومة الكورية الجنوبية المنشقين من هناك إلى سول، حسب صحيفة The New York Times.
لكنَّ موقف الحكومة الصينية يجعل الرحلة أخطر بكثير؛ فعلى الرغم من توتُّر العلاقات بين الصين وكوريا الشمالية، تُسعِد الصين كوريا الشمالية باحتجاز أي منشقين تعثر عليهم وإعادتهم إلى بلادهم، ليلاقوا مصيرهم المتمثل في السجن الصارم شبه المؤكَّد والتعذيب المحتمل.
جديرٌ بالذكر أنَّ الصين رحَّلت عشرات الآلاف من الكوريين الشماليين قسراً -وهو تقديرٌ متحفِّظ نظراً إلى عدم توافر إحصاءات- وتغضُّ الطرف عن عملاء كوريا الشمالية الذين يقبضون على منشقين داخل حدودها، وفقاً لما ذكرتها اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في كوريا الشمالية.
بلغ العدد الإجمالي للمنشقين الكوريين الشماليين الذين نجحوا في الوصول إلى كوريا الجنوبية -حيث يُستقبَلون بسكنٍ مجاني ورعاية طبية بأسعار معقولة وتدريب مؤهِّل لسوق العمل التنافسي- نحو 30 ألف شخص.
الصين تقوم بدور مخالف للقانون
بيد أنَّ عبورهم إلى كوريا الجنوبية صار أصعب بعدما أصبح كيم الزعيم الأعلى لكوريا الشمالية عام 2011. ففي العام الماضي 2017، بلغ عدد الكوريين الشماليين الذين وصلوا إلى كوريا الجنوبية 1127 شخصاً، أي ثلث المعدل السنوي قبل وصول كيم إلى السلطة.
تطرد الصين الكوريين الشماليين، مع أنَّها وقَّعت على اتفاقية الأمم المتحدة عام 1951، التي توصي بعدم إعادة اللاجئين إلى الدول التي يتعرضون فيها للاضطهاد. وتطالب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية والأمم المتحدة الصين باستمرار بوقف إعادة المنشقين إلى كوريا الشمالية لاعتبارهم لاجئين سياسيين.
لكنَّ الصين تتجاهل هذه المطالب وفق صحيفة The New York Times، وتقول إنَّها لا تعتبر الكوريين الشماليين لاجئين سياسيين، بل مهاجرين اقتصاديين باحثين عن فرص عمل. وتقول إنَّها تعيدهم لأنَّها لا تستطيع تحمُّل زعزعة استقرار منطقتها الشمالية الشرقية الكاسدة بسبب تدفُّق الأجانب.
عقبة غير متوقعة
بدأت تشوي وابنة أختها في اتخاذ الترتيبات اللازمة للرحلة البرية السرية بعد المكالمة الهاتفية التي وصلت من أختها.
لكنَّهما سرعان ما واجهتهما عقبةٌ مبكرة؛ إذ كانت مجموعة الهاربين أكبر مما توقعتا. فبالإضافة إلى أختها وابن أختها، انضمَّ إليهما صديقة ابنها، واثنان من أصدقائه. لقد أصبحتا مُضطرتين الآن إلى نقل 5 أشخاص إلى الصين دون جذب الانتباه.
اتصلت تشوي وابنة أختها برجلٍ كوري جنوبي استعانتا به لتولي عملية الهروب. وكان هذا الرجل -المعروف في تجارة التهريب بأنَّه وسيط- قد رتَّب رحلة هروب ابنة أخت تشوي من كوريا الشمالية قبل 5 سنوات، حين كانت القيود المفروضة على الهروب أقل حدة من الآن.
وقالت ابنة اختها للرجل: "أحضر السائق".
ولتُهدئ ابنة أختها أعصابها، أرسلت رسالةً إلى قسِّيسها المسيحي ليقرأها في صلاة مساء الجمعة، التي عادةً ما تحضرها. وكان معظم المصلين من الكوريين الجنوبيين الذين يميلون إلى التحفُّظ تجاه الكوريين الشماليين الأفقر الموجودين بينهم. وجاء في نص الرسالة آنذاك: "رجاءً، صلُّوا من أجل سلامة عائلتي".
ومع مرور الساعات، كانت تشوي تسير جيئةً وذهاباً من القلق في شقتها الصغيرة، وفكَّرت في المكالمة التي تلقتها في الربيع الماضي من أختها التي تعيش بالقرب من الحدود الصينية، والتي تسلَّقت شجرةً على أطراف بلدتها آنذاك لإجراء المكالمة دون أن يُقبَض عليها.
وقالت لها أختها وقتئذٍ: "تيقّني من أنَّ الخطة تسير كما ينبغي، واعتني بي في الرحلة".
والأهم من ذلك كله، تذكّرت تشوي تحذير أختها حين أخبرتها بأنَّها تُفضِّل الانتحار على إعادتها إلى بلادها.
مخاطر الصين
لم تستطع المجموعة اختيار وقتٍ أكثر استقراراً للهروب إلى الصين.
إذ كانت قوات الأمن الصينية في حالة تأهُّب قصوى بحثاً عن المنشقين الكوريين الشماليين. وكانت الصين غاضبةً من كوريا الجنوبية لنشرها نظام دفاع جوي صاروخي يُعرف باسم ثاد. لذا رأت الصين أنَّ القبض على المنشقين الكوريين الشماليين المتجهين إلى كوريا الجنوبية وسيلةٌ لإثارة غضب حكومة مون جاي إن الرئيس الكوري الجنوبي المنتخب مؤخراً آنذاك.
وفي الوقت نفسه، كان الرئيس الصيني شي جين بينغ يطالب بإطلاق حملةٍ لمكافحة الفساد، تحد من إمكانية حصول المسؤولين الصينيين على الرشاوى التي غالباً ما كانوا يتقاضونها من بعض الوسطاء لإطلاق سراح الكوريين الشماليين الذين يُعتَقَلون على الحدود.
وبدا كذلك أنَّ الصين منحت عملاء كوريا الشمالية حريةً أكبر لتمشيط مناطقها الشمالية الشرقية، بحثاً عن المنشقين لإعادتهم إلى بلادهم.
لذا كان النجاح في الوصول إلى كوريا الجنوبية يعتمد على مهارة الوسيط وموثوقيته.
دفعت تشوي وابنة أختها إلى الوسيط رسوماً بمبلغ 13 ألف دولار مُقدَّماً، وجمعتا معظم هذا المبلغ من بيع شقة ابنة الأخت في سول. لكنَّهما ستحتاجان إلى منحه مبلغاً أكبر من ذلك بكثير إذا وصلت المجموعة إلى كوريا الجنوبية بأمان.
ومع ارتفاع مخاطر الانشقاق، ارتفعت الرسوم التي يفرضها الوسطاء كذلك.
يُذكَر أنَّه قبل ستة عشر عاماً، حين كان الشاب الكوري الشمالي سو جاي بيونغ يعبر الحدود إلى الصين، دفع لجنديٍ كوري شمالي ما قيمته عشرة دولارات فقط ليغض الطرف عنه.
وقال سو، الذي يشغل الآن منصب رئيس رابطة المنشقين الكوريين الشماليين في سول، إنَّ الوسطاء يطالبون الآن بمزيدٍ من الأموال، حتى مع ارتفاع معدلات فشلهم.
وأضاف أنَّ أفضل الوسطاء هم منشقون كوريون شماليون يعيشون في سول لديهم علاقاتٌ في كوريا الشمالية وقائمةٌ بسائقين في الصين.
حتى إن الوسطاء الجيدين يعرفون كيفية تحديد مكان الكوريين الشماليين الذين تعتقلهم الحكومة الصينية. وقال سو إنَّ المقابل الحالي للحصول على معلوماتٍ أساسية عن المعتقل: كالاسم، والعمر، وتاريخ الاعتقال هو منح أحد المسؤولين الصينيين هاتفاً ذكياً من طراز سامسونغ بقيمة 1000 دولار، أو مجموعةٍ من مستحضرات التجميل الكورية الجنوبية باهظة الثمن.
وأضاف أنَّ الإفراج عن أحد الكوريين الشماليين المعتقلين يُكلِّف أكثر من ذلك بكثير، بل ربما يكون مستحيلاً في الظروف الحالية.
كان الوسيط الذي استأجرته تشوي وابنة أختها غير ماهرٍ وجشعاً. فبدلاً من تولي رحلة أخت تشوي بنفسه، استعان بامرأةٍ كورية شمالية في سول متزوجةٍ برجلٍ صيني، فاستعان الزوج بدوره بأحد أقربائه في الصين لنقل المجموعة في شاحنةٍ صغيرة بعد تسلُّلهم عبر الحدود.
ثم كان من المفترض أنَّ يُقلَّهم قريبه إلى مدينة شينيانغ، الواقعة شمال شرقي الصين، التي غالباً ما يستخدمها المنشقون الكوريون الشماليون كقاعدةٍ قبل التوجُّه إلى كوريا الجنوبية.
تائهون على الحدود
يفصل نهر يالو بين الصين وكوريا الشمالية. ويضيق النهر متحولاً إلى ممرٍ مائي ضيق عند بلدة هيسون الكورية الشمالية، الواقعة على الحدود.
ينخفض منسوب مياه النهر في الصيف، لذا تمكَّن أفراد المجموعة من عبوره عصراً، وكان منسوب المياه عند أرجلهم، لكنَّهم تاهوا في الغابات فور عبوره.
وظلَّوا يتجولون على مدار يومين على طول حافة الصين الشرقية البرية في التلال فوق بلدة تشانغباي بحثاً عن السائق.
لقد كانوا بين مطرقة العقاب الحتمي في كوريا الشمالية، وسندان اتساع الصين والمستقبل الغامض الذي ينتظرهم.
وكان ابن أخت تشوي يتصل بشقتها كل بضع ساعاتٍ سائلاً: "أين السيارة". وقال إنَّهم كانوا جوعى ويشعرون بالبرد.
وقال عند لحظةٍ ما: "نحن مستعدون للموت". إذ ذكر أنَّهم كانوا يحملون سُمَّاً وكانوا مستعدين لتناوله.
كانت تشوي تعتقد أنَّ أختها كانت تحمل أفيوناً مدسوساً في ملابسها. وأضافت تشوي أنَّ الأفيون شائعٌ في كوريا الشمالية، حيث يُزرع الخشخاش في جميع أنحاء البلاد. كان غالباً ما يُستخدَم بجرعاتٍ صغيرة لعلاج نزلات البرد. لكنه يصبح قاتلاً عند تناوله بجرعاتٍ أكبر، لذا يُستخدم في الانتحار.
وكانت شقيقة تشوي قد أخبرتها في المكالمة الهاتفية بأنَّها تعرَّضت للضرب على مرِّ ثلاثة أشهر من الاعتقال في عام 2015. وإذا عادت أختها إلى كوريا الشمالية، ستكون العقوبة أقسى مما يمكن تصوُّره.
وفي أثناء رحلة المجموعة الشاقة، كانت تشوي وابنة أختها في غاية التوتر في سول، إذ قالت تشوي: "لم نأكل أو نشرب أي شيء".
وأخيراً، استطاعت المجموعة الخروج من الغابة، وعثر عليهم السائق على حافة بلدة تشانغباي في الساعة 2 صباحاً.
واتصل بها ابن أختها قائلاً: "لقد نجونا، سنعيش".
وأرسل السائق صوراً إلى تشوي وابنة أختها تُظهر الأفراد الخمسة مجتمعين ومرهقين داخل الشاحنة؛ إذ كان وجه الأخت الشبيه الشكل بالقلب مُجعَّداً عابساً بعض الشيء تحت شعرها المقصوص. وكان وجه ابن أختها الذي كان يرتدي سترةً بُنِّية يحمل تعبيراتٍ حائرة. بينما كانت صديقته (28 عاماً) ذات الشعر الطويل متراخيةً داخل الشاحنة ومُحدِّقةً في الكاميرا، وكان صديقاه اللذان كانا في أواخر العشرينيات من عمرهما يرتديان سترتين داكنتين.
كانوا يتحدثون بشوقٍ وانفعالٍ عبر الهاتف في الشاحنة وهي تسير نحو شينيانغ، لكنَّ السائق طلب من تشوي وابنة اختها التوقف عن الاتصال بهم، خشية أن تتمكن أجهزة المراقبة الصينية من رصد مكالماتهم. ثم خيَّم الصمت على المجموعة في الساعة 10 صباحاً حين كانوا يقتربون من وجهتهم.
اختفاء المجموعة
في البداية، لم يتمكن الوسيط في سول والمرأة الكورية الشمالية التي استعان بها من تفسير ما حدث. إذ قالت المرأة لتشوي بلهجةٍ فظَّة: "نحن نبحث عنهم".
لكنَّ المرأة سرعان ما قدَّمت تفسيراً، وقالت إنَّ الخمسة احتُجِزوا كرهائن. وقال سو إنَّ مثل هذه الادِّعاءات تُعَد حيلةً شائعةٍ بين الوسطاء للحصول على مزيدٍ من الأموال من الأقرباء القلقين على ذويهم.
وبعد عدة أيام، غيَّرت كلامها قائلةً: "لا بد أنَّهم تعرَّضوا للاعتقال".
وقالت إنَّها بحاجةٍ إلى المزيد من الأموال لإطلاق سراحهم.
ثم أخذت المرأة رزمةً من النقود واستقلت طائرةً إلى تشانغباي، حيث كانت تعتقد أنَّ المجموعة محتجزة.
وكانت ابنة أخت تشوي مستاءة جداً في هذه الأثناء، لدرجة أنَّها أرادت الذهاب إلى هناك أيضاً، لكنَّ تشوي طلبت منها البقاء، وقالت لها: "هل تريدين أن تموتي في الصين؟".
لكنَّ ابنة أختها لم تقف مكتوفة الأيدي وعملت بنصيحة أحد القساوسة ووقفت محتجةً أمام البيت الأزرق، مقر الرئاسة في سول.
ولخوفها من أن يتعرَّف عليها عملاء كوريا الشمالية، تنكَّرت بتجميع شعرها ذي اللون الأشقر فوق رأسها في كعكةٍ، وارتداء نظارة شمسية كبيرة. وحملت لافتةً مكتوبة بدمها لمناشدة الحكومة الكورية الجنوبية العثور على أمها وشقيقها.
وعادت المرأة الكورية الشمالية التي ذهبت إلى الصين بحثاً عن المجموعة بخُفَّي حُنين. وقالت إنَّ أحد المسؤولين الصينيين أخبرها باستحالة الحصول على معلوماتٍ عن المجموعة المفقودة، نظير أي مبلغٍ من المال. وأضافت أنَّ مسؤولاً ثانياً أخبرها بأنَّهم ماتوا.
وفي هذه الأثناء، قُبِض على سائق الشاحنة الصيني، ثم أُفرِج عنه بعد بضعة أيام. وقال لأحد الكوريين الشماليين في سيول، الذي استعان بخدماته من قبل إنَّ الخمسة قد ماتوا، لكنَّه لم يذكر معلوماتٍ أكثر من ذلك.
حوَّلت ابنة أخت تشوي جهودها نحو الاتصال بسفاراتٍ غربية في سول للحصول على المساعدة. والتقت في مناسبات عديدة بوزارة الخارجية الكورية الجنوبية. وذهبت عدة مراتٍ إلى وزارة الخارجية الكورية الجنوبية.
وتسرَّب خبرٌ من كوريا الشمالية بأنَّ هناك صوراً للأشخاص الخمسة قد ظهرت على لوحة إعلاناتٍ محلية في مسقط رأسهم، وهذه علامةٌ على موتهم. وقال أحد المخبرين في البلدة للمرأة الكورية الشمالية، إنَّ ابن أخت تشوي بدا في الصورة وكأنه تعرَّض للضرب. وقال المخبر إنَّ مسؤولين محليين استدعوا سكان البلدة إلى جلسةٍ توجيهية، وحذَّروهم من الموت إذا حاولوا الانشقاق.
وانتشرت شائعاتٌ في مجتمع الهاربين عن إعادة 5 جثث إلى كوريا الشمالية، لكن لم يكن هناك دليلٌ ملموس، ولا صورٌ للجثث.
لغزٌ غير محلول
مثَّلت محنة الكوريين الشماليين المنشقين في الصين قضيةً مهمة في كوريا الجنوبية، لا سيما أنَّ دستور كوريا الجنوبية يُحتِّم معاملة الكوريين الشماليين بصفتهم مواطنين كوريين جنوبيين.
واتهم بعض الكوريين الشماليين المنشقين الرئيس الكوري الجنوبي مون بتجاهل القمع الذي تمارسه الصين ضد المنشقين من أجل توطيد العلاقات مع بكين.
وقالت وزارة الخارجية الكورية الجنوبية، إنَّها طلبت من الصين معرفة مصير أخت تشوي ورفاقها الأربعة. وصحيحٌ أنَّ الصين أحياناً ما تستجيب بهدوء لمثل هذه الطلبات بإطلاق سراح المنشقين. لكنَّها غالباً ما تتجاهلها. وهذا ما حدث في حالة الأشخاص الخمسة، إذ لم ترد الصين.
وقال مسؤولون كوريون جنوبيون، إنَّ هذه القضية استثنائية؛ فعادةً ما يتمكنون من معرفة ما يحدث للمنشقين عن طريق مجموعةٍ متنوعة من المصادر، كوكلاء الاستخبارات التابعين لهم والمسؤولين الصينيين وأي تسريباتٍ من كوريا الشمالية، مثل التقارير المُسرَّبة عن الصور المنشورة.
وعند سؤال وزارة الخارجية الصينية في بكين عن هذه القضية، كرَّرت إجابتها المعتادة: الصين تعتبر الهاربين الكوريين الشماليين مهاجرين غير شرعيين، وتتعامل معهم وفقاً للقوانين الدولية والمحلية، والاعتبارات الإنسانية في بعض الأحيان.
ورفض مسؤولٌ بارزٌ في الوزارة قبول نسخٍ من صور الأشخاص الخمسة المفقودين، أو الاستفسار عنهم في مراكز الاعتقال الصينية على طول الحدود.
وذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش، المعنية بحقوق الإنسان، أنَّ المعلومات القليلة المتوافرة لديها تشير إلى أنَّ الأشخاص الخمسة قد انتحروا. لكنَّ متحدثاً باسمها أكَّد عدم وجود دليل قاطع على ذلك.
وقال فيل روبرتسون نائب مدير قسم الشؤون الآسيوية في المنظمة: "ما زال هناك خوفٌ من تعرَّض المنشقين الكوريين الشماليين المُعادين إلى بلادهم لاستجواباتٍ قاسية للغاية وتعذيب وحشي. ومن الواضح أنَّ احتمالية معاناتهم سنواتٍ من العمل القسري بعد ذلك تُعزِّز ذلك اليأس لدرجةٍ تدفع البعض إلى التفكير في الانتحار".
بينما لامت تشوي -التي دائماً ما ترتدي ستراتٍ أنيقة وسروايل مضغوطة مخيَّطة بعناية- نفسها لعدم تدبير خطة هروب أفضل. وقالت إنَّ أختها ساعدتها على الفرار من كوريا الشمالية قبل عشر سنوات، لكنَّها لم تستطع رد الجميل إليها.
لقد تقلَّبت حالتها المزاجية، وتجعَّد وجهها بعلامات الغضب والحزن، وأعربت عن قلقها حيال احتمالية موت أختها أو تعرَّضها لمعاملةٍ وحشية. وقالت إنَّ كاهلها مُثقلٌ باحتمالية عدم رؤيتها مرةً أخرى.
وقالت وهي تجلس على مقعدٍ في حديقةٍ لا تبعد كثيراً عن شقتها في الضواحي الخارجية بسول: "فعلتُ ذلك حين كانت رسوم الوسطاء رخيصة، والآن أقول لنفسي: "لماذا حاولوا المغادرة حين صارت الأمور في غاية الصعوبة؟".
وعند سؤالها عمَّا حدث على حد اعتقادها، قالت: "أظنُّ أنا وابنة أختى أنَّ أختي وابنها انتحرا. لكن ليس من الواضح ما إذا كان الخمسة كلهم قد انتحروا".