يواجه نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي السابق اللامع الذي كان يأمل إعادة إحياء مسيرته السياسية، تحقيقاً رسمياً على خلفية المزاعم بتلقي حملته تمويلاً غير قانوني في 2007، من رجل ليبيا القوي العقيد معمر القذافي.
وليس من الأكيد أنَّ ساركوزي، الذي قاد فرنسا بين عامي 2007 و2012 وفشل في الحصول على الدعم الكافي في محاولته الترشُّح من أجل العودة في 2016، سيمثل للمحاكمة. لكنَّ قرار المحققين مواصلة القضية يُمثِّل خطوة مهمة، ويعني أنَّ عودة ساركوزي إلى الساحة السياسية أصبحت أقل احتمالاً، بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
واعترف ساركوزي بذلك قبل أيام حين قال في مقابلةٍ تلفزيونية: "انتهت السياسة".
وإليكم بعض الإجابات عن الأسئلة المحورية بخصوص القضية.
ماذا حدث هذا الأسبوع؟
بحسب الصحيفة الأميركية، اتُّهِم ساركوزي (63 عاماً)، الذي كان يخضع لعدة تحقيقات بالفساد، رسمياً بالفساد السلبي، والتمويل غير القانوني لحملته، واختلاس أموال ليبية عامة. (تنطبق تهمة الفساد السلبي على الأشخاص المشتبه في حصولهم على أموال أو امتيازات).
وكانت القضية قد فُتِحَت في عام 2013، بعدما أشار تقريرٌ لموقع ميديا بارت الإخباري الاستقصائي إلى أنَّ حملة ساركوزي تلقَّت ما يصل إلى 50 مليون يورو (أو ما يقارب 62 مليون دولار بأسعار الصرف الحالية)، من حكومة العقيد الليبي الراحل معمر القذافي.
وكان المُحقِّقون يتقدمون في القضية ببطء، ولم تظهر تحقيقاتهم في عناوين الأخبار إلا بصورة متقطعة.
ما مدى مصداقية تلك الاتهامات؟
ملفات القضية مختومة ولا يمكن الكشف عن محتواها، ويُقال إنَّ العديد من الليبيين اضطلعوا بدورٍ فيها أو ماتوا أو أُبعدوا من البلاد، ما يجعل من الصعوبة تكوين صورة كاملة عن التحقيق.
وتضم القضية شبكةً مُعقَّدةً من العلاقات السياسية والمالية بين مستشاري ساركوزي، ومسؤولين كانوا جزءاً من حكومة العقيد القذافي قبل الإطاحة به، وشخصيات قامت بدورٍ غامض كوسطاء بين الطرفين بعد تحسُّن العلاقات بين فرنسا وليبيا في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، بحسب الصحيفة الأميركية.
ومصدر هذه الاتهامات غالباً هم مسؤولون ليبيون سابقون وتاجر أسلحة فرنسي-لبناني يُدعى زياد تقي الدين، عمل كوسيطٍ، ويقول إنَّه شخصياً سلَّم ملايين الأموال نقداً لحملة ساركوزي. وترك أحد المسؤولين، وهو وزير نفط سابق في حكومة القذافي يُدعى شكري غانم -عُثِر على جثته في نهر الدانوب بفيينا في 2012- وراءه وثائق تشير إلى مدفوعات قُدِّمت لساركوزي في 2007.
وقدَّم المسؤولون -وتقي الدين- رواياتٍ متضاربة حول سلسلة الأحداث والمبالغ المالية المشمولة في هذه القضية. بل ونفى بعض المسؤولين الليبين تلقِّي حملة ساركوزي أي تمويلات، كما تقول الصحيفة الأميركية.
ويبدو أنَّ تقريراً للمُحقِّقين استشهدت به وسائل الإعلام الفرنسية قد أثبت أنَّ حملة ساركوزي في عام 2007 كانت لديها مبالغ غير معتادة من النقد، واستأجر أحد كبار مساعدي ساركوزي قبواً كبيراً في أحد البنوك أثناء الحملة، ظاهرياً لتخزين الوثائق والخطابات. لكنَّ المبالغ المذكورة كانت في حدود عشرات الآلاف وليس الملايين.
مع ذلك، تشير حقيقة إصدار القضاة الفرنسيين الذين يتولون التحقيق في القضية قراراً بإخضاع ساركوزي لتحقيقٍ رسمي إلى أنَّه توجد أدلة على مخالفاتٍ محتملة، حتى ولو أنَّ نطاقها وطبيعتها بالتحديد لا تزال غير واضحة، بحسب نيويورك تايمز.
ما الذي يقوله ساركوزي؟
نفى ساركوزي بصورة مستمرة وقوية الاتهامات، واصفاً إياها بـ"البشعة". وقال في مقابلةٍ على القناة التلفزيونية الفرنسية "TF1″، إنَّه "لم يخن قط ثقة" الشعب الفرنسي.
وأضاف: "لا توجد وثيقة واحدة، ولا صورة واحدة، ولا حساب واحد، ولا دليل مادي واحد. توجد فقط كراهية، وتشهير، وضحالة، وحقد، وافتراء".
ووصف ساركوزي تقي الدين بـ"الشرير" و"المختل". وهاجم ساركوزي العقيد القذافي ومساعديه باعتبارهم "قَتَلة" و"مجرمين" لا يمكن الوثوق بهم، لافتاً إلى أنَّ الكثير من الاتهامات تأتي من مسؤولين ليبيين سابقين، بحسب الصحيفة الأميركية.
وجادل بأنَّ الاتهامات تحركها رغبة من حلفاء العقيد القذافي في الانتقام منه. وكانت فرنسا تحت قيادته قد اضطلعت بدورٍ بارز في حملة الضربات الجوية التي قادها حلف شمال الأطلنطي (الناتو) في ليبيا، التي أدَّت في نهاية المطاف إلى إطاحة العقيد القذافي ومصرعه على يد الثوار الليبيين في 2011.
ماذا سيحدث بعد ذلك؟
وفي فرنسا، يجري التعامل مع القضايا الجنائية المُعقَّدة عن طريق قضاة خاصين لديهم سلطات تحقيق واسعة، ويُخضِعون المُتهمين لتحقيقٍ رسمي حين يعتقدون أنَّ الأدلة تشير إلى ارتكاب مخالفاتٍ حقيقية.
يعني هذا أنَّ التحقيق سيستمر لعدة أشهر، إن لم يكن أطول. وستُقيَّد تصرفات ساركوزي أثناء قيام القضاة بعملهم، وهي السابقة الأولى التي تحدث لرئيسٍ سابق في تاريخ فرنسا الحديث، بحسب الصحيفة الأميركية.
إذ حُرِم من مقابلة العديد من الأشخاص أصحاب المصلحة في القضية، بما في ذلك حليفان مقربان يخضعان أيضاً للتدقيق، ويُمنَع عليه أيضاً السفر إلى بضعة بلدان، منها ليبيا. وقال محامي ساركوزي إنَّه سيستأنف على تلك القيود.
لكنَّ ساركوزي لن يمثل بالضرورة للمحاكمة حين ينتهي التحقيق. ويمكن أن يُسقِط القضاة عنه التهم إذا لم يكن لديهم اعتقاد بأنَّها كافية للمضي قُدُماً، والشروع في دعوى. وحتى إذا أَمَر القضاة ساركوزي بالمثول للمحاكمة، فسيظل بإمكانه الاستئناف على القرار.
ما الادعاءات الأخرى التي يواجهها؟
وبحسب الصحيفة الأميركية تلاحق ساركوزي اتهامات بمخالفات مالية منذ غادر منصب الرئاسة. وأعاق ذلك قدرته على القيام بعودة سياسية، بالرغم من الشعبية التي يتمتع بها لدى قاعدة حزبه.
وأُمِر بالمثول للمحاكمة في قضيتين أخريين. اتُّهِم في الأولى، التي تشمل حملته الانتخابية في 2012، بتجاوز حدود الإنفاق المفروضة على الحملات الانتخابية. ويُتَّهم في الثانية بمحاولة الحصول على معلومات سرية من أحد القضاة.
وأُسقِطَت قضايا أخرى ضد ساركوزي، من بينها قضية اتُّهِم فيها بالتلاعب بثروة وريثة مجموعة لوريال من أجل تمويل حملته الانتخابية في 2007.