لم تشهد مصر منذ حركة التغيير العسكرية في يوليو/تموز 1952 انتخابات بشكل ديمقراطي وسياسي بحت كتلك التي جرت في عام 2012 بعد نجاح ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وتخلّي الرئيس حسني مبارك عن منصبه وتكليفه للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، برئاسة المشير حسين طنطاوي، بإدارة شؤون البلاد، وما سبقتها من تعديلات دستورية من لجنة عيّنها المجلس في 15 فبراير/شباط 2011 لإجراء تعديلات على دستور 1971، الذي تم تعطيله بموجب الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس العسكري في 13 فبراير/شباط 2011.
كان لتلك التعديلات في مواد الدستور طابع خاص على الساحة السياسية في مصر، خصوصاً أنها كانت الطريق لإجراء أول انتخابات تشريعية ورئاسية بعد ثورة يناير، وتسليم الجيش السلطة إلى تيار مدني، وكانت من بين التعديلات الدستورية أن تكون مدة الرئاسة أربع سنوات لا تتكرر إلا مرة واحدة، أي لا يجوز للرئيس الترشح أكثر من دورة، وتعديل الشروط التعجيزية التي دسَّها نظام مبارك في مواد الدستور للقضاء على التنافسية التي لم تكن موجودة من الأساس، والتي أيضاً كان من بينها استبعاد وزارة الداخلية من الإشراف على الانتخابات، وجعلها تحت إشراف قضائي كامل؛ لما كان معهوداً من تورطها في تزوير السباق لمبارك والحزب الوطني المنحلّ والحاكم آنذاك.
الشأن العام في تلك الفترة جعله السباق الرئاسي الأهم والأقوى في تاريخ مصر، مع وجود قوة فعلية للمرشحين على الساحة السياسية والشعبية، فكان منهم عمرو موسى وحمدين صباحي وعبد المنعم أبوالفتوح ومحمد سليم العوا.. جميعاً كانوا ذوي ثقل في المجتمع المصري، حتى إن النظام السابق كان حاضراً في هذا السابق من خلال رئيس وزرائه الأخير أحمد شفيق، كانت كافة التيارات والتوجهات متواجدة بين الإسلاميين واليسار والإشتراكيين والناصريين وغيرهم من ذوي التوجهات المتعددة.
لكن الشعبية الغالبة التواجد الحاضر كانت للتيار الإسلامي المتمثل بجماعة الإخوان المسلمين ومرشحها الدكتور محمد مرسي.
ولهذا أسباب منطقية كثيرة كانت جماعة الإخوان قادرة على التحرك وحشد مناصريه بشكل واسع مستغلةً تواجدها البعيد داخل القاعدة الشعبية في مصر، وكثرة مؤيدي التيار الإسلامي وحتى السياسي للجماعة التي قررت أن يكون المرشح عن حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لها، لم يكن يخفى على أحد الشعبية الفائقة التي لم يسبق لها مثيل كتلك التي كان يتمتع بالإخوان حتى في عزّ النظام والرئيس المخلوع مبارك.
ولكن سرعان ما انتهت تلك التجربة الديمقراطية وصارت إلى اللاشيء بعد أن اطاح المجلس العسكري بمحمد مرسي، وتولّى السلطة المشير عبد الفتاح السيسي في انتخابات لم يسبق لها مثيل؛ حيث تخطت الأصوات الباطلة عدد الأصوات التي حصل عليها منافسه حمدين صباحي.
فى انتخابات 2018 لم تكد تصل حتى إلى حد أن توصف بالانتخابات، أو على الأقل استفتاء، حالة القضاء على التعددية والمنافسين التي اتبعها النظام المصري كانت كافية لإبعاد كافة المرشحين ذوي الثقل بين معتقل كالفريق سامي عنان رئيس الأركان الأسبق أو الفريق أحمد شفيق المنافس السابق للإخوان، النظام المصري جعل من المناخ الديمقراطي والوضع السياسي الذى خلقته ثورة الخامس والعشرين من يناير شيئاً لم يكن.. فليس من الممكن القول إن شيئاً قد تغيّر إلى الأفضل، فالأمور عادة إلى أسوأ عهدها كما كانت قبل يناير أو أكثر.
بلا شك فإن الرئيس السيسي نفسه يدرك تماماً أن هذه ليست انتخابات، وأنه لا يحتاج إلى أصوات للفوز بها، وإن كان هو ينافس مرشحاً قلّ من لا يعلمون أنه مرشح دفع به النظام الحاكم في الدقائق الأخيرة لتفادي نظرات المجتمع الدولي حيال الأساليب القمعية التي اتخذت ضد المرشحين السابقين.
السياسة القمعية التي خُلقت أيديولوجية الاستبعاد كانت طاغية على المشهد السياسي في مصر، خصوصاً قبل هذه الانتخابات، تزامناً بالضبط مع التراجع الشعبي الواسع لكافة الأحزاب والتيارات في مصر عند المواطن، الذي أصبح لا يعنيه من الأمر السياسي والانتخابي شيء مع تزايد المشكلات، والأزمات المعيشية التي أصبحت هي الشاغل الأساسي للمصريين، والتى يُرجعها الكثير إلى الإجراءات الاقتصادية القاسية التي يتخذها الرئيس منهجاً له.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.