تقتحم شركات النفط الكبرى مياه البحر المتوسط قبالة سواحل إسرائيل ولبنان ومصر بعد سنواتٍ من مساعدة الدبلوماسية الأميركية في كسر العائق السياسي المُحيط باكتشافات الغاز الطبيعي العملاقة في الشرق الأوسط.
وتعتزم شركات إكسون موبيل ورويال داتش شل وتوتال الفرنسية وشركات أخرى الاستثمار في الصادرات والتنقيب في شرق البحر المتوسط.
تعزَّزت آمال تلك الشركات بعقدٍ تاريخي الشهر الماضي بين شركاتٍ أميركية وإسرائيلية ومصرية بعثت الحياة من جديد في السوق الإقليمية.
وتُجري شركة شل مباحثاتٍ مع مستثمرين في حقول الغاز الطبيعي قبالة سواحل إسرائيل وقبرص لإمداد منشأة التسييل التابعة لها في مصر، وذلك وفقاً لأشخاصٍ مطلعين على المسألة.
وإذا مضى الاتفاق قُدُماً، سيسمح لإسرائيل بالتصدير السريع لبعض احتياطيات الغاز الطبيعي الهائلة التي اكتُشِفَت في البحر المتوسط إلى الغرب من حيفا، وفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية.
وكانت شركتا إيني الإيطالية وتوتال قد أعلنتا الشهر الماضي اكتشافاً جديداً قبالة سواحل قبرص. ويعمل عملاقا النفط أيضاً معاً للتنقيب في المياه المتنازع عليها قبالة سواحل لبنان. وتستعد شركة إكسون موبيل هي الأخرى للتنقيب في منطقةٍ قريبة.
ووفقاً لشركة وود ماكينزي الأسكتلندية لاستشارات الطاقة يُقدَّر إجمالي احتياطي الغاز الطبيعي في المياه قبالة سواحل إسرائيل وقبرص ومصر بـ125 تريليون قدم مكعبة. ويكفي هذا لتلبية الطلب الأميركي لخمس سنواتٍ تقريباً.
وتأتي موجة النشاط هذه بعد سنواتٍ من الدبلوماسية الأميركية الرامية لربط اقتصادات الدول التي كانت في السابق معاديةً لإسرائيل، مثل مصر والأردن، وتطوير شرق البحر المتوسط ليصبح مركزاً للغاز الطبيعي من أجل تقليل اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية.
كسر المقاومة
ويقول المسؤولون الأميركيون إنَّهم عملوا على كسر المقاومة في صفوف الدول العربية للتعامل مع إسرائيل، التي هي الآن مُستعدة للاستفادة من غازها الطبيعي، لكن لا يوجد سوى جيران قليلين على استعدادٍ لاستقبال صادراتها.
حدث تقدمٌ في المسألة في فبراير/شباط الماضي حين وقَّعت شركة نوبل إنيرجي -مقرها في مدينة هيوستن الأميركية- وشركاؤها اتفاقاً بقيمة 15 مليار دولار لتوريد الغاز من حقلي غاز تمار وليفياثان الإسرائيليين إلى شركةٍ مصرية. فمع أنَّ مصر وإسرائيل كان بينهما اتفاق سلام منذ 4 عقود، لطالما كانت فكرة الاعتماد على صادرات الطاقة الإسرائيلية مثيرة للجدل لدى الجمهور العربي.
وقال وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز في مقابلة: "أن تُصدِّر إسرائيل الطاقة إلى العالم العربي، مَن كان يتصوَّر موقفاً كهذا قبل 20 أو 30 سنة؟".
وأوضحت مصادر مُطلعة أنَّ الاتفاق استند إلى اتفاقاتٍ شبيهة بين مستثمرين في حقولٍ إسرائيلية وشركاتٍ أردنية توسَّط فيها وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري. وقال مسؤولون أميركيون إنَّ إدارة ترامب لا تزال منخرطةً في شؤون الطاقة بالمنطقة، مع أنَّها لم تضطلع بدورٍ مباشر في الاتفاق الأخير.
وقال باس برسيفال، وهو مُحلِّل بشركة وود ماكينزي: "كان لابد من التوصل إلى اتفاقٍ مبدئي لضخ الثقة بالسوق".
الاكتشافات الأكبر في العالم
وكانت اكتشافات الغاز الطبيعي المصرية والإسرائيلية في البحر المتوسط من بين الأكبر في العالم على مدار العقد المنصرم. لكنَّ المنطقة كانت بطيئة التطوير بسبب خلافات إسرائيل مع جيرانها، والبيروقراطية المحلية، والنزاعات القانونية.
وقال شخصٌ مطلع إنَّ شركة شل، التي كانت مترددةً منذ فترةٍ طويلة في عقد اتفاق غاز إسرائيلي-مصري، تفكر في عقد اتفاق لمدة 15 سنة بقيمة تصل إلى 30 مليار دولار لشراء الغاز من الحقول الإسرائيلية والقبرصية وإسالته في مصر، ثُمَّ تصديره إلى أوروبا وغيرها.
ورفضت متحدثة باسم شل التعليق على الاتفاق المحتمل. وقالت متحدثة باسم شركة نوبل إنيرجي إنَّ الشركة تواصل التفاوض على صفقاتٍ لتصدير الغاز مع أطرافٍ متعددة.
وركَّزت شركة بريتيش بتروليوم على اكتشافات الغاز قرب السواحل المصرية، التي وصفها متحدثٌ بأنَّها "حوضٌ خصب". وبدأت الشركة العام الماضي الإنتاج في 3 حقول جديدة، وتعتزم ضخ الغاز من حقلٍ آخر في وقتٍ لاحق من هذا العام.
واستفادت اكتشافات الغاز المصرية من سوق غاز محلية كبيرة بها 95 مليون نسمة، وأساطيل من سيارات الأجرة تعتمد على مركباتٍ تستخدم الغاز الطبيعي المضغوط.
مع ذلك، توجد بعض العقبات في مناطق أخرى.
وقالت ريبيكا أرنولد، المتحدثة باسم إكسون موبيل، إنَّ شركة إكسون موبيل وشركة النفط القطرية الحكومية تعتزمان التنقيب قبالة شواطئ قبرص في النصف الثاني من هذا العام 2018.
في هذه الأثناء، تواجه جهود اكتشاف الغاز قرب لبنان عقبة الخلافات البحرية مع الجارة إسرائيل. والتزمت شركتا إيني وتوتال بالتنقيب قرب منطقةٍ تدَّعي كلٌ من إسرائيل ولبنان تبعيتها لها، ما يزيد الحرب الكلامية بين البلدين.
وتقول توتال إنَّ الموقع الذي تعتزم التنقيب فيه يبعد أكثر من 25 كيلومتراً من المنطقة المتنازع عليها، وإنَّ ذلك لا يجب أن يُمثِّل مشكلة.
ولا يزال الاتفاق الأخير بين شركاتٍ مصرية والشركاء في تطوير حقل ليفياثان يواجه هو الآخر عقباتٍ متعلقة بالنقل.
إذ هاجم مسلحون في 2012 خط أنابيب لنقل الغاز من مصر كان يُزوِّد إسرائيل والأردن بالغاز، ما أعاق الإمدادات وأدَّى إلى مجموعةٍ من الدعاوى القانونية بين الشركات المعنية. ولا يزال مسلحون مرتبطون بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) موجودين في شبه جزيرة سيناء حيث يوجد خط الأنابيب، وتقول مصر إنَّ بإمكانها منع تلك الهجمات في المستقبل.