تمكين الاستقرار

ويشكل الوضع الحالي في العراق عقبة كبيرة أمام تنفيذ برامج تمكين الاستقرار والاندماج المجتمعي المتكامل، والتي بدأ تنفيذها منذ فترة ليست بالقصيرة. فهناك ثلاث عقبات رئيسية تتمثل في غياب التنسيق والتعاون بين مختلف المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، والحاجة إلى مزيد من الجدية والعدالة "الحكومية" بدلاً من المزيد من "العسكرة والعشائرية"

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/16 الساعة 04:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/16 الساعة 04:06 بتوقيت غرينتش

يبدو أن العراق على وشك المرور بمرحلة فاصلة، فالنصر العسكري على داعش وفشل محاولة انفصال كردستان وعودة العلاقات العراقية-العربيّة، جعلت من العراق ضمن دائرة اهتمام الاستراتيجية الأمريكية والأوربية الجديدة، والتي تهدف إلى اتخاذ عدة خطوات إيجابية في سبيل تحقيق تمكين الاستقرار الأمني والاقتصادي والمجتمعي والتحفيز على تحكيم الوسائل الديمقراطية. الموطن العراقي يتذمر ويعتقد أن برامج تمكين الاستقرار جاءت متأخرة لمدة 11 عاماً على الأقل، فقد كان يتعين على دول التحالف بقيادة الولايات المتحدة 2003 أن تعطي التزاماً أكثر عمقاً من الاقتصاد والتعليم والتشجيع على الديمقراطية والتعددية والاعتراف بالآخر وتعزيز الثقة بالهوية الوطنية والعدالة الانتقالية، في المقام الأول، فالأسلوب الأمريكي العسكري والموقف الأوروبي والإيراني والتركي والعربي خلال تلك الأعوام لم تتوافق مع كامل الواقع العراقي، وضروريات الحاضر والمستقبل في العراق.

الحاجة كانت إلى إطار واقعي للتنسيق بين كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية من أجل تمكين الاستقرار. ولم تكن الاستراتيجية الأمريكية (التي كان أساسها استبدال نظام البعث واجتثاث قياداته وهيكلة المؤسسات الأمنية والعسكرية ومكافحة الإرهاب). وكانت طريقة الاتحاد الأوروبي تقوم على أساس الثقة بالمجتمع المدني ومنظماته وتمكين الاستقرار من خلالها وصناعة التعليم المثالي والتأكيد على مشاركة الجندر، بمثابة الحل الشافي لهذا البلد: وكما يقول صن تزو: "حينما تعرف عدوك ونفسك، لا يكون هناك داعٍ لأن تخشى النتيجة التي تتمخض عنها مئات المعارك، ولكن حينما تجهل كلاً منهما، فسوف تستسلم في كل معركة".

والأسلوب الاقتصادي الجديد جاء نتيجة لتقارير البنك الدولي الذي رسم السياسة المالية والاقتصادية العراقية، وهو يأخذ في الاعتبار الدروس المستفادة من الأخطاء والنجاحات التي تحققت في الحرب على الإرهاب، وسوف يتم فرض الأسلوب الاقتصادي الجديد الذي يستند على تحقيق الحد الأدنى من الاحتياجات الكمالية والحد الأقصى من الاحتياجات الضرورية، وذلك من أجل تحقيق عدد من الأهداف المتداخلة والتي منها إرساء الأمن والتنمية واللامركزية في الحكم لكل محافظة من محافظات العراق. وهذه الرؤية لا تؤمن بأن خيار عسكرة العراق وحده يمكن أن يكون مناسباً. ففي نهاية المطاف، يكمن الحل (اقتصادي-سياسي) ومفاتيحه في أيدي الشعب العراق "انتخابات 2018". في غضون ذلك، يتعين على كل من قوات الأمن والجيش والحشد في العراق أن يقوموا بحماية الشعب من خلال تهيئة بيئة آمنة لحكومة جيدة وإتاحة المناخ المناسب والآمن للانتخابات من خلال خطة أمنية فعالة تقوم على أساس الانتشار وتأمين الطرق ومقرات الاقتراع.

ويشكل الوضع الحالي في العراق عقبة كبيرة أمام تنفيذ برامج تمكين الاستقرار والاندماج المجتمعي المتكامل، والتي بدأ تنفيذها منذ فترة ليست بالقصيرة. فهناك ثلاث عقبات رئيسية تتمثل في غياب التنسيق والتعاون بين مختلف المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، والحاجة إلى مزيد من الجدية والعدالة "الحكومية" بدلاً من المزيد من "العسكرة والعشائرية"، فيما يتعلق ببناء مؤسسات أكثر كفاءة وأكثر نزاهة ووجود نهج وحل إقليمي واضح. وربما كانت أكثر المشاكل خطورة في العراق على المدى القصير والمتوسط، هي مشكلة غياب هيبة القانون والاستخفاف بالدستور وضعف القضاء والأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة، فعدم توافر الحماية الشاملة والملائمة لموظفي المؤسسات الحكوميّة، ينتج عنها سوء تنفيذ برامج البنية التحتية، وخلق لدى العراقيّين الاعتقاد بأنه ليس هناك التزام أو جدية في العمل،

وبالتالي ينبغي أن يتم إعطاء الأولوية لوجود درجة أمان كافية، والذي يستتبع بالضرورة استحداث جهاز حكومي لمكافحة الفساد لديه التشريعات والصلاحيات والسلطة التنفيذية اللازمة لاجتثاث أركان الفساد من جذورها. وقد أدت عودة تمرد العشائر والسلاح السائب في مناطق الجنوب العراقي الغني بالثروات إلى انتشار الرعب في المجتمع، وإحجام المواطن عن الثقة بمؤسسات الدولة وبالتالي لا يقدم الدعم إلى الحكومة الضعيفة، حيث يعتقد عراقيّو الطبقة الوسطى أن فكرة اتباع برنامج يقتصر على العسكرة ووعود الإعمار والاستثمار هي فكرة خاطئة، وأنه ينبغي أن يتم إعطاء الأولوية لضرورة إحلال الأمن في البلاد.

المشكلة في العراق تتمثل في حقيقة أن هذا الصراع ذو طبيعة مناطقية وقومية وطائفية، لتعزيز السلطات والاستحواذ على الثروات. فحتى إذا نجحت عملية دحر تنظيم داعش والمصالحة السياسيّة، فإن فلول داعش وخلاياها، لا تزال قادرة على المبادرة والعودة لعمليات إرهابية نوعية وذات بعد سياسي وطائفي أو قومي. وهذا لا يضمن نجاح الاستراتيجية الجديدة بالرغم من أن أسلوب القيادة المشتركة العراقية والتحالف الدولي الذي يهدف في نهاية المطاف إلى تصفية فلول داعش بحملات مستمرة ومجدولة في العراق وتحقيق الاستقرار في المناطق المحررة.

من هذا المنطلق، فإن حل الحكومة العراقية لمشكلة فلول الإرهاب وخلاياه النائمة بمثابة أمر بعيد المنال بالنسبة لبعض الحلفاء الأوروبيين حيث قد لا يكون أغلبهم على استعداد للمكوث في العراق لوقت طويل. وللأسف الشديد، فإن الأمر المتوقع في مناطق شمال ديالى وصلاح الدين والأنبار، وجنوب كركوك ونينوى، من المتوقع أن تزداد قوة داعش من الناحية العملياتية والنوعية مما يخلق مأزقاً أمنياً للمناطق المستقرة نسبياً لها (كحزام بغداد وبابل مثلاً) الأمر الذي قد يدفع باتجاه المزيد من العسكرة في هذا الجزء من العراق الذي يمنع تنفيذ برامج تمكين الاستقرار وعودة النازحين ودمج المجتمعات.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد