لا تأتِ شام.. بلادنا ميتة

لا أدري لماذا نفعل هذا ما دُمنا نعلم أن هذه الأرض لا عدالة فيها، ومع ذلك نُصّر على مواصلة نقل قصص المظلومين والمنكوبين؟!

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/13 الساعة 05:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/13 الساعة 05:01 بتوقيت غرينتش

يقال: "إذا تعاظَم حزنك أو فرحك صَغُرَتْ الدنيا" لقد كُتب على شعبنا أن يحرق كل يوم قلوب البشرية، وأن يعكر ضجيج موتنا صفو إنسانيتهم، ويُعري حقوق الإنسان ووجه العالم القبيح.

في كل يومٍ هناك مأساة تخرج للعلن، وهناك صور تخرج من بقعة ما في وطني؛ لتكون دليلاً على هذا الظلم في الأرض.

لا أدري لماذا كُتب علينا أن نكون كذلك؟ وأما نحن كصحفيين في مناطق حروب فوجعنا وجعَان: وجع للوطن الذي يموت أمامنا، ووجع من هول القصص التي كُتب لنا أن نكون شهوداً عليها، ورسائل وَجَبَ علينا حملها كل يوم لعالم ميت.

لا أدري لماذا نفعل هذا ما دُمنا نعلم أن هذه الأرض لا عدالة فيها، ومع ذلك نُصّر على مواصلة نقل قصص المظلومين والمنكوبين؟!

أذكر قبل سنة ونصف اتصلت بمحمد مباركاً له في زواجه، وقبل شهرين اتصلت به مباركاً له بمولوده الأول، لقد كانت طفلة وسمّاها "شام".

أرسل لي صورها، هي تشبه الشام في عينيها، أما وجهها الصغير فيوحي بأنها ملاك أخطأ طريقه إلى هذه الدنيا، مع ذلك فعلامات الحصار تبدو واضحة عليها.

لا أدري إن كان محمد سيُكتب له عُمْر ليقرأ هذه المدونة، آخر رسالة له اليوم قال فيها "سامحني.. إننا ناجون حتى إشعار آخر"، كن بخير يا صديقي الذي لم ألتقِ به شخصياً، لقد تعرفت على محمد نتيجة عملي الصحفي كمصدر لي في الدفاع المدني بالغوطة الشرقية.

جمعتنا علاقة صداقة وأخ لم أرَه أو يرَني إلا بالصور، في الحملة الأخيرة على الغوطة الشرقية كتب على صفحته على الفيسبوك راثياً طفلته "لقد ماتت شام"، صُعقت بذلك، لقد ماتت شام الصغيرة، لقد ماتت قبل أن تأتي أصلاً، هي لم ترَ بعد شيئاً من هذه الدنيا، لم ترَ الشمس أصلاً فمنذ أن وُلدت في الأقبية مع والدتها هرباً من القصف والجحيم، لم ترَ أباها لما يكفي للوداع، هو أيضاً مشغول بإنقاذ الأرواح، لا أدري إذا كان قد تأخر في إنقاذ روحها، لم أستطِع سؤاله كيف أخرجتها من تحت الأنقاض؟ ماذا فعلت حينها؟ هل صرخت وأسمعت مَن به صمم؟ هل أسمعت مَن أقفل قلبه عن نصرتكم؟ هل ناديت أم صعقت مثلي وقررت السكوت في عالم لا عدالة فيه؟!

أرسلت تسجيلاً صوتياً لمحمد مواسياً إياه بطفلته، حاولت أن أصبّر قلبه وأنا الذي أحتاج لمن يواسيني بموت تلك الصغيرة، إننا نكذب على بعضنا في هذا الوطن، نواسي بعضنا، ونشد عزيمة بعضنا، وكل منّا قد أثقلته جراحه وأحرقت جوفه.

في مساء اليوم التالي وصلتني تسجيلات صوتية من محمد يبكي فيها ابنته ويقول: "أنا غلطت، الذنب ذنبي، نحن لازم ما نتزوج، ما لازم ننجب أولاد على هالدنيا، شو ذنبهم يولدوا بوطن عم بموت، شو استفدت إلا حرقة القلب، لسه ما قدرت أشوفها غير شهرين، ما لحقت أودعها".

أحقاً ما يقول إننا نقترف خطأ حينما ننجب أولادنا في هذا الوطن؟ أيّ ظلم نفعله؟ أيّ جريمة تلك؟ ما ذنبهم إذا كان الوطن يموت؟ لماذا نشتري لأنفسنا الألم؟ ما ذنبهم؟ وما ذنبنا أصلاً أن نولد نحن أيضاً في هذا الوطن؟ إننا ندفع ثمن أخطاء غيرنا، لماذا لم يخبرونا سابقاً في أيامنا الأولى أن الوطن كذلك؟ لماذا نُقتل وتُقتل فلذات أكبادنا؟ لماذا ندفع ثمن كرسي من دمائنا؟!

قبل سنوات قلت لصديقي أحمد -رحمه الله- قبل أن أخرج من وطني، لا تتزوج نحن كتب علينا أن نبقى كذلك حتى تنتصر الثورة إن بقينا أحياء، لم يفهم كلامي حينها واكتفى بالضحك، سألته حينها ما ذنب تلك الفتاة الشابة أن تصبح أرملة، وما ذنب الطفل أن يولد يتيماً أو يصبح يتيماً قبل أن يكبر؟ أو ما ذنبنا أن نأتي بأولاد قرابين للوطن ونموت حسرة على فقدانهم؟ لماذا كل واحد يدفع ثمن أخطاء غيره؟ ولماذا نشتري الألم لنا ولغيرنا؟!

لم يسمع كلامي، تزوج واستشهد قبل أيام من مشاهدة مولوده الأول، لقد ولد الطفل يتيماً قبل أقل من أسبوع من مشاهدة والده، لقد مات أحمد وسمّوا الطفل أحمد، لم يكتب لأحمد الصغير أن يرى أحمد الكبير، وكُتب على تلك الفتاة أن تصبح أرملة.

أذكر أن أحمد قال لي حينها: "الحياة لا تتوقف يجب أن تستمر، هذه الأرض تحتاج لمن يكمل المشوار"، وأذكر أنني لم أجِب بشيء بعدها.

لكن إلى اليوم يا صديقي ما زلتُ أبحث عن الإجابة.. لماذا هذه الأرض تريد كل ذلك؟! ألا يكفي أن يحيا الأحمدان معاً؟!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد