بعد أول مؤتمر تم عقده لتأييد عبد الفتاح السيسي في انتخابات الرئاسة المصرية 2018، والذي عُقد في المنوفية؛ ذاك الذي لم يحضره أحد، تبارى المطبّلون في جميع المحافظات إلى عقد المزيد من مؤتمرات الدعم، مع ضمان تواجد جماهيري كبير؛ كي لا تتكرر الفضيحة الكاشفة لتدهور شعبية السيسي، والذي يجاهدون لخداع العالم الخارجي على أن ذلك التدهور ما هو إلا محض أكاذيب يروّج لها الإخوان.
وكما تم استغلال النفوذ الإداري على الموظفين لأجل إجبارهم على عمل توكيلات للسيسي في الشهر العقاري للترشح بعد عزوف المواطنين عن عمل تلك التوكيلات من تلقاء أنفسهم في الأيام الأولى من أيام عمل اللجنة الانتخابية، فقد تم إجبار الموظفين على حضور مؤتمرات الدعم لاستكمال فصول المسرحية الهزلية المسماة بانتخابات الرئاسة المصرية 2018.
لكن الجديد في أمر مؤتمرات دعم الترشح أنه قد وُجد لها رافد آخر يسعى من خلاله الزامرون للتزلّف إلى الديكتاتور طلباً لنيل مطامعهم!
دعوة عامة تلقيتها أنا وجميع أفراد عائلتي من القائمين على إدارة مجموعات العائلة على الفيسبوك، لأجل اللقاء في إحدى قاعات مدينة إدكو بمحافظة البحيرة، وهي أكبر مدينة تضم آلافاً من أبناء عائلتنا المنتشرة في ربوع مصر، والوطن العربي.
كانت الدعوة عامة تماماً حتى إنها شملت أبناء العائلة من الدول العربية العشر الأخرى التي تتفرع فيها عائلتنا، وقد لبّاها بالفعل عدد من آل زيتون في سوريا المقيمين بمصر حالياً، كما لبّى الدعوة أحد رجال الأعمال من العائلة بالكويت.
ولأنها ليست أول مرة تتجمع فيها العائلة، فتلك الاجتماعات معتادة سنوياً بالنسبة لنا، في البحيرة أو الشرقية، فلم يشكّ أحد في وجود سبب آخر للقاء، خاصة والأفراد الذين دعوا إليه هم الشباب القائمون على إدارة مجموعات العائلة على الفيسبوك والمعروفون للجميع، كما لم يدر بخُلد أحد ممن تلقوا الدعوة أن أحداً يمكن أن يستغل ذلك التجمع لأجل تحقيق مآرب حقيرة.
تم ترتيب السفر من الشرقية إلى البحيرة في اليوم المرتقب، وإذا بي في منتصف الطريق أعلم من بعض من كانوا يجلسون بجانبي في الحافلة أن هناك أفراداً معدودين كانوا قد بيّتوا النية على إظهار المؤتمر على أنه مؤتمر دعم العائلة للمرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي، مع علمهم بأن نسبة -أزعم أنها كبيرة- من أفراد العائلة لا تدعمه، ولو علم هؤلاء بالأمر ما حضروا، وأن هذه الفئة النفعية لذلك أخفوا نيتهم ليباغتوا الجميع، وأنهم كي يضمنوا أن يمر المؤتمر كما أرادوا بادر أحدهم بالاستعانة بتليفزيون الإسكندرية وإحدى الجرائد لتغطية المؤتمر كي يضطر المعارضون إلى الصمت وعدم إظهار أي اعتراض خوفاً من عناصر الأمن المتواجدين! بل وخوفاً من إحراج العائلة! لكن لحسن الحظ أن الأمر قد تسرب إلى بعض كبار العائلة من المعارضين، وحدث خلاف، ثم اتفق الجميع على عدم الخوض في السياسة بتاتاً، وعدم الحيد عن الهدف الاجتماعي للقاء؛ لأن هذا إن حدث سيكون سكيناً يطعن في شمل العائلة، ولا يعلم سوى الله -تعالى- متى يمكن أن يبرأ أثره.
عندما علمت بالأمر أثناء رحلة السفر، تشككت في تنفيذ الاتفاق بعدم الخوض في السياسة، وأعلنتها في الحافلة أن هذا إن حدث فلا يتوقعن أحد منّي الصمت إزاءه، وأن ليس من حق قلة منتفعة أن تخدع بقيتنا، فإن أظهرنا اعتراضنا أصبحنا نحن من نقطع الرحم ونحرج العائلة! وتحسباً للأمر رفضت أنا وأغلب من في الحافلة تدوين بياناتنا التي كان يجمعها أحد المنظمين للرحلة.
وصلنا إلى قاعة المؤتمر، ووجدنا بعض كبار العائلة بإدكو في استقبالنا، فكلمت أحدهم -كوني على معرفة به- مستفسرة عما بلغني فأكد لي أن النية بالفعل كانت مبيتة على تلك الخديعة، وأن القاعة كانت مليئة بشعارات تأييد السيسي، لكن تم نزعها بالكامل بعد انكشاف الأمر، واتفق الجميع على عدم الحيد عن هدف اللقاء السنوي لنا حفاظاً على وحدة الشمل، كما اتفقوا على أن مَن يريد إعلان دعمه لأي مرشح أن يعلن تأييده باسمه الشخصي في لافتات توضع بأنحاء المدينة.
كانت القاعة بالفعل خالية من أي شعارات تأييد -عامة أو حتى بأسماء أفراد- لعبد الفتاح السيسي مما طمأنني على سريان الاتفاق، إلى أن بدأت كلمات المنصة، فإذا بأول متحدث، وبعد أن تحدث عن هدف اللقاء، يقول: إن هذا هو يوم الوفاء للسيسي!
لم أتمالك نفسي، وتوجهت إلى جانب المنصة وأعلنت المسؤولين أنهم إن أرادوا أن يمر اليوم بلا فضيحة أمام مصوّري القناة الخامسة بالتليفزيون المصري والصحفية التي تغطي الحدث فيجب على المتحدثين جميعاً الالتزام بهدف اللقاء الوحيد، وأن يبتعدوا عن سياسة مسك العصا من المنتصف، وألا يظنوا للحظة أنني شخصياً سأصمت، حتى وإن صمت البقية، فلست نعجة تُساق.
كما أن عليهم أن يدركوا أن هناك غلياناً لدى غيري، فإن تحدثت سيثور البركان.
ولأن منهم مَن يعرفني، ولأنني كنت ثائرة بالفعل، فقد أدركوا أن التهديد لا شك سيستحيل حقيقة في حال التجاوز من جانبهم، وقد حاولوا تعريفي بوجود بعض رجال الأمن في اللقاء، ولكنني لم أهتم بتاتاً.
وحاول أحدهم تهوين الأمر عليّ بأنني لم أدون بياناتي في الكشف، فكأنني لم أحضر الاجتماع، فلأتركهم يقولوا ما يشاءون! وربما لم يدرِ هذا أنه صب مزيداً من البنزين على النار، فأعدت عليهم قولي.
بقيت بجانب المنصة حتى تحدث كل من يُخشى من خوضهم في السياسة وإعلان موقف عام باسم بقيتنا لا يمثلنا، ومرت كلماتهم الارتجالية على خير فلم يخوضوا فيما خشيناه، ثم وصلت الكلمة إلى الشباب الذين دعوا إلى الاجتماع على الفيسبوك، وأظهروا في كلماتهم بوضوح الهدف من التجمع، ثم بدأت مناقشة جدول الأعمال، والذي كان أهم ما فيه إنشاء جمعية خيرية باسم العائلة.
بعد هذه الحرب النفسية التي استمرت أكثر من ساعتين تنفست الصعداء؛ فقد مر اللقاء كما أردت، ومَن يدعي أن المؤتمر العائلي كان لدعم السيسي سيكون كاذباً، حتى إن الصحفية المسؤولة عن التغطية سألتني: ماذا أكتب؟! فوعدتها بإرسال ملف يساعدها في الكتابة، وقد فعلت.
ولعل أشد ما أسعدني كانت تلك الأيدي التي شدّت على يدي وباركت ما فعلت، حتى قال لي أحدهم: "الله يبارك لك، لولاكِ كنا فُضحنا في البلد"، يعني في بلدنا في الشرقية إذا كانت المصيبة قد حدثت كما خُطط لها، ولكن الله سلّم وستر.
في النهاية أزعم أنني عرفت شكلاً جديداً لم يكن في حسباني من أشكال الحشد لإظهار الدعم الزائف للسيسي، حرمنا الله من طلّته.. آمين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.