رواندا.. درس للصومال

رغم كل هذا التشابه والاختلاف فرواندا تجاوزت كل العقبات بجهود جبارة بذلها الشعب الرواندي وحكومته، واستفادوا من الدعم الدولي على أحسن وجه؛ لبناء رواندا من جديد، بعد سنوات قليلة من المجازر والإبادة الجماعية التي وقعت عام ١٩٩٤م.

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/09 الساعة 02:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/09 الساعة 02:56 بتوقيت غرينتش

اخترت هذا الموضوع بعد ما سمعت من وسائل الإعلام تفويض الشعب الرواندي لرئيسهم بول كاجامي للترشح لولاية ثالثة بعد تعديل الدستور الذي لا يسمح للرئيس بالترشح إلا لولايتين فقط، وتعديل دساتير الدول العالم الثالث لتمديد فترة الرؤساء شأن داخلي ونقص لهذه البلدان.

ولكن أود أن أشير هنا فقط إلى ما يتمتع به الشعب الرواندي من أمن واستقرار، وازدهار، ورفاهية بعد حروب أهلية، ومجازر، وإبادة جماعية هي الأسوأ مطلع التسعينيات من القرن الماضي، والتى بدأت عقب إسقاط طائرة رئيس رواندا السابق، وما يعانيه الشعب الصومالي حتى الآن من حروب أهلية، ونزوح، ومجاعة، وانقسامات داخلية بسبب الخلافات السياسية، والتدخلات الأجنبية السافرة بعد سقوط الحكومة المركزية، ونحن نعلم أن البلدين دخلا حرباً أهلية في بداية التسعينيات من القرن الماضي.

وهناك أسئلة كثيرة ومحيرة في بعض الأحيان لم يستوعبها الصوماليون حتى الآن، ولا أدري السبب: هل هي غفلة وعدم اهتمام الصوماليين من تدبير شؤون وطنهم؟
أم هي تدخّل القوى الإقليمية والدولية في الشأن الصومالي الداخلي وبمساعدة صوماليين؟
كيف نجح الروانديون في إعادة دولتهم بعد حروب أهلية طاحنة مزقت وحدتهم؟
ولماذا لم ينجح الصوماليون بذلك؟
وهل حان الوقت ليأخذ الصوماليون العبر والدروس من الروانديين؟

رواندا والصومال من البلدان الإفريقية وخاصة دول شرق إفريقيا، وليس لهما حدود، ولكنهما يتشابهان ويختلفان في أمور عدة:

* أوجه الشبه بين البلدين:

– رواندا والصومال من البلدان التي تقع في شرق إفريقيا، واندلعت في البلدين حروب أهلية شرسة.

– يقدر عدد سكان الدولتين بعشرة ملايين نسمة.

– يعتمد الشعبان اقتصادياً على حرفتي الرعي والزراعة.

– استعمر المستعمر الأوروبي الدولتين.

– الانتماء العرقي والقبلي من سمات البلدين.

* أوجه الاختلاف بين البلدين:

– معظم سكان رواندا مسيحيون، بينما جميع الصوماليين مسلمون.

– رواندا تعافت من الحروب الأهلية، بينما لم ينتهِ بعد الصراع في الصومال.

– رواندا دولة قوية أمنياً وسياسياً واقتصادياً، بينما الصومال دولة ضعيفة أمنياً وسياسياً واقتصادياً.

– كيغالي أنظف عاصمة في إفريقيا، بينما مقديشو من أسوأ المدن نظافة.

– رواندا ليست دولة ساحلية، بينما الصومال لها أطول ساحل في إفريقيا.

– في رواندا يتم انتخاب ممثلي الدولة بمناصبهم المختلفة عن طريق صناديق الاقتراع والانتخابات الحرة بين الأحزاب المتنافسة، بينما في الصومال يتم انتخاب ممثلي الدولة بتعيين من القبيلة أو الرؤساء.

– في رواندا الكل متساوٍ أمام القانون حتى وجدوا الأمن والعدالة، بينما في الصومال الفساد، والرشوة، والمحاباة أكثر انتشاراً بسبب سوء الإدارة.

رغم كل هذا التشابه والاختلاف فرواندا تجاوزت كل العقبات بجهود جبارة بذلها الشعب الرواندي وحكومته، واستفادوا من الدعم الدولي على أحسن وجه؛ لبناء رواندا من جديد، بعد سنوات قليلة من المجازر والإبادة الجماعية التي وقعت عام ١٩٩٤م.

ولكن الصومال الحبيب لم يخرج حتى الآن من الحروب بشكل نهائي، وهو ما أدى إلى استمرار انهيار البنية التحتية في بلدنا، وتشتت أبناء أهله، بل وأصبحت الصومال مشروعاً لسماسرة العالم، والصوماليون أنفسهم غير جادين وغير مستعدين لإعادة ترتيب أوراقهم من جديد، ولتحقيق أمنهم واستقرارهم بأيديهم، وذلك بعيداً عن المصالح الخاصة والأطماع السياسية والاقتصادية والعصبية القبلية الجاهلية، وغير ذلك مما يبرر التدخل الأجنبي السافر في شأنهم الداخلي، وكذا الاقتتال الهمجي على الحدود الوهمية بين أقاليم الولايات الفيدرالية.

والسؤال المهم هو: لماذا الأمن والاستقرار يعمّ رواندا المسيحية ولم تنجح الصومال المسلمة؟

ربما هذا السؤال محيّر لبعض الناس ولكن الإجابة بسيطة؛ إذ ليس من سنن الله -سبحانه وتعالى- في هذا الكون أن يعطي أمة مسلمة كانت أو مسيحية دولةً ونظاماً يأتي من السماء بدون نضال، وكفاح، وجهد، واعتصام، وتسامح، وعلم، وعمل؛ لأن بناء الأمة يحتاج كل هذه الأمور وغيرها، ويقول الدكتور النابلسي: الدنيا تصلح بالكفر والعدل، ولا تصلح بالإيمان والظلم.

والصومال المسلمة لم تستفِد من التجارب والوقائع التي تحيط بها، بل أرادت البقاء على حالها، ولذلك إذا اجتمع العالم كله لا يستطيع بناء الصومال من جديد إلا إذا أراد الصوماليون ذلك؛ لأن إرادة الشعب أقوى من كل شيء، وصدق الشاعر عندما قال:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة *** فلا بد أن يستجيب القدر

ولهذا عار على الصوماليين أن يكونوا نموذجاً لدولة ضعيفة، وأن تستضيف كل دولة مؤتمراً حول دعم الصومال، وأن تصبح قضية الصومال مسرحاً مفتوحاً يدخل فيها الأجانب ويديرونها كيفما يشاؤون، وكل هذا بسبب الكراهية، والعصبية الجاهلية، والتفرق، والاقتتال فيما بيننا.

وأخيراً أوجه ندائي إلى الشعب الصومالي الجريح الذي لا حول له ولا قوة؛ آملاً أن يستيقظ ويفيق من نومه العميق، ويعرف عدوه من صديقه، وأن يعود إلى إعادة بناء الصومال القوية من جديد، وأن يحذو حذو رواندا التي ليست أفضل منا، لهم ما لنا، بل نحن أكثر بكثير من الموارد الربانية والبشرية، وإلا يكون العيب علينا إلى الأبد، ويصدق علينا ما قاله الشاعر قديما:

ولم أرَ في عيوب الناس عيبا ** كنقص القادرين على التمام

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد