"لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم" (النساء: ١٤٨). قيل في تفسير هذه الآية إن المقصود هو الدعاء. ولكن في هذه الآية دعوة صريحة وغير مؤولة للرد على الظلم والظالمين.
هل حدث وشاهدت مسلسلاً هندياً (بوليوود)؟ هل شاهدت كيف تدور الكاميرا بين وجوه الممثلين؟ هذا هو حالنا في العالم العربي، الكراسي تتكلم وعلى الأوجه أن تظهر جو الأكشن مهما كان الحوار سخيفاً.
في المسلسلات الهندية يحاولون كسب أطول مدة زمنية ساكتين بينما تعمل الموسيقى عملها، ولكن ماذا عنا في العالم العربي حيث نمضغ نفس الحوار منذ الاستقلال؟ ماذا عن إدارة الصمت في مجتمعاتنا؟
إنها تبين كم هشة مجتمعاتنا، كم هي هشة أنظمتنا!
بل وأكثر، كم هي هشة أوضاعنا! بحيث تنقلنا إلى جو الأكشن موسيقى بسيطة.
لقد بلغ بأحد الكبار أن كتب أغنية غنتها سميرة توفيق، تقول الأغنية: "نحن كبار البلد، نحن كراسيها"، إن للكرسي هويته الآدمية والبيئية.
نحن نعيش الحدث، لم يخبرنا أحد ولم نشاهده على الفضائيات، نحن نتكلم عن حالات خاصة عندما تكون إزالة الشعوب أسهل من إزالة الأنظمة الحاكمة، وهذا ما هو موجود في عالمنا العربي الصامت في الجنون الذي يمر به، حتى الصخب هو لقطة أكشن للعبقري الذي يدير الصمت.
في حالات الرخاء تمارس الأنظمة على شعوبها الغزل الديني بمختلف أشكاله وألوانه، حتى إنه ينقلب أحياناً من النقيض إلى النقيض، فمن تعزيز الشعور الديني إلى إهانة ذلك الشعور، والعصا هي المرجع والمآل في كل الظروف والأحوال.
إن إعادة صياغة المشاهد المنقولة على الفضائيات وفي الصحافة المكتوبة والإلكترونية هي أمر سهل، ولكن إعادة اكتشاف الحقائق هي أمر لا يمكن الركون إليه، فالمصالح متشابكة والأدوار متبادلة، ولا يوجد ثبات في الرؤية، عندما يكون الصمت هو الأساس.
علينا السؤال: ما الذي لم يقل؟ بجانب السؤال ما الذي قيل بالفعل؟
أصبح هناك الكثير ممن يستطيعون قلب الطاولة على الجميع، وللأسف الشديد ليس من بينهم طرف عربي.. إن الغرب لا يريدون لهذه المنطقة أن تستقر حتى لو كان ذلك الاستقرار ضرباً من ضروب الفوضى.
لقد وعدونا بالفوضى الخلاقة، وهذا للأسف ما حلّ بنا وكأنهم فعلاً يمتلكون مصائرنا وأقدارنا وعِلمَ غيوبنا، وقد تحققت إعادة تكوين الوعي والإدراك لدى سكان المنطقة، ليس في أذهان العامة فقط، بل سبقت إلى أذهان الخاصة في بوتقة الخوف.
العامة لديهم أوطان ليفقدوها، والخاصة لديهم عقول يحاولون الحفاظ عليها. هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن الغرب لا يوجد في تقسيماتهم البراغماتية، عامة وخاصة، بل الجميع سواء بسواء.
إن الأفكار والمبادئ والأسس التي نبني عليها عقائدنا ومعارفنا غير معتبرة لدى الغرب وربما لا يدري المخطط الغربي عنها شيئاً.
إن نجاة تونس من المؤامرات الغربية إلى حد ما هو دليل على أن السياسات الاستعمارية بحاجة ليد محلية لتنفيذها كما هو معروف لدى المخطِّط الإقليمي.
في الأردن نرى أن الجهل هو أقرب الأعداء لدينا، فنحن عندنا كمّ كبير من الجهل خاصة في السياسة، ولم نكن نسمع عن مصطلحات مثل "الدولة العميقة" إلا حديثاً وفي المسلسلات التلفزيونية التركية تحديداً، ما يعني أن معظمنا هم مثقفو مسلسلات وفضائيات ليس أكثر.
إن الأنظمة التلفزيونية التي ليس لها جذور في أرض الواقع لا تحتاج لأكثر من عملية فوتوشوب لإزالتها.
وللأسف الشديد فإننا إذا طبقنا هذا التعريف بدقة، فإننا نخلص إلى أن نظام الرئيس المصري الأسبق الدكتور محمد مرسي هو نظام تلفزيوني برغم كل ما أحاط به من مقومات وركائز.
وبشكل عام فإن الأنظمة الحاكمة في العالم الثالث هي أنظمة تلفزيونية تتعامل مع شعوبها بالبيانات والإنجازات الورقية.
أمام عدسات التلفزيون هناك نظام عامل "توك شو"، أما في الكواليس فالوضع مختلف تماماً.
إن تحركات السفراء والمعونات التي يقدمونها في الدول التي يخدمون فيها ليست تحركات عشوائية أو غير ربحية، بل ترمي إلى إيجاد موطئ قدم بين الناس؛ ليستفيدوا منها ساعة الحاجة إليها. هذه هي الطرق التقليدية في إزالة الأنظمة الحاكمة على طريقة "لورنس العرب".
في العالم الثالث نعاني من حكم البارونات والشخصيات المعلبة، ويمكن الرجوع إلى كتاب الأمير لميكافيلي؛ للوقوف على الأسس التنظيرية لهذه الأنظمة، رغم البعد الزماني والنظري مع هذا الكتاب الكلاسيكي.
وبرغم السمعة السيئة للميكافيلية، فإننا نستطيع أن نحدد أكثر من طرف يستفيدون من تلك المبادئ ويطبقونها بحذافيرها في عالمنا الثالث.
لقد تحولت فكرة إزالة الأنظمة الحاكمة إلى إزالة الشعوب بأكملها إذا لم ترضَ عن أنظمتها، وكانت غير مدعومة من القوى التقليدية من الخارج، فهل يعقل هذا؟
إن الجواب البسيط هو "لا"، ولكن هذا فعلاً ما يحدث، والسبب هو الجهل.
النظام هو الدولة بكل مؤسساتها، وإزالة النظام يعني بالتبعية إزالة الدولة بكل مؤسساتها.
الشعوب التي لم تنتهج هذا التفكير انتهت نهايات مأساوية، وتحطم واقعها وانتهت آمالها، وتبعثرت أحلامها على أرض الواقع.
لقد وصلنا إلى استنتاج وهو أن رحيل الشعوب هو أسهل من رحيل الظلم والظالمين باختلاف مسمياتهم.
إن القاعدة الرئيسية عند المواطن العربي هي: خُذ ولا تعطِ. وهي بذلك تسد جميع منافذ الحوار، ولكن في خصوصيتها تعطيه فرصة لتنسيق أموره بعكس المسائل السياسية؛ حيث تترك الساحة للمتنفذين وأصحاب السلطات.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.