يارفقاء يناير تعالوا إلى كلمة سواء

وليس من الحصافة أن نظل نرفض التوافق مع شخصيات ذات تأثير دولي، بدعوى مشاركتها الضمنية في الدماء، سواء كان بصمت أو بتأييد، فالواقع يقتضي -وبجرأة شديدة- طي الماضي، وحسن التوظيف السياسي، والقدرة على حل الأمور بما يتناسب مع عظمة التضحيات

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/04 الساعة 02:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/04 الساعة 02:25 بتوقيت غرينتش

إن السياسة كانت -وما زالت- هي فن الممكن، وإنّ كل تعارضٍ ومعارضة تتجه نحو أي نظام سياسي مستبد أمر غاية في الأهمية، ويُحمد لأصحابه.

ولما كانت ثورة يناير تعانقت فيها الأفكار، ونحَّت جانباً الخلافات، ورفع شعاراً واحداً هو "أنا مصري"، كان هذا التوحد والتوافق من مقومات نجاح الثورة، وما زالت ذكريات التوافق كبيرة وكثيرة، وما تسيّد المتجبر إلا بتشتت كل القوى وانشغالهم بالحرب فيما بينهم.

ولمّا كانت مصر تمر بمرحلة حساسة وخطيرة في تاريخها مع تسابق الأحداث السياسية، وانهيار الوضع المعيشي والاقتصادي، والخطر الداهم في ملف الماء، كان لا بد من أن نكتب -مذكِّرين وداعين- بحتمية التحالف بين كل دعاة التغيير بمختلف التوجهات دون إقصاء، فالوضع تجاوز كل خلافات الماضي، ولدينا مقوّمات تجمع ولا تفرّق، وتبني ولا تهدم.

مقومات التحالفات:
1- ثورة يناير المجيدة:

ما زالت الجموع التي زلزلت ميادين مصر بثباتها، وقدرتها على الحشد، وتنحية الأيدلوجيات كافة خارجاً، ما زالت حتى الآن تستطيع أن تنشئ كيانات توحديّة بهدف واحد يدعو للتوافق ولمّ الشمل، فالواقع قبل الثورة كان أشد من الآن، وكان التخوين سمتاً، والأحزاب تطعن بعضها في بعض، لكن لما حانت اللحظة، انتفض الشعب، واستقامت صفوف الجميع مِن خلفه في ملحمة ثورية أفضت إلى خلع المستبد، وما زالت الملحمة باقية.

2- تفشي الفساد:

وهذا البند يعترض الجميع؛ بسبب الضيق والغلاء، فعندما تتحكم زمرة فاسدة في قوت الشعب، فلا بد من التوحّد؛ لإسقاطها بشتى الوسائل السلمية، وعلى رأسها توحّد كل الرفقاء دون النظر إلى الانتماء، فقد طفح الكيل من الرشى والمحسوبية المنتشرة داخل النظام، فكل يوم يتم القبض على مسؤول متلبساً برشى مليونية، فانتقلنا في زحمة الغلاء من فساد الدولة لدولة الفساد الذي تفشى بداخلها.

3- القواسم المشتركة:

إن ما يجمعنا اليوم كأبناء يناير أكثر مما يفرقنا، شريطة أن نتحاور فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، إضافة إلى أن الكل مُصاب، وأن الجبروت لا يفرق بين الاتجاهات، فالبطش طال الجميع، والسجون الآن تضم بداخلها الكثير من قادة الرأي من مختلف التوجهات السياسية والفكرية.

4- رفض التخوين:
إننا نستلهم من روح ثورة يناير المصابرة والوحدة، ورفض كل محاولات الوقيعة، والتخوين السياسي، وإنكاره كمنكر لا ينبغي الصمت عليه، فالجميع شركاء في المسؤولية والواجب الوطني، والكل يدرك خطورة المرحلة، وأن الدواء هو التوحّد والتوافق، ويجب ألا نترك الأجيال فريسة سهلة لقبول التخوين كواقع نتعامل معه؛ بل نحاربه، ونفنِّد كذب هؤلاء وماكينتهم الإعلامية التي تعتمد على تزييف الوعي، والنيل من كل المعارضين، وإلصاق التهم الباطلة بهم تحت اسم "أعداء الوطن وأهل الشر"، ولذلك لا بد من وجود كفاءات وقدرات وتوظيف لكل الطاقات في مواجهة هذا المشروع الذي يستهدف الوطن والمواطن.

هل نتحالف مع من حرّض علينا؟
لكن مع وجود هذه المقومات، هناك سؤال غاية في الخطورة، وهو: هل التوافق مع من حرّض على قتل المصريين في "رابعة" و"النهضة"، فضلاً عمن شمت ورقص وهلل؟ الجواب في قناعتي: إن التوافق درجات، فلا هو مفتوح على مصراعيه، ولا مغلق مطلقاً، لكنه محكم، فضلاً عن أنني لا أستطيع أن أتحدث عن حقوق وواجبات، وفي الوقت نفسه أغض الطرف عن حالة الضعف الشديد التي يعيشها الجميع.

وليس من الحصافة أن نظل نرفض التوافق مع شخصيات ذات تأثير دولي، بدعوى مشاركتها الضمنية في الدماء، سواء كان بصمت أو بتأييد، فالواقع يقتضي -وبجرأة شديدة- طي الماضي، وحسن التوظيف السياسي، والقدرة على حل الأمور بما يتناسب مع عظمة التضحيات، وفي الوقت نفسه بفهم قوي للوضع الإقليمي والدولي، ومحاولة تحييد بعض الإعلاميين والساسة المختلفين مع مسار الثورة سياسياً، لكنهم متفقون على حتمية إيجاد حل -ولو جزئيا- في هذه المرحلة، وفق نقاط تلاقٍ ومحل توافق تصون بعض الحقوق أو حتى المطالبة بتحسُّنها.

ولا بد من تفعيل الجانب الحقوقي، فالكل يُدين اعتقال الرموز الوطنية، مما يشكِّل أرضية مشتركة يمكن الانطلاق منها، وتلك إيجابية على كل الساسة العمل على اقتناصها لإعادة روح الثورة واللُّحمة الوطنية لها.

ختاماً، الجميع مدعوٌّ لنبذ خلافات الماضي التي أخّرت وعطَّلت نهضة البلاد، حتى استُخدم الجميع بلا رحمة، ونُكّل بهم، وظل الاستبداد واقفاً يتفرج على الوضع السيئ لكل المعارضين، فقد نجح في وضع الشقاق بيننا؛ لذلك لا مفرّ من توحيد الكلمة مع الجميع في هذا الظرف الحساس الذي تمر به مصر.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد