وهنا يقدم له رفاقه الجدد حلاً بديلاً ملخصه: "لما الدنيا تدَّيك ضهرها، إدَّي ضهرك للدنيا"، وعنونوه بلفظة معبرة جذابة: "هاكونا مطاطا"؛ وهو ما يراه "سيمبا" العاجز خلاصاً سحرياً من كل الاستحقاقات المطلوبة دفعة واحدة!
ولكن لم يكن هذا الحل بدون ثمن! فحين أحس "سيمبا" بالجوع طلب طعام الأسود المعهود "فيل، سيد قشطة، بقر"، فأخبره صاحباه بقاعدة "أرض المهجر" الحاسمة: "إن كنت ناوي تعيش هنا، لازم تاكل من أكلنا"، ثم أخرجا له بعض الديدان والحشرات، والتي امتعض منها في البداية قبل أن يجبر نفسه على تناولها؛ لينتهي به الحال باستساغتها واستحسانها وترديد مقولتهم: "مِظَفْلَتَه، بس تِمْلَى التانك".
وهنا يرسل الفيلم برسالته الثانية: من يحيا حياة الخنزير لا يأكل طعام الأسود!
ثم يمضي "سيمبا" خلف صاحبيه في مسيرة راقصة تتغنى بفلسفة "هاكونا مطاطا"، فتتعاقب عليه السنون، وينتقل من الطفولة إلى الصبا ثم إلى الشباب في ثوان قليلة؛ ليوضح لنا الفيلم رسالته الثالثة: عندما تحيا خنزيراً، فسيمضي كل يوم مثل أي يوم، ولن يكون هناك ما يستحق الذِكر!
المسرح الثاني: "أرض العزة"
ثم ينتقل الفيلم مباشرة إلى مسرح الأحداث الثاني عند النقطة الزمنية نفسها التي انتهى إليها المسرح الأول؛ ويبدأ بمشهد بليغ جداً، حيث "زازو" -مستشار "موفاسا" وأحد رجال النظام القديم- محبوساً في قفص يتغنى بمظلوميته ويتوعد الظالم بيوم الحساب، فيما "سكار" -قائد الانقلاب- يتسلَّى بالاستماع إليه، بل يطلب منه أغنية أخرى!
ولكن عندما يذكر "زازو" اسم "موفاسا" يثور عليه "سكار" ويذكره بالقانون الذى يُجَرِّم ذكر هذا الاسم، ويؤكد -بلا أي مناسبة في الحقيقة- أنه هو ملك الغابة؛ ليذكرنا الفيلم أن المنقلب مهما طال به الزمن فسيظل بحاجة إلى تأكيد شرعيته اللقيطة أمام الآخرين!
ثم تأتي الضباع -سدنة الانقلاب- إلى "سكار" تشكو له الجوع والعطش، وتتهامس مع بعضها أن حالها أيام "موفاسا" -عندما كانت منبوذة- كان أفضل بكثير من حالها بعد أن آلت إليها الأمور!
وحين يسائل "سكار" "سارابي" زوجة "موفاسا" وقائدة عشيرة الأسود عن الطعام تخبره بأن القطيع ترك أرض العزة ورحل؛ وأكاد أجزم للمرة الثانية أن القطيع ما رحل إلا وراء المرعى دون أن يعي من مستجدات الأمور شيئاً!
وهنا يجب علينا أن ننوّه بالفترة الزمنية التي أغفلها الفيلم تماماً، وهي الفترة منذ تسلّم "سكار" زمام الحكم وحتى هذه اللحظة؛ فعلى الرغم من عدم إشارة الفيلم إليها صراحة فإن السياق يوضحها بكل سهولة ويسر.
فقد استولى "سكار" على مملكة "موفاسا" بكل مقدراتها ومواردها وأهلها، ولكن كان على الانقلاب فاتورة مستحقة الدفع لمن قاموا به، ولم تكن الضباع -سدنة الانقلاب- على استعداد للتخلّي عن تلك الاستحقاقات مهما كان. فأطلق لهم "سكار" العنان، فصالوا في أرض العزة فساداً، وجالوا يشبعون شهواتهم التي لا تزيدها السلطة والدماء إلا اضطراماً، فهلكت الأنفس وحل الجدب ورحل القطيع، ولم يتبقّ في أرض العزة إلا الخراب!
ونستطيع أن نلخص رسائل مسرح الأحداث الثاني كما يلي:
الرسالة الأولى: تَغَنِّي المظلوم بمظلوميته لا يمثل بالنسبة للظالم إلا مادة للتسلية والترفيه.
الرسالة الثانية: في ظل الانقلاب الكل سيعاني، حتى من قاموا بالانقلاب أنفسهم!
الرسالة الثالثة: الوحيد الذي يحقق مكسباً حقيقياً من جراء الانقلاب هو قائد الانقلاب، وما عدا ذلك فالكل خاسرون!
وكأن شعار هذه المرحلة برمتها: "يبقى الحال على ما هو عليه، وعلى المتضرر أن يفعل شيئاً!"؛ وهو ما يؤكد مع قدمناه للمرحلة بأنها فجوة بين مرحلتين، وأنها مهما طال بها الزمن فما كانت لتنتهي لولا تلك الشرارة التي انطلقت في مسرح الأحداث الأول، والتي أشعلت فتيل المرحلة الثالثة والحاسمة، مرحلة إسقاط الانقلاب، والتي سنفرد لها مقالاً لاحقاً بإذن الله.
برجاء مراجعة الجزء الأول: "كيف تصنع انقلاباً عسكرياً ناجحاً؟"
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر ش تحرير الموقع.