مؤتمر ميونيخ للأمن ومعادلة عراق اتحادي وإقليم قوي

العراق أولاً ليس شعاراً نريد طرحه أو رفعه بقدر ما هو واقع علينا السعي إليه وتقديمه على كل الشعارات، بعد أن تبيّن أن كل الهويات والانتماءات إذا ما تم التسمك بها وتقديمها فإنها لا بد أن تؤدي إلى بذر عوامل الصراع والحرب.

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/01 الساعة 00:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/01 الساعة 00:13 بتوقيت غرينتش

بانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع في مدينة عفرين السورية والاختلاط الكبير للأوراق والملفات المتشابكة والمعقدة في سوريا، ربما ستتضح الصورة أكثر وتلمع خطوات الحل أو تعليمات الخروج من النفق المسدود وعمليات الانتحار الجماعية التي جرت في كلا البلدين الجارَين العراق وسوريا، وما يجري في ليبيا واليمن ليس ببعيد عن الجميع، هذه الصور ليست قاتمة أو نظرة متشائمة بقدر ما هي توصيف للواقع الذي آلت إليه الأمور في الشرق الأوسط الغارق في مشكلات وأزمات يتحمل قسطها أو سببها الرئيسي أبناؤه وجيرانه والعالم القريب والبعيد أيضاً.

إن ما تم نشره وتداوله عن حالة الشرق الأوسط بعد مؤتمر ميونيخ للأمن في دورته الـ54 الذي عقد أيام 16 – 18 فبراير/شباط 2018 وهو من أهم المؤتمرات التي تم فيها تناول القضايا الأمنية الدولية والإقليمية وشارك فيه نحو 600 شخص في مناقشة السياسات الأمنية والدفاعية في العالم، بينهم 21 رئيس دولة وحكومة، و75 وزير خارجية ودفاع، وشارك فيه العراق بوفد رسمي برئاسة الدكتور حيدر العبادي، رئيس مجلس الوزراء، كما شارك إقليم كردستان بوفد حكومي وأمني برئاسة نيجيرفان بارزاني رئيس وزراء إقليم كردستان ومسرور بارزاني مستشار أمن الإقليم، يدق ناقوس الخطر ويحذر من انسداد أفق الأزمات، فالنظام الدولي بلغ حافة الهاوية بفعل التوتر والأزمات المعقدة والمتداخلة في الشرق الأوسط، وتراجع الغرب نسبياً والتوتر مع روسيا، وتصاعد دور الصين والتنافس بينها وبين الولايات المتحدة من أجل السيطرة على أسواق العالم.

تصريحات رئيس المؤتمر (فولفغانغ ايشينغر) بأن التحسن في العديد من المناطق لم يتجسد في تعزيز الديمقراطية والحرية اللتين تواجهان التحديات والتهديدات؛ لأن الغرب أضعف مما كان عليه، وتهدده أزمات اللاجئين والمشردين. وأمام تراجع النظام الدولي، تبدو الأمم المتحدة عاجزة عن التأثير على الأزمات الحادة في شبه جزيرة كوريا الشمالية والشرق الأوسط.

كما رسم الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريس) صورة قاتمة للأزمات التي تهز استقرار منطقة الشرق الأوسط، ورأى أنها "أزمات معقدة ومتداخلة، وأي تصعيد في أي منها قد يؤدي إلى عواقب كارثية"، وأبدى تشاؤمه بالنسبة لأزمة اليمن؛ حيث اعتبر أن "لا حل في الأفق القريب"، وأن النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني "في مأزق"، كما حذر خبراء الشؤون الدولية من أن "تراجع النظام الدولي يخلق فراغاً خطيراً قد تملأه قوى صاعدة ومتنافسة فيما بينها، وأن تراجع النظام الدولي قد يعني أيضاً تقلص مساحات الحرية والقانون الدولي.

إن عرض كل هذه المخاطر والمشاكل المتعلقة بالأمن وفي العالم وكل الأمور المتصلة به، دون أن يطرحوا حلولاً كافية أو خطوات عملية يمكن أن "تؤدي لتحسن في وجهات النظر القاتمة للعالم"، وهو ما يضع الجميع أمام مهمة عاجلة ومهمة وهي ضرورة البحث عن السلام وضرورات العيش المشترك بما يبعد عنا شبح الحرب الشاملة، أو حتى مقدمات حرب عالمية جديدة تهدم وتحطم ما بقي من بناء وجسور ومدن يفقد أبناؤها يومياً كل بوادر الأمل ومقومات الحياة البسيطة والأساسية، وهم مع كل ذلك راضون بالحد الأدنى من المعيشة والبقاء؛ لأنهم يخشون ما هو أقسى وأسوأ.

في العراق وإقليم كردستان علينا جميعاً البدء بمراجعة حقيقية للذات والأفكار والمعتقدات، بل وحتى المُسلمات التي نظن أحياناً أنها ثوابت لا يجوز العدول أو التحرك بعيداً منها، فلا يوجد أقدس وأعظم من الإنسان والحفاظ على حياته وحريته وكرامته وسلامته وأمنه واستقراره وديمومة حياته في الوطن.

العراق أولاً ليس شعاراً نريد طرحه أو رفعه بقدر ما هو واقع علينا السعي إليه وتقديمه على كل الشعارات، بعد أن تبيّن أن كل الهويات والانتماءات إذا ما تم التسمك بها وتقديمها فإنها لا بد أن تؤدي إلى بذر عوامل الصراع والحرب.

عراق اتحادي يحكمه دستور دائم يتفق أبناؤه على الالتزام به وتنفيذ مواده من دون انتقائية أو تهميش أو إهمال لبعض مواده عن أخرى، وهو كما عرفته المادة (1): دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي "برلماني" ديمقراطي، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق)، وإقليم قوي حسبما قررته المواد (116 و117 و121) يحتفظ بكيانه الدستوري وخصوصيته القومية المنفتح على غيرها من مكونات العراق، بحيث يعود كما كان نموذجاً للإقليم الآمِن المستقر والمتقدم والمتعايش والمتسامح مع نفسه ومع الآخرين.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد