مرة أخرى تعود التوترات الأمنية إلى المنطقة الجنوبية في ليبيا، وخصوصاً في عاصمته سبها؛ حيث تعرض مقر اللواء السادس مشاة التابع لحكومة الوفاق الوطني في مدينة سبها للهجوم من قِبَل عناصر مسلحة قِيل إنها تابعة لقبائل التبو.
الصراع القبلي بين مكونات المنطقة أمر قديم وليس جديداً، وكل المهتمين والمتابعين للوضع هناك يَعُون ذلك جيداً، وحتى في أوج عنفوان وسيطرة العقيد الراحل "معمر القذافي" على ليبيا كثيراً ما حدث الاقتتال بين المكونات العرقية في مدينة سبها لأتفه الأسباب في كثير من الأحيان، ولكن التكتم الإعلامي في عهد "القذافي" قلّل دائماً من انتشار هذه الأخبار.
التركيبة القبلية هناك معقدة جداً وجلب المعلومات عملية صعبة للغاية، فكل طرف لديه رواية خاصة به، هذا يتهم هؤلاء بجلب مرتزقة من خارج البلاد والآخر يتهمهم بأنهم ميليشيات قبلية لا تخضع للدولة، وبالتالي الاعتماد على المصادر من المنطقة قد يربك رؤيتك للمشهد.
الصراعات القبلية في المدينة تهدف إلى السيطرة على أهم المواقع الاستراتيجية فيها، وذلك لفرض هيمنة قَبَيلة على أخرى، أو حتى لعودة نفوذ قبائل كانت لها الكلمة العليا في فترة ما على المنطقة، فمن يتحكم في المنطقة بعد ثورة فبراير/شباط يختلف تماماً عما قبلها؛ لذا فإنه صراع تاريخي قديم له مسبباته وقد يستمر للأبد.
الجديد في كل هذه الصراعات هو محاولة استغلالها سياسياً من كل الأطراف المتصارعة على الساحة الليبية الآن بهدف توسيع الرقعة الجغرافية التي يسيطر عليها كل طرف بغية التأثير على الرأي العام المحلي والدولي بكل تأكيد.
الحرب الإعلامية والاجتماعية التي شُنت على القوة الثالثة المكلفة بحماية الجنوب والتي تشكل مدينة مصراتة أغلب قواتها كانت البداية الأولى لاستغلال هذا الصراع سياسياً، وهذا بالتأكيد لا يعني أن القوة الثالثة كانت بدون أخطاء، الكل شارك في تأزم الوضع هناك، وإن كان بدرجات متفاوتة، وبعد خروج هذه القوة سارعت القيادات في عملية الكرامة التابعة للواء المتقاعد "خليفة حفتر" إلى الإعلان عن سيطرة قواتهم على الجنوب بالكامل في تصرّف يعكس مدى سعي عملية الكرامة إلى تحقيق مكاسب إعلامية لفرض نفسها كقوة فعلية على الأرض ليس في شرق البلاد فقط.
ورغم كل تلك الضجة التي أحدثتها التقارير الصحفية حول قوة عملية الكرامة في الجنوب وباقي المناطق في ليبيا، والتي وصل الحماس ببعض قيادتها إلى القول: إنهم على بُعد كيلومترات قليلة من العاصمة طرابلس، غير أن كل هذه الانتصارات كانت مجرد فرقعات إعلامية لا وجود لها على أرض الواقع، وكل مَن هم في مدينة سبها وجُلّ المهتمين بقضايا الجنوب يعرفون ذلك جيداً؛ حيث لا وجود لأي قوات عسكرية قوية يمكنها السيطرة وبسط نفوذها على المنطقة، ولولا الضغوط الإعلامية والاجتماعية وتخلّي المجلس الرئاسي بحكومة الوفاق الوطني في طرابلس عن القوة الثالثة لما كان لقوات عملية الكرامة أي قدرة على مواجهتهم بشكل مباشر، وما يحدث الآن من انفلات للأمن ودخول عناصر أجنبية – بحسب شهادات من مدينة سبها – وانقطاع الوقود عن المدينة بالكامل بسبب عدم القدرة على تأمين سيارات نقل الوقود يؤكد كل ما أسلفته.
واليوم وفي إعادة لسيناريو خلق الانتصارات عبر وسائل الإعلام تحاول عملية الكرامة استغلال الصراع الحاصل في المنطقة لصالحها، بعد عجزها عن السيطرة على اللواء السادس مشاة التابع للمجلس الرئاسي، فسارعت في بثّ بيانات تزعم خوض قواتها هذه الحرب وإعلانها تكليف أحد ضباطها برئاسة اللواء السادس، رغم عدم وجود هذا الضابط في المنطقة الجنوبية.
المشكلة والمعضلة الآن لا تنحصر فقط فيمن يريد أن يسيطر على المنطقة ولا في تحديد طرفَي الصراع، المشكلة الأكبر الآن تتمثل في إمكانية خسارة الجنوب بالكامل وتحوله إلى حلبة للحروب الأهلية بين كل مكوناتها، وبذلك يتحول إلى أرضية خصبة لظهور كل الحركات والعصابات بما فيها تنظيم الدولة بكل تأكيد.
كل مَن سهّل دخول هذه القوات الأجنبية وتعاون معها في هذه الحرب يتحمل الآن وزر هذه الأحداث، وسيكون مسؤولاً بالكامل عما ستؤول إليه الأوضاع في جنوب البلاد.
الخطورة ليست في الصراع القبلي الحاصل الذي يرجع ربما إلى قرون مضت، الخطورة كل الخطورة في الأوضاع المعيشية الكارثية التي فاقمتها كل هذه الحروب والصراعات على سكان المنطقة، والتي تسببت في هجرة عدد منهم إلى الشمال، في بادرة قد تتسبب في تغير ديموغرافي كامل للمنطقة خلال السنوات القادمة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.