كيف تَغيَّر تاريخ كل المنطقة العربية وقيام إسرائيل بسبب البترول!

لقد لعب البترول دوراً هاماً في دعم الغرب وجود إسرائيل وأعطاها شهادة ميلادها، ولولا البترول الذي منح دول المنطقة مواردها المادية لظلت هذه الدول محتفظة بصور الحياة القديمة المتواضعة فيها.

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/28 الساعة 02:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/28 الساعة 02:11 بتوقيت غرينتش

يتعلق مصير الشعوب بالحروب أو الغزوات، وأيضاً بالاكتشافات لثرواتها، وهو ما حدث بالنسبة للمنطقة العربية.. فلولا اكتشاف وإنتاج البترول في هذه المنطقة لتغيّر تاريخها تغيراً كاملاً. لقد لعب هذا البترول دوراً مؤثراً في حياة العرب وفي حياة العالم كله.

لقد لعب البترول دوراً هاماً في دعم الغرب وجود إسرائيل وأعطاها شهادة ميلادها، ولولا البترول الذي منح دول المنطقة مواردها المادية لظلت هذه الدول محتفظة بصور الحياة القديمة المتواضعة فيها.

وبسبب البترول هاجر عدد كبير من المصريين للعمل في دول الخليج، واشتعلت أسعار كل السلع في العالم عندما استخدم العرب لأول مرة سلاح البترول في حرب 1973.

كانت أولى بئر تحفر لإنتاج البترول تلك التي حفرها ويليام دريك في ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة في عام 1859، ولمدة الخمس عشرة سنة التالية ظل إنتاج أميركا من البترول يمثل أكثر من 95% من الإنتاج العالمي، ثم مع تزايد إنتاج البترول في روسيا، وكان قد بدأ عام 1863، انخفضت نسبة إنتاج أميركا حتى بدأ القرن العشرون وأشرقت معه شمس البترول في الشرق الأوسط في إيران عام 1908، وبعد ذلك في العراق عام 1923، ثم البحرين عام 1932، ثم السعودية والكويت عام 1938، ثم قطر عام 1940، والجزائر عام 1956، ثم ليبيا وأبوظبي عام 1958، وبعد ذلك عُمان ودبي.

أما مصر فقد سبقت كل هؤلاء عندما ظهر البترول فيها لأول مرة في الربع الأخير من القرن الماضي بالمصادفة، بعد أن حصلت إحدى الشركات على امتياز للبحث عن الكبريت في منطقة البحر الأحمر، وعثرت على رشح بترولي في منجم أعدته في جمصة.

وعندما أرادت استغلاله ثار خلاف بين الحكومة المصرية والشركة على أساس أن عقد الشركة كان مقتصراً على استغلال الكبريت دون غيره، واعترضت الشركة وأغلق المنجم وتوقف الأمر إلى عام 1908 عندما بدأ الإنتاج من هذه البئر، ولكن تبين أن كمياتها قليلة غير تجارية، وإن كان ذلك قد لفت الأنظار إلى احتمالات وجود البترول في المنطقة، ولكن إنتاج مصر من هذا البترول ظل متواضعاً لأسباب تتعلق بعمق طبقات البترول بالمقارنة إلى عمق حقول الدول العربية الأخرى، الأمر الذي كان من الضروري معه الانتظار إلى أن تتطور أجهزة الحفر ووسائله، وأيضاً وسائل الكشف المتطور، الأمر الذي نتج عنه بالفعل وضع مصر على خريطة الدول المنتجة للبترول.

بسبب الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) تأخر استغلال بترول دول الخليج، ولهذا ما أن انتهت هذه الحرب وبدأت الحاجة إلى إعادة بناء ما دمّرته هذه الحرب حتى تدافعت الشركات العملاقة، التي كانت تسيطر على إنتاج وتكرير وتسويق ونقل البترول، إلى زيادة نشاطها في الخليج، خاصة بعد زيادة الحاجة إلى منتجات البترول المختلفة، وعلى رأسها البنزين – الوقود الوحيد في ذلك الوقت للسيارات – وإلى السولار والديزل والمازوت لتشغيل آلات المصانع والقطارات ومحركات القوى وإنتاج الكهرباء، وغير ذلك كله كان للعلم قد وضع يده على الباب السري الذي تم فيه تحويل البترول إلى آلاف المنتجات البتروكيماوية.. لقد ظهر الحرير الصناعي والبولي إيستر والنايلون والداكرون والبويات والبلاستيك والأصباغ ومستحضرات التجميل والمطاط الصناعي، وكل هذا وغيره من البترول.

ومنذ بدء إنتاجه في المنطقة العربية سيطرت عليه الشركات السبع العملاقة: "إسو وموبيل وكالتاكس وغولف وشِل البريطانية والبترول الفرنسية"، وكانت هذه الشركات هي التي تملك وحدها تحديد حجم البترول الذي يتم إنتاجه من كل دولة، وتحديد سعر شرائه، وبذلك كانت وحدها التي تملك تحديد دخل كل دولة من ثرواتها.

وقد بقي هذا الوضع بالدول المنتجة إلى أن قامت بتكوين منظمة خاصة أطلق عليها أسم "أوبك" كان هدفها زيادة الأسعار بما يحقق زيادة مواردها.

ورغم أن هذه المنظمة "أوبك" أنشئت عام 1959 فإنها لم تستطِع أن تحقق أية زيادة مؤثرة إلا بعد أن عبرت القوات المصرية قناة السويس من أكتوبر/تشرين الأول 1973.

من الطبيعي أن نسأل: هل لو لم يكن البترول الذي تم اكتشافه في هذه المنطقة العربية، وحاجة العالم الماسّة إليه لصنع تقدمه، هل كان من الممكن أن توجد إسرائيل؟

إن رائحة البترول العربي التي زكمت أنوف البريطانيين والفرنسيين في بداية القرن العشرين، جعلتهم يتوقعون القيمة الكبيرة له، وضرورة السيطرة على مواقع إنتاجه، الأمر الذي أدى عام 1916 إلى اتفاقية سايكس – بيكو، وهي اتفاقية ظلّت سرية لفترة طويلة، وقد نبعت من منطلق ضروري إيجاد جسم غريب في هذه المنطقة حتى تجذب أنظارها عن ثروتها..

وبعد ذلك قامت بريطانيا وفرنسا بتحديد دوائر حمراء وزرقاء، بحيث الدوائر الحمراء من نصيب بريطانيا والزرقاء من نصيب فرنسا، ولكن في الولايات المتحدة وقد أحسّ شركاؤها بتأثير البترول العربي على اقتصاد العالم، حرضت الحكومة الأميركية على أن تتجه هي الأخرى إلى الشرق الأوسط حتى لا تترك الأسد البريطاني يلتهم خيرها وحده مع فرنسا.. وحتى تتنافس بريطانيا وفرنسا كان الدعم الأميركي القوي لإسرائيل وإصرارها على إنشائها ومنحها، ليس فقط شهادة ميلادها بل كل المعونات المادية والعسكرية والسياسية التي تمكّن إسرائيل من التفوق على العرب.

ونجحت الشركات البترولية التي تمثل سياسة بلادها في منع الدول العربية من استخدام بترولها في سلسلة الحروب التي جرت مع إسرائيل إلا مرة واحدة في أكتوبر/تشرين الأول 1973.

في 16 أكتوبر/تشرين الأول، بعد عشر أيام من العبور المصري إلى سيناء، عقدت الدول العربية المنتجة للبترول (السعودية والكويت والعراق وقطر وأبوظبي والبحرين ومصر وسوريا والجزائر وليبيا) اجتماعاً في الكويت قرروا فيه دفع بترولهم إلى المعركة، والبدء في تخفيض إنتاجهم من البترول بنسبة شهرية متكرر لا تقل عن 5% وذلك حتى تفرض المجموعة الدولية على إسرائيل التخلّي عن الأراضي المحتلة.

والذي حدث منذ أول شهر أن متوسط نسبة التخفيض وصل إلى 25%، مما كان من نتيجته حالة من الجنون سادت العالم كله.

فقد راحت الدول تتسابق على شراء البترول العربي بأي سعر.. وبعد أن كان متوسط سعر برميل البترول (البرميل = 159 لتراً في المتوسط) 180 سنتاً، وكانت الدول المنتجة تحارب من أجل رفعه إلى ثلاثة دولارات فإنه -نتيجة لقرارات تخفيض الإنتاج وحالة الجنون التي سادت السوق- أن تم رفع السعر إلى 11 ثم 16 ثم 30 ثم قفز إلى 40 دولاراً للبرميل الواحد!

وبعد مرور عدة سنوات جاء الحدث الخطير وهو الغزو الذي قام به رئيس العراق صدام حسين للكويت في الثاني من أغسطس/آب 1990، هذا الغزو كان قصده البترول الكويتي وموارده، وقد أخطأ صدام حسين الحساب عندما تصوّر أن الغرب سوف يتخلى عن مصالحه البترولية ويترك مصيرها في يده، وهو ما رفضه الغرب.

لقد قاد الرئيس الأميركي -في ذلك الوقت- جورج بوش تحالفاً دولياً كبيراً، ساعده عليه فشل الدول العربية في محاصرة المشكلة وإقناع صدام بالانسحاب من الكويت، وعلى حساب الشعب العربي.. على حساب السعودية والكويت والإمارات تم سداد فاتورة الحرب المكلفة التي تجاوزت 300 ألف مليون دولار، مما يعني أنه لو تم توزيع هذا المبلغ على الـ100 مليون عربي في المنطقة العربية لنال كل رجل وامرأة وطفل 3000 دولار.

لقد حافظ الغرب على مصالحه البترولية، وأخطر من ذلك استطاع أن يؤمّن لنفسه قاعدة عسكرية في المنطقة.. وفيما بعد تحرير الكويت واجهت الدول العربية البترولية، طريقاً صعب بسبب استنزاف مدخراتها وانخفاض مواردها نتيجة انخفاض سعر البترول في ذلك الوقت.

وهكذا فإنه في الوقت الذي لعب فيه البترول دوراً كبيراً وإيجابياً في حياة الغرب وفي إنعاش اقتصاده، فإنه لعب بعض الأدوار السلبية في حياة العرب خلال القرن العشرين، حتى يتساءل مَن يفكر في العرب وبترولهم: هل كان البترول لهم نعمة أعطتهم آلاف الملايين وحسّنت أوضاعهم وجعلتهم يسكنون القصور، أو أنه كان نقمة بسبب دوره في إنشاء إسرائيل، وفي رفع الأسعار العالمية، وفي غزو العراق للكويت، ثم بعد سنوات غزو العراق!

سواء كان البترول نعمة أو نقمة فمن المؤكد أنه كان من أهم ما حدث من تغييرات ليس فقط على مستوى العرب، وأنا أيضاً على مستوى العالم كله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المصادر:
الذين غيّروا القرن العشرين – صلاح منتصر – الموسوعة البريطانية.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد