لا أردوغان خليفة المؤمنين ولا بن سلمان المنقذ ولا الإمارات صانعة البهجة.. عن حقائق الدنيا التي يجب أن تعرفها

لا أردوغان خليفة المؤمنين ولا الملك سلمان المنقذ ولا الإماراتيقف جيلنا كله مشدوهاً أمام أيهم على صواب؟ كيف تقوم أميركا باكتساح بلد عن طريق جيش آخر، ثم تقوم نفس الدولة بإعطاء منح وعطايا لعلاج المرضى والمصابين من نفس الحرب؟ بلاش.. كيف تؤيد انقلاباً عسكرياً يقتل ويسجن، ثم باليد الأخرى تعطي معونة مدنية تؤيد فيها شركات "الستارت آب" و"التعليم" بأميركا نفسها؟! صانعة البهجة.. بعض حقائق الدنيا التي يجب أن تعرفها

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/27 الساعة 09:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/27 الساعة 09:17 بتوقيت غرينتش

الولايات المتحدة الأميركية مسئولة بالضبط عن أكثر من خمس مصادر تمويل الأمم المتحدة. على وجه الدقة 22% تقريباً من تكاليف الأعمال الإدارية، وما يقارب ثلث تكاليف أعمال "حفظ السلام" بالضبط 28% للعام 2016.
نشر مركز أبحاث راند تقريراً مطولاً عن كيفية توسعة هيمنة الولايات المتحدة بالاستعانة بالأصدقاء في خطة دولية لمكافحة التمرد في كتاب جاوز الـ 600 صفحة. لنقل إن الأمر متجاوز للقوات العسكرية للحلفاء من البنوك المحلية، وقوات تدريب الشرطة ومكافحة الشغب والمنظمات الحقوقية والإنسانية أيضاً.

المقصود بمكافحة التمرد، التمرد على النظام العالمي القائم، أو بالأحرى على القيادة الأميركية لذلك العالم. بالطبع يجوز تقسيم العالم إلى طوائف بحسب أصولية الأفكار، ونطاق الأفكار التمردية (هل هو تمرد على أساس ديني، أم قومي، أم حركة استقلال وطنية، أم مجرد اقتتال على السلطة المحلية).

على ذلك تصبح كل المؤسسات (الأصدقاء) وكذلك كل الشركات، جزء من شبكة علاقات ومصالح معقدة تخدم الهدف الأكبر للهيمنة لأحد اللاعبين.
لدينا كجيل صورة مبسطة جداً عن العالم قبل الثورة. هؤلاء أصحاب الدين (أصحاب مفهوم أهل السنة) أو أولئك أصحاب مفهوم التغيير التدريجي المبني على الأخوة (الإخوان مثلاً أو بعض الحركات الاشتراكية) أو المنادين بالحرية كأساس لبناء الدولة (الليبراليين) أو المنادين بفصل الدين عن الدولة بشكل أو بآخر.. أو الحركات الطلابية.. كل أولئك، في صورتهم "البريئة" و تصورنا النقي الطاهر، يحمل كل منهم فكرة مجردة نظيفة عن تغيير العالم.. ولأننا جيل كان نقياً طاهراً، ظننا أن اختيار إحدى تلك الفرق، يعني الارتباط بحالة "الطهر" التي يمكن أن نكون عليها.. بعد الثورة.. بعد التطهير، بعد التعايش "السلمي" مع الجميع.

استيقظنا من النوم، على واقع غريب، لا تفهم بالضبط من يحابي من. استيقظنا على واقع يبدو فيه جلياً أن الأمم المتحدة التي تتلقى ثلث تمويلها العسكري من الولايات المتحدة بالطبع تنفذ ما تريده الولايات المتحدة بالدرجة الأولى. أليس كذلك؟!
لن ترسل أميركا قوات للكونغو أو الصومال، ولكن يمكن استقدام عسكر تم تدريبهم في بوروندي أو مصر ليموتوا في الصومال أو الكونغو ضمن "قوات حفظ السلام"، أو حفظ الأمن العالمي.

الأمم المتحدة في الصورة الكبرى، مجرد أداة سياسية لقمع التمرد. وصف "العدالة" بالنسبة للأمم المتحدة مثلاً، يتضمن قياس متوسط أيام الاعتقال التعسفي (الاحتياطي) في الدولة. إن شاءت الأمم المتحدة التحقيق، ترسل وفدا بتكليف مباشر بعد طلب موافق عليه من أحد الأعضاء لقياس ذلك.. و بناء على ذلك تفرض الخطة على الدولة لتطوير مؤشر العدالة بها.

ولكن لا يحدث ذلك إلا حينما يقرر "صاحب المال". يعني في منطقة السعودية هي الأكبر داعم مادياً فيها، لن يتم ذلك القياس في السعودية إلا بموافقتها، وكذلك بناء على موافقة "صاحب المال" الأصلي.. أو أكبر داعم، الأميركان مثلاً. وعلى ذلك قياس.. مجرد قياس عدد أيام الاعتقال في السعودية يعني حالة من حالات النزاع بين عدة أطراف..

يقف جيلنا كله مشدوهاً أمام أيهم على صواب؟ كيف تقوم أميركا باكتساح بلد عن طريق جيش آخر، ثم تقوم نفس الدولة بإعطاء منح وعطايا لعلاج المرضى والمصابين من نفس الحرب؟ بلاش.. كيف تؤيد انقلاباً عسكرياً يقتل ويسجن، ثم باليد الأخرى تعطي معونة مدنية تؤيد فيها شركات "الستارت آب" و"التعليم" بأميركا نفسها؟!

يقف جيلنا مشدوهاً، كيف يمكن أن تنفق الأمم المتحدة أموال المعونات لسوريا بين بشار الأسد وبين معارضيه.. وكأنهم سواء، كيف يمكن لروسيا مثلاً أن تتبرع لنفس الناس التي حاصرتهم وقتلتهم في الغوطة؟
يقف جيلنا في حالة من "التناحة" أمام تناقد اكتساح السعودية لليمن، ومحاولات السعودية لدفع بعض الأمراض من التفشي في اليمن، بينما كانت هي أصلاً السبب فيها! يقف جيلنا يحاول "التبرير" لحلفاء حلم الثورة ولو كانوا على باطل فقط لأن فهم الواقع يستعصي على فهمنا..
لا أردوغان خليفة المؤمنين، ولا الملك سلمان، ولا السيسي المنقذ ولا هو أسوأ من في أرض عليها مثل بشار، ولا الإمارات صانعة البهجة ولا هي أيضاً منبت الشر في منطقتنا.

وحتى بعيداً عن السياسة، نقف كجيل يحدث فينا الآخر، بأن عمله في عمل "تقني" يبعده عن الشرور في الكوكب. ولكن يكفي أن تتبع المال إلى منبعه لتعرف أي شر وقعت فيه. فمركز الأبحاث العظيم أو الشركة العظيمة التي تعمل بها، بالقطع تورد قطعة حيوية في سلاح ما. تنتج بشكل أو بآخر دواءً يشفي الملايين وأيضاً فيروساً يقتل الملايين.. وأموال كل ذلك تأتيك أنت. أنت جزء من هذا الشرور في الدنيا، كيف تنام يا صاح؟!
صوتك الحر "كصحفي" مصدر ماله بالضرورة من أحد الفرق تلك، مصدر رزقك ولو كنت ماسح أحذية في أي دول على الأرض، تتبع مصدره "الحلال" لتجد أنه لا حلال ولا طاهر..

في الصورة الكبرى، يصبح المدافع عن "الحقوق المدنية" في أرقى مؤسسة إنسانية، ما هو إلا أداة سياسية في يد صاحب مال ضمن خطة أكبر.. كان يلملم جرحى قتلهم من يدفع له أجره بشكل غير مباشر!
طاهر قلوبنا قبل الربيع العربي، لا يتصور أو يقبل تعقيد الدنيا بذلك الشكل. لا يجيد حتى التعامل معها. فلا تمكنا من التعامل مع قذارة الكوكب، ولا عرفنا "تطهير" الأرض من النجس عليها بعد الثورات.
لا عرفنا كيف نتعامل بالتغيير التدريجي وقبول الخسارة والقذارة كجزء من واقع امتحان الدنيا، ولا تمكننا من الثورة التي تطهر، ثم سيلزم عليها اللعب بنفس قواعد اللعبة الكبرى.. قاعدة صاحب المال يحكم، ولو كان شريراً. قاعدة اقتل قوماً آخرين ليعيش قومك.. كقتل الأتراك للكرد، أو قتل الإيرانيين لأهل سوريا..

لن يتوقف -على ذلك- المقيمون بالإمارات عن التغني بجمالها، والكارهون لأفعالها بالذم في الشر المصدر منها لمن حولها. أو ربما.. ستأتي لحظة ونغير "قلبنا الطيب" في التعامل مع الكون.. ونقبل أنه في أي عمل ستلوث أيدينا -لا محالة- وأن "الفرق" ما بين الخير الناتج والشر الذي تغمدنا هو ما يهم.. الفرق هو محصلة طرح إجمالي الخير من إجمالي الشر الناتج عن عملنا في الدنيا.
نجد أنفسنا على ذلك، "مجبرين" إما على تطهير يعقبه تصالح مع هذا الكوكب كله بفساده، وقبول أنه لا خليفة طاهر آت ولا نيلة، أو قبول الكوكب على سوئه والعمل بقواعده القائمة.. حالة من حالات النزاع، لنا انتصارات صغيرة فيها، حتى يقضي الله أمراً.

أصحاب القلب الطيب، العاملون في إنقاذ الجرحى، أو العاملون بكد في أي شركة، الذين يتغاضون عن النظر للصورة الكبرى التي يطالهم فيها الخبث.. لا يغير أي منهم شيئاً. لأنه مفعول به، يغمض عينه عن الصورة الكبرى ليعيش هانئ البال. وذلك بالضبط هو "ذنبه" أنه لم يدرك يوماً ولم يتفكر ولو للحظة في الصورة الكبرى.. لماذا أنت هنا بالضبط؟! ربما الامتحان كله أن تفهم.. وكفى.
النضج، كجيل، يحتم علينا فهم الصورة الأكبر، وأن ما يهم فعلاً هو "الفرق" بين ما نخسره يومياً بشر اقترفناه وما يمكن أن نجنيه يومياً من خير نترك أثره خلفنا.. ربما منتهى النضج أن نفتح أرضاً جديدة صغيرة جداً ولو في قلوبنا بها ما يكفي من الثورة والطهر لنحيا على هذه الأرض.. حتى نلاقي الله "بقلب سليم" بعد كل ذلك.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد