صامتون ومحبَطون

وبين الصمت الإجباري سياسياً والاحتياج المتزايد اقتصادياً تولد الإحباط ونما اليأس.

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/27 الساعة 05:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/27 الساعة 05:13 بتوقيت غرينتش

رسائل النظام في مصر باتت واضحة تماماً في الفترة الأخيرة، فهي تقول للناس: إن الصمت فضيلة، وإن الكلام إذا بدت فيه شِبه معارضة صريحة فإن هذا ليس وقته، ورد الفعل سيكون غير متوقع على الإطلاق بغضّ النظر عن أهمية وموقع قائل هذا الكلام.

وقد كان رئيس الدولة واضحاً حين قال: إن أجواء ثورة يناير غير قابلة للعودة ثانية، وبالطبع هذا يعني أن الأشخاص الذين تواجدوا ساعتها غير مسموح لهم بالتواجد مرة ثانية بنفس الطريقة، بالإضافة إلى الأحداث التي مهَّدت لها فلن يسمح أن تتكرر أيضاً هي الأخرى.

فالاتهامات التى وجّهت لأشخاص – ظنّت وظنّ معها البعض أنها تتمتع بحصانة خاصة كفيلة بحمايتها- تكفي لإنهاء وجودها السياسي تماماً، كما أنها أوضحت أن بعض الفصائل لن تعود للساحة مرة أخرى بأي شكل كان، خاصة مع عودة بعض الأقاويل عن عقد مصالحة بينها وبين النظام، فحتى المنشقّين عن تلك الفصائل غير مسموح لهم الآن بالحديث الذي يشمل أي نوع من أنواع النقد للدولة وقراراتها.

فشروط الحياة في مصر أصبحت محددة تماماً، وهي إما أن تتكلم لصالح النظام، وإما أن تصمت وتحيا في هدوء، وتدعو أن يتناسى المسؤولون ما قد تكون قُلته في الماضي.

فتصريحات النظام بين الحين والآخر تذكّر الناس أنهم ظلوا طيلة خمسين عاماً يحيون بطريقة خاطئة، وأن الدولة تحملت الكثير بسبب هذه الحياة، ومن أجل تصحيح هذا الخطأ يجب عليكم أن تتحملوا وتصبروا بل وتدفعوا فاتورة هذا الإصلاح في صمت، ولكن النظام يتغافل عن أن الشعب عندما تعب من طريقة الحياة تلك ثارت طوائف كثيرة منه رغبةً في حياة أفضل، وعلى الرغم من أن الناس تدفع تلك الفاتورة الآن فإنها لا تجد مردوداً يجعلها تشعر أن ما دفعته سيعود عليها بالفائدة، بل إنها تجد نفسها أمام ارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة يقابله ثراء غير مبرر لبعض الفئات في المجتمع، جعل الفروق الطبقية هائلة بين أفراد المجتمع.

وبين الصمت الإجباري سياسياً والاحتياج المتزايد اقتصادياً تولد الإحباط ونما اليأس.

ولست أدري هل تدرك الدولة كمّ الإحباط المتزايد بداخل الكثيرين أم أنها لا ترى سوى المؤيدين والمنافقين الذين يباركون أي خطوة لها؟

حجم الإحباط يتزايد يوماً بعد يوم، والإحباط قد يؤدي إلى اللامبالاة في أحيان كثيرة جعلت المحبطين يتحدثون عن الدولة بصيغة الغائب، ولا يتكلمون عنها بوصفها وطنهم بل صارت مكاناً للحياة يمكن استبداله بمكان غيره كما فعل الآلاف غيرهم.

فالحياة بدون أمل جعلتهم يعملون بدون روح، والعمل بدون روح يحوّله لشيء روتيني بحت ويفقده القدرة على الإبداع والتغيير للأفضل.

والغريب أن وجود هامش للحرية سيجعل هناك متنفساً للرأي الآخر، والدولة تعرف أن هذا الرأي لن يُغيّر من الأمر شيئاً، وأن رجالها المخلصين قادرون على مواجهة هذا الرأي والنيل منه، ولكن يبدو أن الدولة سئمت حتى من هذا الهامش، فقررت تقليصه خاصة مع سيطرتها على الآلة الإعلامية، وطرح كياناتها الضخمة بديلاً عن الإعلام الخاص.

وربما رأت أنها تخوض معركتها الضخمة مع الإرهاب ومع التنمية ومع أشياء أخرى مجهولة لدى الأغلبية، وبالتالي فهي لا تريد تشتيت قواها في معارك أخرى حتى وإن كانت شكلية.

ولكن الخوف أن هذا الصمت الإحباري حين يختلط مع الإحباط المتزايد قد يؤدي إلى الانفجار، فالمحبطون الصامتون لن يظلوا جميعهم هكذا إلى الأبد.

والأسوأ أن هذا الانفجار غير المحدد بشكل أو طريقة غالباً ما سيكون انتحارياً يدفع ثمنه الكثيرون.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد