هل يتكرر سيناريو حلب في غوطة دمشق؟!

من باع حلب لن يشتري الغوطة، وما دام الجنوب مفصولاً عن الشمال، والشمال مفصولاً عن الشرق والغرب، فلن تقوم ثورة، وسنموت ألف ميتة، وما دام لكل واحد فينا طرف يفاوض عنه ولا يكترث لغيره، فسنظل نموت

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/25 الساعة 03:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/25 الساعة 03:12 بتوقيت غرينتش

اتفاقيات دولية انتهت بتهجير سكان حلب الشرقية في ديسمبر/كانون الأول 2016، كان لتركيا الدور الأبرز فيها، وقُسمت المنطقة كيف شاء الروس والأتراك. واليوم سيناريو حلب يتكرر في غوطة دمشق الشرقية، مئات القتلى والجرحى خلال الأيام الأولى للحملة التي تروج لها قوات النظام بمساندة ميليشيات عسكرية. لكن، لا يبدو هذه المرة أن المنطقة دخلت في محاصصات دولية، إنما تفرغ النظام وانحسار المساحات الخارجة عن سيطرته جعلا من الغوطة الخيار التالي له.

كثير من الأمور تجعل الغوطة الشرقية المحاصرة هدفاً سيسعى النظام لحسمه مهما بلغت التكلفة، في ظل صمت دولي وإقليمي عما يحدث بغوطة دمشق. في هذه المدينة، لا أريد أن أحلل اختيار النظام الغوطة، لكن ما دفعني إلى أن أكتب، هو منشادات أبناء وطني للمجتمع الدولي بالتحرك.

استطاعت مدينة حلب في أشد أيام الحصار والحملة العسكرية، كسب تعاطف دولي وإقليمي كبير، واحتلت أخبار المدينة المنكوبة، بكل ما تحمله من معنى، الصفحات الأولى لكبرى وسائل الإعلام العالمية، وتعاطف من في المشرق والمغرب مع المدينة وأهلها، واجتمع مجلس الأمن والأمم المتحدة والجامعة العربية وكل ذي شأن وغير شأن؛ لمناقشة "نصرة حلب". مع ذلك، تمت الصفقة واغتُصبت المدينة ونكّل بسكانها وحجارتها حجراً حجراً.

شُرّدت المدينة، ودخلت ضباع الزمان وأنهت تاريخ المدينة وحاضرها، وطُوي كل شيء، وأُغلقت الملفات، فلا حقوق للإنسان، ولا إعمار للحجر، ولا عودة آمنة لمن أراد الحياة فيها.

لا أسرد كل هذا مثبّطاً للعزيمة، ولا يأساً من رحمة الله، لكن نحن من أوصلنا أنفسنا إلى هنا، والقصد هنا الساسة والعسكريون من المعارضة السورية، إننا لا نملك وحدة مصير عسكرية وسياسية؛ لذلك كفى كذباً، وطن تاجرتم به لا تتباكوا بنصرة قطعة من أرضه تُمسح الآن عن الخريطة.

مدنيو الغوطة وحلب ووادي بردى وغيرها، يدفعون ثمن خيانة الساسة والعسكريين، الكل بات يعلم كيف تحول الكثير منهم إلى مرتزقة يجوبون القاعات المغلقة والفنادق والغرف السرية من الرياض إلى القاهرة، إلى أستانا وسوتشي وغيرها؛ بحثاً عن المناصب والمال.

لقد حجّموا الفصائل واشتروا ذمم كثير من قادتها، وأغرقونا بما يسمى "خفض التوتر"، وانحسرت مناطق المعارضة شبراً وراء شبر، وبيع ما أمكن بيعه، وفقدت كل منطقة وحدة مصيرها ببقية تراب الوطن، وفاوضت كل منطقة بشكل منفصل على مصيرها، وأُبعد من أُبعد عن المفاوضات وجاءوا بسفهاء الأحلام والصِّبية لتناقش مصير الوطن، لقد كانت أقذر لعبة لقتل ما تبقى من روح الثورة، ووقع الصِّبية، بقصد أو غباء، بتلك القذارة والشباك.

بنادق متنازعة ومتفرقة تكيد لبعضها لا يمكن أن تحرر وطناً، لا يمكن لها إلا أن تكون سبباً في مزيد من الدماء والوجع ومزيد من القهر. وإننا نعيش قهر المشاعر والحياة.. قهر الكلمات التي تُحبس خجلاً في حضرة الدماء.

وحينما نتحدث عن فشل قادة المعارضة السياسية والعسكرية، لا يعني أن النظام نجح أو انتصر، من أدخل الروس وإيران وحزب الله والميليشيات الشيعية والمرتزقة، لا يمكن أن ينتصر، ومن قتل الحجر والبشر لا يمكن أن ينتصر، كل ما يمكن قوله إن الوطن بأكمله دخل في محاصصات دولية وحرب وكالات وتصفية حسابات على أرضنا وعلى حساب شعبنا.

وبكل أسف، من باع حلب لن يشتري الغوطة، وما دام الجنوب مفصولاً عن الشمال، والشمال مفصولاً عن الشرق والغرب، فلن تقوم ثورة، وسنموت ألف ميتة، وما دام لكل واحد فينا طرف يفاوض عنه ولا يكترث لغيره، فسنظل نموت. وما دامت الجبهات تصمت من الشمال للجنوب، فسنموت فُرادى وسُنقتل آحاداً. وحينما نمتلك مصيراً واحداً عسكرياً وسياسياً، فسنحيا جميعاً وستقوم ثورتنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد