"القلب المكسور".. ليس مجرد مصطلح يستخدمه الناس للتعبير عن أثر عاطفي أو نفسي، لكنه أثر عضوي، فانكسار القلب يحدث بالفعل بصورة مادية عند التعرض للصدمات العاطفية.
هذه المتلازمة هي مجرد اسم مستعار لتصوير ما يسمى "متلازمة اعتلال تاكوتسوبو" Takotsubo cardiomyopathy، وهو مصطلح جرت صياغته في أوائل تسعينيات القرن العشرين من قِبل الباحثين اليابانيين، والذي يشير إلى ضعف البطين الأيسر، غرفة الضخ الرئيسية في القلب، في ردِّ فعل على التوتر العاطفي الشديد.
"تاكوتسوبو" تعني "وعاء الأخطبوط"، التي تدل على الشكل، بالإضافة إلى السمك، فيكون البطين الأيسر شبيهاً بشكل رأس الأخطبوط، وجداره رقيقاً مثل جلده. ووفقاً لدراسة حديثة من جامعة أبردين، قد لا يتمكن أولئك الذين يعانون من متلازمة تاكوتسوبو من التعافي على الإطلاق.
ووفقاً لمركز Harvard Women's Health Watch، فإن 90% من المصابين بمتلازمة تاكوتسوبو المسجلين هم من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 58 و75 عاماً. وفي حين أن المجتمع والثقافة الحديثة يصوران أن قدرات الرجال والنساء العاطفية متباينة إلى حد بعيد، فإن هذه النسبة توضح الكيفية التي تشعر بها المرأة على المستوى العاطفي على فسيولوجية جسمها.
بصفتها جرَّاحة في القلب والرئة، شهدت نيكي ستامب بعضَ الحالات بنفسها، لذا خصَّصَت لهذه الظاهرة فصلاً كاملاً في كتابها الأول "هل يمكن أن تقتلك كسرة القلب؟".
يُذكِّرنا عنوان الكتاب بحادثة وفاة الممثلة الأميركية ديبي رينولدز جراء "كسرة القلب"، بعد مرور يوم واحد على وفاة ابنتها، كاري فيشر، في عام 2016، لكنَّ هذا الكتاب يترفَّع عن العلوم الزائفة المنتشرة على الإنترنت، والمصاحبة لتلك التقارير.
من الممكن أن يؤثر الحزن أو الصدمة في الشخص، لدرجة أنَّ القلب المُهدَّد بالإصابة بأزمةٍ قلبية لا يمكنه التعامل معهما ببساطة.
تقول نيكي، وفقاً لصحيفة The Guardian البريطانية، "حين يتعلَّق الأمر بالعاطفة والصحة، فإنَّنا غالباً ما نتحرك في دوائر مفرغة.
عندما كان أول الممتهنين بالطب يكتشفون جسم الإنسان وأعضاءه، كانوا يعتقدون أنَّ القلب هو مركز العاطفة، لأنَّه كان دافئاً وساخناً، ومن هنا نشأت فكرة "ذوات الدم الحار".
ثم صرنا بصورةٍ ما فاترين وباردين، بما يعني أنَّ المشاعر تأتي من الدماغ، وأنَّ حالتك العاطفية لا علاقة لها بحالتك الجسدية، لكنَّنا الآن عدنا إلى نقطة البداية من جديد، وبدأنا نلقي نظرة أكثر شمولاً إلى الصحة".
وتعد العلاقات مثالاً عظيماً على ذلك.
تقول نيكي: "هناك اتجاه يشير إلى أنَّ الإنسان يصير أكثر عرضة للموت بعد فقدان شخص مهم وقريب له". لكن على العكس من ذلك، تقول نيكي إنَّ كلاً من العلاقات الرومانسية والأفلاطونية مفيدة بصورةٍ كبيرة: "هناك الكثير من الأنشطة الإيجابية التي تحدث في جسم الإنسان حين يتعلَّق بشخصٍ ما. حين تكون لنا علاقاتٌ اجتماعية وعاطفية، يبدو أنَّ أدمغتنا تتعامل مع ذلك باعتباره إشارة إلى أنَّنا بصحةٍ جيدة".
ومن ثم، تغمر هرمونات مفيدة مثل السيروتونين والأوكسيتوسين الجسم، مما يمنع الإصابة بالالتهاب، ويساعد على تدفُّق الدم.
ومع ذلك، لا يُجمِّل الكتاب من مخاطر العلاقات، فالطلاق تجربةٌ حقيقية. أظهرت إحدى الدراسات التي تشير لها نيكي في كتابها أنَّ مراكز الألم في الدماغ تضيء عندما يرى الناس صوراً لشركائهم السابقين، وبالطبع، الألم والإجهاد لهما آثار سلبية على القلب.
تقول نيكي إنَّه "أمرٌ مثير للاهتمام، لأنَّنا وصلنا إلى مرحلةٍ في الثقافة وفي المجتمع جعلتنا أكثر تقبُّلاً للطلاق من الناحية الاجتماعية، ومع ذلك، لا يزال له تأثيرٌ عميق في صحتنا".
كشفت البحوث أنَّ الطلاق يضع النساء تحت ضغط فسيولوجي أكبر بكثير من الرجال، فعندما يتزوَّج الرجال مرة أخرى، ينخفض خطر إصابتهم بأزمة قلبية من جديد، لكن وفقاً لنيكي، فإنَّ الطلاق يعني بالنسبة للنساء تغيراً دائماً في حالتهن الصحية: "تعد المخاطر التي يتعرَّض لها قلب المرأة جراء الطلاق بنفس خطورة ضغط الدم أو التدخين".
ومن ناحيةٍ أخرى، يقل احتمال تعرُّض الرجال المتزوجين من النساء لنوبات قلبية في المقام الأول، وحتى أولئك الذين يصابون بها، يتعافون منهم أسرع بكثير من الرجال غير المرتبطين، أو من النساء المتزوجات من الرجال.
لا تتوقف القضايا الجندرية المتأصلة في صحة القلب عند هذا الحد أيضاً. في الواقع، تقول نيكي إنَّ أحد الأسباب التي جعلتها تبدأ في تأليف كتابها هو كم أنَّه "مخيفٌ ومحبط" أنَّ "النساء لسن على درايةٍ كافية بأمراض القلب"، على الرغم من كونها السبب الأول وراء وفاة النساء الأستراليات. يوضح الكتاب: "إذا كنتِ امرأةً دون سن الخمسين وتعانين من أزمةٍ قلبية، فأنت مُعرَّضة لخطر الموت بنسبة الضعف عن الرجل في الظروف ذاتها"، ومن العوامل التي تسهم في ذلك ندرة الموارد التي توضع في الصحة القلبية للمرأة، لأنَّ معظم البحوث أجراها "الرجال، على الرجال".
وتوضح نيكي -التي غالباً ما يظنها الناس خطأً ممرضة ويشار إليها باسمها الأول بينما ينادَى زملاؤها الذكور بألقابهم- أنَّ القضايا الجندرية في المجال تؤثر في الطب نفسه: "تُمثَّل النساء في الطب الأكاديمي، أو حتى في المستويات العليا من البحوث الطبية بشكل عام، تمثيلاً ناقصاً".
سواء شئنا أم أبينا، فإنَّنا جمعياً مُتحيِّزون للانتباه إلى الأمور التي تلائمنا أكثر. بالنظر إلى كل ما سبق، صرنا نكتسب الآن فقط معلومات عن الفروق البيولوجية والاجتماعية بين قلوب الرجال والنساء، وتسبب ذلك في أنَّ ممارسي الرعاية الصحية ليسوا على معرفةٍ كاملة بهذه الفروق، لذا فإنَّنا لا نعرف ما يجب الاحتراس منه، وغالباً ما نتجاهل الأعراض.
لا تريد النساء أن يبدين ساذجات، لذا يذهبن إلى خبير الرعاية الصحية الخاص بهن، طبيباً كان أو ممرضة، ويتجاهل هو أيضاً ما يمررن به لأنَّ الأعراض التي تظهر عليهن غريبة، أو لأنَّ النساء أكثر احتمالاً لأن يُشخَّصن بالقلق. يشبه الأمر عاصفةً من المضاعفات، تشير إلى أنَّ قلب المرأة مُعرَّض للخطر أكثر من الرجل بكثير".
أكثر شيء مؤثر في الكتاب هو إعجاب نيكي الشديد بهذا العضو، فتصف كيف كانت لحظة رؤيتها قلباً ينبض داخل صدر أحدهم لأول مرة أخَّاذة، وتشبِّه الأمر بأنَّه كان حباً من أول نظرة. يتضمَّن الكتاب العديد من الحكايات التي راكمتها في رحلتها المهنية (عندما ألقى أحد المرضى طاولة عليها، كان رد فعلها: "لا وجود للأحكام هنا، الحزن أمرٌ كريه")، تكمل نيكي حديثها: "تبدو الكثير من الكتب المعنية بأمر الطب والصحة كأنَّها إرشادية، بل وأحياناً ما تكتسي بصبغةٍ أبوية. لم أرد كتابة شيء كهذا".
في مقدمة الكتاب، نعرف أنَّ "الجانب الإنساني الكامن في العناية بشخص آخر"، هو تحديداً ما جعلها من الأساس "تنخرط" في المجال الطبي، ويبدو هذا واضحاً بالفعل. أُجِّلَت إحدى العمليات لواحدةٍ من مريضاتها كان يُفتَرَض أن تخضع لعملية جراحة قلب، لكي تتمكَّن من الزواج من حب حياتها في العنبر الذي تقيم فيه نفسه. تحكي نيكي أنَّه "بعد مرور يومين على حفل زواجها، كانت المريضة تجلس على كرسيها المتحرك، قاطعة الممر ذاته، إلى غرفة العمليات".
تعترف نيكي بأنَّ معرفة تأثير كسرة القلب في قلبها لم يجعل منها إنسانةً خارقة، وتقول ضاحكة: "في بعض الأحيان، أثناء بحثي لكتابة هذا الكتاب ومعرفة آثار كسرة القلب، كنت أتذكَّر جميع من كسروا قلبي من جديد. لكنَّني أتأقلم. إحدى الحتميات الحزينة للحياة هي أنَّ كسرة القلب ستحدث لنا جميعاً في وقتٍ ما، وأنا آمل فقط أنَّه إذا حدث ذلك مرة أخرى، أو عندما يحدث ثانيةً، أن أتذكَّر بعض هذه الأشياء، وأن أتعامل مع مشاعري بصورةٍ أفضل مما سبق قليلاً".