سردية المظلومية الكردية ومنطق المنافحين عنها في وجه الثورة السورية

منذ أسابيع قليلة، كنت في إحدى المنظمات الألمانية الخدمية، ولأنني لا أجيد اللغة الألمانية إلى الآن، كنت أحتاج لشخص يساعدني في الحديث لشرح فكرتي، فوجدت أحد الأشخاص بالمكان نفسه يتحدث العربية على استحياء، ساعدني نوعاً ما في الحديث.

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/24 الساعة 01:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/24 الساعة 01:23 بتوقيت غرينتش

ما هو الموضوع؟ وما هي القضية؟

منذ أسابيع قليلة، كنت في إحدى المنظمات الألمانية الخدمية، ولأنني لا أجيد اللغة الألمانية إلى الآن، كنت أحتاج لشخص يساعدني في الحديث لشرح فكرتي، فوجدت أحد الأشخاص بالمكان نفسه يتحدث العربية على استحياء، ساعدني نوعاً ما في الحديث.

وبعد أن قضيت حاجتي قلت له بدافع الشكر والفضول: من أين أنت؟.
قال: أنا من دولة كردستان.
لفتني ردُّه بهذه الصيغة، فقلت له: أين تقع هذه الكردستان؟
قال: كردستان.
فقلت له: تقصد في العراق؟.
قال: لا؛ بل من كردستان.

فقلت له متعمِّداً: ما علمت أن هناك دولة اسمها كردستان، فبأي القارات أو المناطق تقع؟ قرب روسيا.. أوروبا.. أميركا.. بالهند.. قرب أين؟
قال: في كردستان.
فقلت له: فمن أي مدينة أنت من كردستان هذه، فأجاب بأنه من السليمانية.
قلت: تلك مدينة في العراق؟
قال: لا، هي من كردستان.
قلت له: جواز سفرك ما كُتب عليه؟ أليس العراق؟
لم يرغب في الرد، وقال: هي كردستان دولة تحت التأسيس!

فاتني أن أقول إنه وخلال الحديث قال: لا أفهم العربية بشكل جيد.
وهي طريقة للتهرب من الإجابة، فقلت: هل تتحدث لغة أخرى؟
قال: نعم، أجيد الكردية والفارسية والتركية والألمانية، لكن العربية لا أفهمها بشكل جيد.

قلت: سبحان الله! يعيش في دولة عربية وعاصمة الخلافة العربية الإسلامية، ولا يفهم لغتها، بينما يجيد لغة أقوام يعتبرهم أشد خصومه.

ما أودُّ قوله هو أن مشكلة هذا الشخص وغيره ليست مع العرب أو العربية؛ بل مشكلته مع نفسه ومع من أوصله لهذه الحالة من الخصومة مع واقعه العربي، وعزز هذا الفكر المتطرف في مخيلته.

هذا الفتى الذي قد لا يتجاوز العشرين من عمره، هو ضحية من غرسوا في صدره العداء لمحيطه، ولم يغرسوا في صدره الطفولي التصالح مع مجتمعه وأن يكون جزءاً فاعلاً فيه. وهنا مربط الفرس وبيت القصيد، مع من يدّعون أن محيطهم يكرههم وغير متصالح معهم، رغم أن حكومة العراق منذ سنين طوال منحتهم حكماً ذاتياً.

يفتح البعض مزاداً يقول فيه إن منظّري الثورة السورية العظيمة والمنافحين عنها لديهم سردية واحدة لمفهوم المعارضة أو الثورة، تنحصر في تقسيم السوريين؛ إما ثائر وإما مؤيد، ولم يفهموا أو لا يريدون أن يدركوا التنوع الأيديولوجي والديمغرافي الذي يشكل في مجمله نسيج وفسيفساء الجمهورية العربية السورية بشكلها الحالي.

بطريقة فلسفية جدلية مجتمعية، يحاول تصدير وجهة نظره التي تصب في خانة ربما لا يريد الإفصاح عنها بشكل مباشر، لكن كما قالت العرب: اللبيب من الإشارة يفهم. بعبارة أدق، يريد الحديث عن القوميات والعرقيات والحقوق والمظلومية وأشياء أخرى.

بكل شجاعة، وقفنا لمحاولة البعض حرف الثورة السورية عن مسارها الطبيعي، وقلنا ونقول إن البعض حاد عن جانب الصواب وارتكب أخطاء كارثية، وقد انتقدناهم حينها في كل وسائل الإعلام التي أتاحت لنا فرصة الحديث.

وبالمقام نفسه، نعيد تأكيد أن الكثير من المتسلقين الثوريين الذين ركبوا الموجة الثورية حاد متعمداً عن أهداف الثورة العامة وعن صلب ما خرجت من أجله؛ وهو العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة المجتمعية، لجميع السوريين، وما زالت حناجر الثوار الحقيقيين هاتفة صدّاحة "واحد.. واحد.. واحد الشعب السوري واحد".

أعلنوها للبعيد والقريب أنهم يريدون سوريا: وطناً حراً كريماً عزيزاً، ينعم به أبناؤه -كل أبنائه- بالعدل والحرية والكرامة الإنسانية.

ولم ننكر يوماً وجود هذه الفئة التي قدمت الخاص على العام، وعملت لأجل مصالحها الفئوية الحزبية الضيقة، وجلبت للثورة كوارث نتيجة تحزُّبها وأخطائها، مثل شراء الولاءات واستخدام أموال الدعم للسيطرة على شرائح معينة، مستغلّةً سوء الحال والحصار، بهدف القول إنها صاحبة التمثيل الأكبر، كل هذا نعرفه وندركه وننتقده كما نفعل الآن، فلا يزايد علينا أحد في هذا المضمار.

ونعود إلى لب الموضوع ومشكلة البعض الذين ما زالوا يصرّون على التقسيم الطبقي والأيديولوجي والديمغرافي، وخاصة أهلنا من الكُرد الذين يصرون على أنهم فئة مظلومة، وأنهم طبقة متميزة عن عامة السوريين ويصرون على أن لهم مطالب خاصة لا تجمعهم مع عامة ما أطلق عليه أحد الكتاب "الكيان السوري"، وأنهم الشريحة المستضعفة المخوَّنة من جماهير الثورة ومنظِّريها، وبالمقام نفسه من تنظيم الأسد والمنافحين عنه.

أي مراقب متبصر بحقية الأحداث ومجرياتها على الساحة السورية ودون عناء، يدرك أن هذا الكلام غير واقعي، على الأقل لجهة الثورة السورية والمنافحين عنها، رغم أنها لا تحتاج لمنافحين؛ فشرعيتها واضحة وضوح الشمس في كبد السماء.

أما فيما يتعلق بشبيحة ومحازبي ومشايعي تنظيم الأسد، فهم يعتبرون أن كل من لم يدافع عن تنظيمهم الفئوي الأقلّوي الطائفي البغيض خائنٌ، دمه وعرضه حلال لهم، وهذا ينطبق على الجميع، ومن ضمنهم العرب السنّة، وهم سواد أهل البلد، عامتهم وخاصتهم. وأنا في حِل من الحديث عنهم "الشبيحة".

فيما يخصنا نحن الثائرين القابضين على جمر الثورة -وكما ذكرت سابقاً- أردناها ثورة لكل السوريين، وقد شاركنا معظم شرائح المجتمع السوري، ومن ضمنهم الكرد.

لكن نقطة البحث التي يتهرب منها البعض، أن هناك تحولاً قد حدث للإخوة الكرد، وهو سيطرة الأقلية الشعوبية الانفصالية على الإخوة الكرد، وحرفوا مسارهم الثوري الذي يتشاركون فيه مع عامة الثوار وخاصتهم، حين قرروا الانفراد بالرأي والحديث عن طرف ثالث وعن أقلية مضطهدة، وأرادوا من الثورة السورية أن تكون جسراً لتحقيق مطامعهم وأهوائهم الانفصالية الواهمة في دولة داخل الدولة والحصول على لقب الشعب الكردي، ولم يرغبوا في أن يكونوا جزءاً أصيلاً من الشعب السوري، لهم ما للسوريين من واجبات وحقوق.

فكان أن تحالفوا تارة مع تنظيم الأسد الذي سلمهم مناطق واسعة من شمال وشرق سوريا؛ ومن ثم لما انتفخت الأنا عندهم وبات لديهم دعم دولي من أميركا وروسيا، قرروا بإرادتهم كاملة -والمقصود "الشعوبيون"- تنفيذ مشروعهم الانفصالي الشعوبي. وللتذكير، فتحوا لهم مكتباً في موسكو ومكاتب بدول أخرى. وحاولوا ركوب موجة الحرب على الإرهاب وتنظيم داعش؛ للسيطرة وفرض النفوذ بالقوة الجبرية المدعومة من التحالف الدولي، وكان من أمرهم أن أعلنوا حكماً ذاتياً ومجلساً وطنياً "كُردياً"، وقاموا بتحريق وتجريف قرى بكاملها وتهجير أهلها، رغم أنف الجماعة الوطنية والثورية.

ولما وجدوا أن الدول التي استخدمتهم كبندقية للإيجار أو قتلة مأجورين، في وارد التخلي عنهم بعد أن نفذوا لها المهام القذرة، عادوا سيرتهم الأولى للحديث عن المظلومية والحقوق التاريخية التي لم يستطيعوا إثباتها، ويتجاهلون أن الثورة السورية خرجت ضد من اضطهدهم هم والسوريين جميعاً.

بناء عليه، نسأل: هل يمتلكون الجرأة نفسها التي امتلكناها حين انتقدنا الأخطاء الكارثية التي تسبب فيها البعض عن جهل أو حمق أو اجتهاد خاطئ.

أيها الإخوة الكُرد، ليس لدينا مشكلة معكم ولا مع غيركم، فبرغم ما فعله "النصيرية" بنا، ليس لدينا رغبة في إفنائهم أو رميهم بالبحر، إنما نريد العدالة كيلا يحاسب على ما اقترفت يداه، ومن التزم بيته ولم يشارك في جرم فله حقوقه القانونية والإنسانية كاملة.

بالعودة لقضية أن الثورة تصنف السوريين إما ثائر وإما شبيح، نقول -بكل وضوح- القضية اليوم ليست قضية اختلاف بوجهات النظر أو اختلافاً على قانون أو أشياء من هذا القبيل، القضية اليوم قضية أخلاقية بأن هناك تنظيماً أقلوياً ومحازبوه تسببوا في قتل نصف مليون إنسان، وأحرقوا ودمروا أكثر من نصف البلد؛ ومن ثم لم يعد هناك منطق للقول إن الموضوع لا يخصني وأنا على الحياد.

وإن قُدِّر للثورة الانتصار المبين، يأتي فيقول إنني كنت معكم ولم أقبل بما حدث، لكن لم أستطع فعل شيء، على غير ما كان يفعل، فليس من المنطق أن يسرح ويمرح ويحتفل ويرفع رايات الأسد تحت عنوان القوة القهرية أو الحفاظ على وظيفته. ألم نكن موظفين وفي مراكز أهم من مواقعهم وغادرناها ولم نلتفت إلى شيء غير مصلحة الثورة السورية، وقدمنا في سبيلها الغالي والنفيس؟ فما بالكم كيف تحكمون!

أيها السادة، نعلنها للعالم بأسره دون خوف أو مداهنة: لم يقم الشعب السوري بثورةٍ تحالفَ ضدها ضباع العالم وأقزامه، وتطاول علينا من لا يستطيع الدفع عن نفسه من أجل منح الكُرد دولةً أو إقليماً خاصاً، ولن نقبل بالفيدرالية أو الإدارة الذاتية القائمة على الشعوبية. بالمناسبة، نظام الأسد يتتبع الإدارة اللامركزية منذ سنين.

الإخوة الكرد، مشكلتكم ليست مع العرب ولا مع محيطكم، مشكلتكم مع أنفسكم، هل قتل العرب منكم أكثر مما قتل تنظيم بارزاني وطالباني وحزب العمال! ألم تمنحكم الحكومة العراقية حكماً ذاتياً منذ عقود؟ ألم يتحالف زعماؤكم الإقطاعيون مع الإيراني والسوفييتي والروسي والبريطاني والأميركي، وجميعهم قد خذلكم على الجملة؛ لأنهم يدركون أن ادعاءات منظِّريكم كاذبة، فكيف لبريطانيا أن تصدق مزاعم الحقوق القومية للكرد وهي من اخترع القومية الكردية لضرب
الخلافة العثمانية؟

قد يجادل أحدهم ويحاول التصيّد في عكر الماء، ويقول: كلماتك تنضوي على كراهية وعنصرية وتنسف ما يسمونه القضية الكُردية من جذورها، فأقول: لسنا ضد الكُرد، وليس من مهام الثورة أو السوريين البحث عن حلول لما يسمونه القضية الكردية، ما يجب أن نركز عليه نحن كسوريين هو أن لدينا مواطناً أو مواطنين، لديهم مشكلة ثقافية يجب حلها بعيداً عما يسمونه القضية الكردية.

أما قولنا إن بريطانيا والاستعمار هم من اخترع القومية الكردية بصورتها السياسية الحالية، فهذا صحيح، لم تكن القومية الكردية المزعومة قبل الوصاية البريطانية عليها، مصطلحاً سياسياً على الإطلاق، هذا ما ذهب إليه الكثير من الباحثين بأن مصطلح قومية كردية تم استخدامه لأول مرة من قِبل البريطانيين في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، لضرب الخلافة العثمانية، ولم يكن هذا المصطلح بصيغته السياسية موجوداً كتعبير عن أمة، فالكُرد كانوا جزءاً من الخلافة العثمانية، ومن قبلُ جزءاً من الدولة الإسلامية.

فكيف لمنظِّريكم أن يسوِّغوا كتابة ما يسمونها اللغة الكردية بالأحرف اللاتينية
في سوريا دون الأحرف العربية التي يستخدمها أهالي شمال العراق، إنه التعصب البغيض، والكُرد الترك يستخدمون الحروف المعتمدة رسمياً للكتابة في تركيا، والأمر ينساق على كُرد أرمينيا وأذربيجان وأفغانستان وإيران، الجميع يكتب بحروف تلك الدول إلا الكُرد السوريين يستخدمون اللاتينية غير المعتمدة في الكتابة بسوريا؟

وكيف يسوغ احد الكتاب اطلاق تعبير "الكيان السوري" على الجمهورية العربية السورية وريثة الامبراطورية الأموية الضاربة في الحضارة واعماق التاريخ عاصمة الدنيا دمشق.

ونعود لللفئة الباغية المجادلة "الديمقراطيين الجدد" الذين يفتحون مزاد يقولون فيه، ولماً سوريا "عربية" وفيها مكونات كثر، لذلك المجادل نقول اي احصاء قديم أو حديث سيبين لكم أن العرب هم سواد أهل البلد، في اقل تقدير يشكلون "80%" من السكان فمن الجهل بمكان اعتبارالعرب مجرد مكون سوري ومقارنتهم بب قية الاقليات التي تتراوح مابين 5 الى 7 بالمائة وبعضها اقل من 3% ومن هنا نصر على عروبة وانتماء سوريا لمحيطها العربي وارثها التليد مع افتخارنا ببقية المكونات التي تشكل النسيج السوري.
وكيف يستطيع المنافحين عن المظلومية الكردية المزعومة رفضهم إطلاق اسم الجمهورية العربية السورية عل "سوريا" ويجيزون لأنفسهم الحق باطلاق اسم اقليم كردستان على اجزاء من سوري، إنه العجب العجاب لو علمنا ان 85 % من السوريين عرب وللإمعان في التناقض يسمون انفسهم سوريا الديمقراطية ولست ادري أي ديمقراطية هذه ؟؟
وفي يومنا هذا كيف لهم أن يسوفوا اتصالاتهم مع تنظيم الأسد الذي يعتبرونه تنظيم شوفين اضطهدهم لعقود من أجل تسليمه "عفرين" ولا يقبلون تسليمها للثورة "الجيش الحر".

بنفس النفس الجدلي السابق سيخرج عليك أحدهم ليقول لك هناك الكثير من الاطراف تتتصل او تحاول الاتصال مع تنظيم الاسد او تعقد صفقات معه، نحن نقول لامبرر للخيانة والخيانة لا يمكن تعميمها من يسلم ارض حررها الثوار بالشهداء لتنظيم الاسد خائن للامانة ولدماء الشهداء. ولا يجب التعميم.
أما ما تفعله عصابات سوريا الديمقراطية واسيادهم من حزب العمال الارهابي جريمة بكل المقاييس لأنهم يفضلون ويرجحون تسليم عفرين لتنظيم الاسد والميليشيا الايرانية ويرفضون تسليمها للجيش الحر الذي من المفترض انه شريكهم في الثورة وفي خصومة تنظيم الأسد الأمر لايستقيم، ووجود العامل التركي لايسوغ لهم هذا الفعل المشين.

نحن امتلكنا الجرأة وقلنا، فما هو الموضوع وماهي القضية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر ش تحرير الموقع.

تحميل المزيد