هل يمكن أن تنقسم إثيوبيا لدويلات؟

تنبّأ العديد من المحللين والمهتمين بإثيوبيا من على البعد بأن البلاد وصلت لآخر النفق، وخاصة الحراك السياسي، واصفين إياها بأنها آخر مرحلة من مراحل الحزب الحاكم، وأن إثيوبيا الآن مُقدِمة على أن تنقسم لدويلات حسب القوميات، آخذين في ذلك الحراك الأورومي أو تحركات الأمهرا في بعض الدول أو ما يسمى حركات الأمهرا والأرومو بأنه حراك من أجل الاستقلال أو مطالب محددة!

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/22 الساعة 03:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/22 الساعة 03:35 بتوقيت غرينتش

الأحداث التي شهدتها إثيوبيا خلال الأعوام الأخيرة جاءت بعدة مطالب رفضاً للفيدرالية والمناداة بالحقوق التي تنادي بها بعض القوميات، الشيء الذي ينذر بأن البلاد تدخل مرحلة خطرة من مراحل الانقسام، وخاصة في ظل الحراك الذي تشهده المعارضة الإثيوبية المتواجدة في الخارج، وتحريك الشعوب فيما يسمى بثورة وسائل التواصل الاجتماعي التي بدأت تجتاح البلاد، والتي تقوم بنشر العديد من المعلومات التي عندما نراها نجدها لا تستند لأي من الحقائق، وأحياناً.

يتم تداول صور من دول وقضايا أخرى يتم نشرها على أنها من إثيوبيا، والاعتماد على مصادر لا معرفة ولا مرجعية لها بإثيوبيا وخلفيات الصراع داخل البلاد، ولا حتى التاريخ أو السياسة الإثيوبية.

وقد عملت تلك التحركات على تأجيج الصراع، وتحريك الشارع الإثيوبي، وخاصة بما يسمى ثورة ومطالب الأورومو التي لا تستند أصلاً على حقائق، بل أغلبها تكون أخباراً بدون مراجع ومصادر حقيقةً، والهدف هو تفعيل وتحريك الشارع الإثيوبي، فالبعض كان يسمي نفسه خبيراً ومختصاً بالشأن الإثيوبي دون أن يعرف شيئاً عن إثيوبيا، وحتى بعض الإثيوبيين الذين يتواجدون في الخارج يحاولون أن يكونوا مصدراً لعدد من الوسائل، وفي الأصل تجدهم بعيدين كل البعد عما يجري في إثيوبيا فقط إنهم يعتمدون على مصادر تعمل على تقديم معلومات غير صحيحة مغلوطة، مما يوقع العديد من الوسائل في الخطأ؛ إذ تجدهم يخطئون في كل المعلومات، حتى الأسماء تجدها تتناقض من خلال رصدهم لها، ومنهم مَن يعمل على ذكر أسماء لا علاقة لها بالشأن السياسي في البلاد.

تنبّأ العديد من المحللين والمهتمين بإثيوبيا من على البعد بأن البلاد وصلت لآخر النفق، وخاصة الحراك السياسي، واصفين إياها بأنها آخر مرحلة من مراحل الحزب الحاكم، وأن إثيوبيا الآن مُقدِمة على أن تنقسم لدويلات حسب القوميات، آخذين في ذلك الحراك الأورومي أو تحركات الأمهرا في بعض الدول أو ما يسمى حركات الأمهرا والأرومو بأنه حراك من أجل الاستقلال أو مطالب محددة!

ولكن للذين لا يعرفون إثيوبيا الآن هي الدولة التي عملت على أن تقوّي العديد من الأقاليم، وتجعلها تؤمن مائة بالمائة بإثيوبيتها في ظل الوضع الحالي، بل هنالك بعض البلدان التي قدمت فكرة أن تكون فيدرالية مع إثيوبيا من خلال مشاهدتها للتنمية والنهضة التي بدأتها البلاد، وأن الوضع في إثيوبيا وبالرغم من التحديات، فإنه يوحي بحراك اقتصادي كبير قد يجعل البلاد في مصافّ الدول المتقدمة التي سجلت دخلاً متوسطاً، وعملت على تطوير البنية التحتية في فترة وجيزة.

ففي التجربة السابقة التي واجهت الحكومة خلال انتخابات عام 2005 م كانت الأحداث أقوى من أحداث اليوم، في ظل تكالب المعارضة وتحريك الشارع الإثيوبي، وخاصة الشباب، والتي استطاعت البلاد تخطيها، وخاصة الحكومة التي خرجت منها بتجربة كبيرة أفادتها في خطتها التي سارت عليها، وكذلك الانقسامات التي حدثت في الأعوام الأولى لتولّي الجبهة الحاكمة البلاد بين أفراد الحزب الحاكم بسبب العديد من النقاط الخلافية، ومنها الحرب الإريترية الإثيوبية وتوغل القوات الإثيوبي، الشيء الذي أدى لحالة من الانقسام بين قيادات الحزب الحاكم حول أنه يجب أن تتراجع القوات الإثيوبية من الأراضي الإريترية عن بعض قرارات من جهات دولية عدة في حرب الأعوام الأربعة، ولكن أيضاً هذه التجربة لم تكن كفيلة بأن تؤدي لانقسام البلاد.

إن التجربة التي حدثت في إثيوبيا خلال العقدين الماضيين لم تحدث من قبل، ولن تحدث، وما شهدته البلاد من استقرار وسلام وتنمية ونهضة خير دليل على هذا، وبالرغم من أن هنال مَن يودّ تعكير هذه التجربة بمسميات ومطالب مختلفة، فإن الجهود لم تكلل بالنجاح لهم، فدخلت إثيوبيا في تجارب وصراعات متعددة خلال الأعوام الستة والعشرين الماضية جنباً إلى جنب مع التنمية التي لم تتوقف للحظة واحدة، فكان أن أُثيرت قضية أن المسلمين لم يجدوا حريتهم، وهنالك اضطهاد لهم وهذا الملف الذي انتهى دون أن يعمل على تعكير حركة التنمية، وجاءت فكرة مطالب الشباب التي تم استغلالها بصورة كبيرة ولم تنجح، وكذلك مطالب باسم قوميات وإثنيات محددة، والتي لم تجد لها نصيباً من التصعيد إلى وصول أحداث أوروميا التي أصبحت مكشوفة في ظل المطالب باسم التعددية والأغلبية والتي خرجت من جماعات أصلاً هدفها معروف من قبل أن تنجح هذه الفكرة.

المتابع للأحداث الآن في إثيوبيا يجد أن كل مرحلة تخرج قضية معينة دون أن تنجح في تأجيج الصراع، فإثيوبيا أكبر من أن تنهار بسبب حركة أو ثورة تعمل على الانتهاء من الحراك السياسي الذي يحدث في البلاد، فمن الأفضل هنا أن تقوم تلك الجماعات من الاستفادة من التسهيلات والانفتاح الذي يجري في البلاد والانضمام إلى الوطن والحركة التنموية التي تشهدها الهضبة، وإلا فلن يصل به قطار الصراع إلى بر الأمان؛ لأن الدول التي تسعى إلى أن تكون إثيوبيا في ظل الصراع فإن دائرة الحرب الأهلية الآن أصبحت موجة أضعف من أن تعمل على زعزعة إثيوبيا.

وفكرة ثورة الربيع الإفريقي وما يدعو لها البعض من المنظّرين فلا مكان لها في إثيوبيا، فإثيوبيا ليست تونس أو مصر أو سوريا، هي بلاد جرب شعبها العديد من الحروب والصراعات والمجاعات في فترة الجهل والظلام، وكانت أن قدمت تجربة لهم في العديد من المسارات، فأين هي تلك الدول من التسامح والتعايش اللذين يتعايش فيهما الإثيوبيون؟!

فانقسام إثيوبيا في وقتنا الحالى إذا حدث فسيكون بلاء ليس على الإثيوبيين فقط، بل سيعم الخراب على كل دول الجوار من الشرق إلى الغرب والى الشمال، ولك أن تراجع الحراك السياسي في فترة الثمانينات وما حدث من صراع وحروب ومجاعات في إثيوبيا، وكيف تضررت به بعض الدول المجاورة، والآن قوة وتماسك إثيوبيا هما في مصلحة منطقة القرن الإفريقي، تلك المنطقة التي توجد على حافة بركان يتمثل ثورانه في الحركات الإرهابية والعديد من القضايا الملتهبة، وإن استقرار إثيوبيا الآن هو الذي قلل من ثوران هذا البركان في تلك المناطق.

فانقسام إثيوبيا لدويلات معناه نزوح العديد من الشعوب لدول الجوار، منها السودان وكينيا والصومال وجنوب السودان، حتى إن كنا في صراع وعدم استقرار فلا مفر من النزوح إليها واستقلالها كمعبر لدول أخرى كما يحدث في ليبيا الآن التي يهاجر الآلاف من الإثيوبيين من البلاد عبر السودان إليها، وهذا معناه أن هنالك صراعات ستقوم حتى بين أفراد القومية الواحدة التي منها من ترى أنها الأفضل والأجدر، فإفريقيا لها خبرات وتجارب في مثل هذه الصراعات.

هل يمكن أن ينصاع الإثيوبيون لفكرة الانقسامات الداخلية بغض النظر عمّن هو الأكبر نسبةً ومَن الذي سيحكم؟

أعتقد أن هذا السؤال يجول في فكر العديد منا، وكذلك حول ما هو المستقبل القادم لإثيوبيا في ظل احتوائها على إثنيات وأعراق متعددة وأديان مختلفة؟!

الآن الجميع في ترقّب حول مَن سيحكم البلاد خلال المراحل القادمة، وكيف يمكن أن تدار إثيوبيا مستقبلاً في ظل رفض الجميع بالنسب الممنوحة له؟ ولكن الوضع سيتضح خلال الساعات القادمة، فإن البلاد يمكن أن تعمل على تخطّي هذه العثرات بين ليلة وضحاها، لا ثورات ستقودها ولا معارضة قادرة على التضامن فيما بينها، ولا أقليات كانت تتحارب سابقاً وبينها عداء يمكن أن تأتلف اليوم أو غداً من أجل حكم البلاد، فتلك التجربة جديرة بالمشاهدة حتى إن شابتها بعض الأخطاء في كل مرحلة فهي الأقوى، وستظل كذلك حتى نجد بديلاً لها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد