وعود كثيرة وكبيرة يطلقها المسؤولون والسياسيون من مختلف الدرجات والمناصب والألوان، بحيث لم تقتصر على هذا الشخص أو المسؤول، وإنما أصبحت حالة عامة تتكرر في الأحاديث والتصريحات التي لم يعُد يهتم بها المواطن أو يبني عليها أي شيء، لكن أسوأ وأخطر هذه الوعود عندما تصدَّر من هم في موقع المسؤولية وأصحاب القرار ينتظر منهم الناس قرارات أو إجراءات هي بالأساس حق شرعي وقانوني للناس، إلا أن ظروفاً أو أسباباً معينة جعلتهم في موقع المنتظر لهذا الأمر أو القرار لتُصرف لهم حقوقهم ورواتبهم.
رواتب موظفي إقليم كردستان مثال واضح للوعود التي طالما سمعها الموظفون وكل مَن له راتب تقاعدي من العمال والمستخدمين والعسكريين والبيشمركة والمعوقين والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة ومختلف طبقات وفئات المجتمع، الذين لا مورد ولا مصدر لهم للعيش سوى الراتب الذي رتبوا ونظموا حياتهم للعيش فيه، وهم بالمناسبة ليسوا بالضرورة أن يكونوا كرداً أو من دين أو قومية معينة، بل إن كثيراً منهم عوائل للعسكريين والأساتذة والموظفين العراقيين من مختلف المحافظات، والذين استقروا ونقلوا رواتبهم إلى مصارف وتقاعد إقليم كردستان.
هذه المشكلة بدأت من عام 2014 عندما تم قطع ميزانية الإقليم من حكومة المالكي ولم يتم تسليم إلا ما نسبته أقل من 13%، مما أثّر على الحياة الاقتصادية ومشاريع البناء والخدمات والكهرباء والماء، حتى وصلت من بداية عام 2016 إلى التلكؤ وتأخير مواعيد تسليم الرواتب التي جعلت الموظف لا يتسلم إلا 8 أو 9 رواتب في السنة؛ ليصل عام 2017 فيتم استقطاع وادخار إجباري وصل إلى 40 أو 50% من أصحاب الرواتب.
هذه باختصار مشكلة الرواتب، أما من سببها فهو موضوع طويل وعريض من الاتهامات المتبادلة بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية، وإذا أرادوا حل الموضوع فإنهم يستطيعون حله بكل بساطة؛ لأن كل الموظفين في الإقليم تم جردهم وتدقيق أسمائهم حسب نظام بارومتري حديث يعتمد على البصمات وبصمة العين والاسم الرباعي واسم الأم والزوجة وفصيلة الدم، وتم إدخال كل المعلومات المثبتة وصور الوثائق الرسمية (هوية الأحوال المدنية والجنسية العراقية وبطاقة السكن وهوية موظفي الدولة)، ولم يبقَ حسب قول البعض إلا أن تطلب الحكومة الاتحادية ولجان تدقيقها فحص دي إن إيه "DNA"؛ للتثبت من شخصية كل الموظفين.
وعود الدكتور حيدر العبادي كثيرة، وفي مختلف المناسبات وسنوات حكمه التي لم تختلف عن سابقه إلا بكثرة الوعود وعدم تنفيذها، وهو ما دفع الكثيرين ومنهم أحد أعضاء مجلس النواب العراقي إلى القول: إن الآليات المتبعة ضمن اللجان المعينة من قبل رئيس الوزراء العبادي لتدقيق أسماء موظفي وزارتَي التربية والصحة بإقليم كردستان معقدة وممتلئة بالروتين، ومعناها أن الرواتب لن تصرف بعد عام أو أكثر، وأن "العبادي وأثناء كل مؤتمر صحفي أسبوعي يتحدث عن حرصه على صرف رواتب موظفي الإقليم، وأنهم جزء من الشعب العراقي، لكن ما نراه على الأرض هو عكس ذلك، وكل ما يطلق من وعود لا تتعدى كونها للاستهلاك الإعلامي فقط".
كما أنه من الضروري النظر بعين الإنصاف والمسؤولية للظرف المعيشي الصعب الذي يعيشه مواطنو الإقليم وإبعادهم عن العقوبات الجماعية، وإطلاق رواتب الموظفين بالتزامن مع عمليات التدقيق وتقليل الروتين واختزال الوقت الذي تتطلبه لجان التدقيق، وتنفيذ ما يردده العبادي في كل تصريحاته من أن الحكومة ماضية بتأمين رواتب موظفي كردستان بصورة واضحة وعادلة؛ لأن هذه الوعود التي يسمعها ويطلع عليها الناس دون فعل أسوأ من الرفض، فالرفض يضعهم بمواجهة الواقع، أما الوعد غير المنفذ فيقتل الأمل والمصداقية والمروءة، وهذا ينطبق على الكثير من المسؤولين في العراق، الذين فقدوا مصداقيتهم أمام الناس لكثرة وعودهم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.