هكذا فشلت السعودية والإمارات في شراء مواقف الدول الإفريقية!

منذ اندلاع الأزمة الخليجية في الخامس من يونيو/حزيران العام الماضي، سعت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات إلى حشد أكبر عدد ممكن من الدول الإفريقية للانضمام إلى معسكرها الذي يضم البحرين ومصر في مواجهة قطر.

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/21 الساعة 07:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/21 الساعة 07:23 بتوقيت غرينتش

منذ اندلاع الأزمة الخليجية في الخامس من يونيو/حزيران العام الماضي، سعت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات إلى حشد أكبر عدد ممكن من الدول الإفريقية للانضمام إلى معسكرها الذي يضم البحرين ومصر في مواجهة قطر.

بداية إغراء الدول الإفريقية من نواكشوط

استخدمت الرياض وأبوظبي وسائل متعددة لأجل الوصول إلى هدفها وهو عزل قطر بدعوى دعمها للإرهاب والتطرف، فقد لعبت على وتر الإغراء بالمساعدات المالية، بالإضافة إلى زيادة الاستثمارات في تلك الدول، وكانت موريتانيا أول مَن استجاب لحملة الضغوط السعودية فقد أعلن بيان لوزارة الخارجية الموريتانية في السادس من يونيو/حزيران قطع العلاقات مع دولة قطر، وبررت بقولها: "سياسة الدوحة في المنطقة ارتبطت بدعم التنظيمات الإرهابية، وترويج الأفكار المتطرفة". (1)

يذكر أن وزير الخارجية الموريتاني ولد أحمد إزيد بيه، كان قد استقبل بمكتبه، قبل أربعة أيام فقط من قطع العلاقات مع الدوحة، عبد الرحمن الكبيسي، سفير دولة قطر لدى موريتانيا. وأكد ولد أحمد خلال اللقاء "أهمية العلاقات القائمة بين موريتانيا وقطر وسُبُل تعزيزها" (2)،الأمر الذي يعكس بجلاء تعرض نواكشوط إلى ضغوطٍ سعودية وإماراتية لأجل إصدار قرار قطع العلاقات مع الدوحة.

وفي غرب إفريقيا أيضاً، تعرّضت السنغال إلى إغراءات دفعتها إلى استدعاء سفيرها لدى قطر للتشاور، لكنّ داكار أعادت سفيرها إلى الدوحة إثر مكالمة أجراها الرئيس السنغالي مكي صال مع أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في أغسطس/آب 2017(3)، وكانت المكالمة كفيلة بإعادة العلاقات إلى نصابها الطبيعي، ما يعد نقطةً تحسب لقطر بوجه مقاطعيها.

بعد عودة السفير السنغالي إلى الدوحة بيومين، اتخذت تشاد قراراً بقطع العلاقات مع دولة قطر (4) في توقيت مشبوه؛ حيث كان الرئيس التشادي زار أبوظبي في منتصف يوليو/تموز 2017 والتقى بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد (5)، ثم كشفت دولة الإمارات عن ثمن القرار التشادي فقد أعلن وزير الدولة سلطان الجابر عن دعم بلاده لإنجامينا بـ150 مليون دولار من خلال صندوق أبوظبي للتنمية. (6)

غير أن تشاد وجهت صفعة قوية للإمارات عندما قررت الثلاثاء 20 فبراير/ شباط 2018 استئناف العلاقات الدبلوماسية مع قطر – بحسب ما نقلت وكالات أنباء ووسائل إعلام مختلفة- الأمر الذي يؤكد نجاح الدبلوماسية القطرية في تفكيك التحالفات الهشة لأبوظبي والرياض.

وكانت جيبوتي خفضت مستوى تمثيلها الدبلوماسي مع قطر وعزت القرار إلى ما سمّته "التضامن مع التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف ومع دول الخليج والدول العربية". (7)

وبعد جيبوتي، أعربت جارتها إريتريا عن تأييدها لقطع دول عربية وإسلامية علاقاتها مع قطر، وذكرت وزارة الإعلام الإريترية – في بيانٍ نقلته شبكة "إيه بي سي نيوز" الإخبارية الأميركية" – أن مبادرة الدول الأربع بقطع العلاقات مع قطر، تعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح وتنطوي على تحقيق كامل للأمن والسلام في المنطقة"، حسب ما نقلت صحيفة اليوم السابع المصرية. (8)

ونلفت إلى أن حكومة إريتريا لم تتخذ قراراً بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر ولا حتى تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي رغم هذا الموقف المتضامن مع محور السعودية – الإمارات، فالسفير الإريتري علي إبراهيم أحمد لا يزال موجوداً في الدوحة ويمارس عمله بشكل طبيعي بل أبدى إعجابه أكثر من مرة بصمود قطر في وجه الحصار! (9) (10) والرجل مندمج بشكل كامل مع المجتمع القطري؛ إذ إنه من أقدم السفراء الموجودين في قطر ويتمتع بعلاقات شخصية وطيدة داخل البلاد.

يأتي ذلك في ظل علاقات وثيقة كانت تربط بين الدوحة من جهة وأسمرة وجيبوتي في الجانب الآخر؛ حيث كان أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة قد نجح في التوسط بين الجارتين وحل الخلاف الحدودي بينهما في يونيو/حزيران من العام 2010. (11)

وقد تواترت الأنباء عن ضغوطٍ عديدة تعرضت لها دول إفريقية للانضمام إلى معسكر حصار قطر؛ إذ طالب السفير السعودي في الخرطوم علي بن حسن جعفر الحكومة السودانية بموقفٍ واضح من الأزمة الخليجية، وهو تصريح قابله السودانيون بسخط شديد، ما دعا السفير إلى الاعتذار والتراجع عن أقواله. (12)

في حين لم يخفِ رئيس الوزراء الإثيوبي "المستقيل" هايلي مريام ديسالين قلقه من استمرار الأزمة الخليجية (13)، صمدت الصومال في وجه الضغوط السعودية والإماراتية، مصرةً كذلك على الحياد وعدم الانحياز لمعسكر الرياض على الرغم من الضغوط التي مارسها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على رئيس الوزراء الصومالي حسن خيري (14).

وتمكن أهمية إثيوبيا والصومال لدول الحصار في أن البلدين سمحا لطائرات الخطوط الجوية القطرية باستخدام مجالهما الجوي، الأمر الذي منح الخطوط القطرية مجالاً للالتفاف على مقاطعة السعودية والإمارات والبحرين إضافة إلى مصر. (15)

محاولات مصرية – سعودية لاستقطاب القادة الأفارقة

خلال جلسات القمة الإفريقية قبل الأخيرة في أديس أبابا "يوليو/تموز 2017″، حاول وزير الخارجية المصري سامح شكري حشد دعم القادة الأفارقة لصالح الدول الأربع ضد قطر؛ إذ اجتمع بعدة رؤساء أفارقة أكدوا له بدورهم أن الأزمة الخليجية شأن يخص دول الخليج وحدها وليس الدول الإفريقية. (16)

وكشفت الصحفية السودانية مها التلب في تقرير لها بصحيفة التيار، حول تفاصيل اجتماعات القمة الإفريقية، أن سامح شكري قطع اجتماعات القمة الإفريقية وغادر عائداً إلى بلاده مغاضباً، بحسب تعبيرها. (17)

لم ينته الأمر هنا، لأن الموقف الأفريقي بصورة عامة وخاصة الدول الكبرى المؤثرة في القارة السمراء، مثل جنوب إفريقيا وإثيوبيا والسودان ونيجيريا، فضلاً عن دول المغرب العربي بقيت كلها على الحياد ولم تنحز إلى رباعي الحصار ضد قطر، خصوصاً أن الأمير تميم بن حمد قام بجولةٍ إفريقية أولى قبل اندلاع الأزمة بنحو شهرين شملت إثيوبيا وكينيا وجنوب إفريقيا.

لذلك، وصل إلى مقر انعقاد قمة أديس أبابا، بشكل متعجل، وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بعد أن فشل شكري في مهمته وتردد حينها أن وزير الخارجية الجزائري عبدالقادر مساهل والوزير الأول عبدالمجيد تبون لعبا دوراً في إحباط محاولات مصر وسعيها لاستصدار قرار إفريقي موحد لصالح الدول الأربع ضد قطر، مشيراً إلى أن إفريقيا لديها ما يكفي من المشاكل ولا مجال للدخول في مشاكل الغير، كما أوردت صحيفة الحوار الجزائرية. (18)

المهم أن وزير الخارجية السعودي حاول هو الآخر الجلوس مع عدد من الزعماء الأفارقة، ومن بينهم رئيس الاتحاد الإفريقي آنذاك ألفا كوندي (رئيس غانا)، ورئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريام ديسالين إلى جانب نائب الرئيس السوداني حسبو محمد عبدالرحمن، غير أن الجبير سمع رداً موحداً من القادة الذين التقاهم فحواه أنهم يدعمون الوساطة الكويتية لحل الأزمة دبلوماسيّاً وهو الموقف الرسمي الذي عبّر عنه رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي في البيان الختامي للقمة. (19)

ما لفت انتباه المراقبين حينها أن الجبير وصل بمعيّته طه عثمان الحسين مدير مكتب الرئيس السوداني السابق الذي أُقيل من منصبه بطريقة غامضة، وكانت المفاجأة أن الحسين وصل أديس أبابا بصفة جديدة هي "مستشار وزير الخارجية السعودي للشؤون الإفريقية". (20)

إذا عُدنا بالذاكرة قليلاً نجد أن طه عثمان صرّح للصحف السودانية مطلع العام الماضي نسب لنفسه ترتيب زيارات لـ20 من قادة إفريقيا للسعودية، من بينهم رئيس إريتريا ورئيس موريتانيا، فضلاً عن رئيس الوزراء الإثيوبي. (21)

ربما بالفعل نجح الرجل المقرّب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في فتح خطوط اتصال بين المملكة وقادة تلك الدول، لكن تضخيمه للأمر وتصويره على أنه نقلة نوعية في مسار العلاقات السعودية – الإفريقية سرعان ما انكشف خلال مشاركته مع الجبير في فعاليات القمة قبل الأخيرة، فقد مُنّي الرجلان بهزيمة واضحة. (22)

وفي محاولة أخيرة لتدارك الأمر، بثّت وسائل الإعلام السعودية بصورة مفاجئة مساء ختام القمة الإفريقية "الرابع من يوليو/تموز 2017" خبراً عاجلاً عن دعوة الملك سلمان بن عبدالعزيز القادة الأفارقة لحضور قمة سعودية – إفريقية. (23)

إذ أوضحت قناة العربية أن القمة السعودية – الإفريقية ستعقد في المملكة نهاية العام الحالي (2017)، أو بداية العام المقبل (2018)، مشيرةً إلى احتضان العاصمة السعودية الرياض، قمة إسلامية أميركية في مايو/أيار الماضي. (24)

إفريقيا تتجاهل دعوة العاهل السعودي

اعتبر الكاتب ثروت قاسم في تقرير نشرته صحيفة رأي اليوم الإلكترونية (25) أن أسباب تعيين طه عثمان مستشاراً في الخارجية السعودية كالآتي:

أن أسباب تعيين طه عثمان مستشاراً في الخارجية السعودية كالآتي:

أولاً: العمل على عقد قمة إفريقية – سعودية في الرياض نهاية 2017 أو مطلع 2018.

ثانياً: العمل على إقناع أكبر عدد من القادة الأفارقة بمقاطعة قطر، وقطع الصلات الدبلوماسية والتجارية معها، أسوة بما فعلته موريتانيا وتشاد.

ثالثاً: العمل على إقناع أكبر عدد من القادة الأفارقة بمقاطعة إيران، وقطع الصلات الدبلوماسية والتجارية معها، أسوة بما فعله السودان وجزر القمر.

لكنّ دعوة العاهل السعودي لم تجد آذاناً مصغية فقد تجاهلها القادة الأفارقة تماماً ولم تُصدِر مفوضية الاتحاد الإفريقي أي تعليق عليها ولا بصورة دبلوماسية، ربما لأن "الدعوة" جاءت في وقتٍ صدر فيه موقف رسمي من القمة الإفريقية بدعم الوساطة الكويتية، وعدم الانحياز لأي طرف من أطراف النزاع، بل تحدثت تسريبات عن انتقاداتٍ مبطنة وُجهت لقادة الدول التي قاطعت قطر باعتبارها اتخذت موقفاً متسرعاً مخالفاً للإجماع الإفريقي ومقررات القمة التي تدعو إلى العمل الإفريقي المشترك والتحرر من التبعية.

وعندما أتى العام الجديد وجد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد قد عزز حضور بلاده في القارة السمراء بجولة أخرى شملت 6 دول في غرب القارة الواعد (26)،بينما قام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بجولة مماثلة شملت الكونغو برازفيل وغينيا الاستوائية. (27)

كما عززت قطر قوتها الناعمة بافتتاح مكتب إقليمي لقناة الجزيرة في عاصمة الاتحاد الإفريقي أديس أبابا، ما يعد ضربة قوية للدول الأربع التي تعتبر الجزيرة أحد أسباب الأزمة مع الدوحة. (28)

بطبيعة الحال لا يمكن التقليل من الوجود السعودي والإماراتي في القارة السمراء، فقد شاركتا إلى جانب قطر في القمة الإفريقية الأخيرة التي استضافتها أديس أبابا أواخر يناير/كانون الثاني الماضي؛ إذ مثّل المملكة مجدداً وزير خارجيتها عادل الجبير، بينما شاركت الإمارات بوفدٍ كبير قادته وزير الدولة للتعاون الدولي ريم الهاشمي. (29)

بينما غاب عن القمة الـ30 وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بعد الهزيمة التي مُني بها في الدورة السابقة؛ حيث كانت إحدى الصحف المحسوبة على المملكة قد ذكرت صراحة أن الجبير دعا القادة الأفارقة في القمة السابقة (يوليو/تموز 2017) لحضور القمة السعودية الإفريقية (التي لم تتم)، وأن المملكة ضمنت وقوف الدول الإفريقية معها ضد قطر. (30)

جدير بالذكر أن دولة قطر كانت حاضرة في القمة بمشاركة وزير الدولة للشؤون الخارجية سلطان المريخي، الذي أجرى لقاءات مع عدد من القادة ووزراء الخارجية في القارة الإفريقية على هامش قمة أديس أبابا. (31)

كما أن السعودية والإمارات ضختا استثمارات هائلة في القارة السمراء، ونشطت الرياض سابقاً في بناء المساجد والمدارس والمستشفيات بمناطق عديدة في إفريقيا، وقدمت كذلك منحاً دراسية للطلبة الأفارقة للدراسة في المملكة، هذا إلى جانب الأعداد الكبيرة للعمالة الإفريقية الموجودة في الإمارات على وجه الخصوص. (32)

لذلك، لن تتخلى الرياض وأبوظبي عن محاولة استمالة دول القارة السمراء، وستحاول استقطاب دول أخرى ضعيفة اقتصادياً بعد أن وجهت السنغال وتشاد ضربة قوية للتحالف الإماراتي – السعودي.

وبالطبع لن تقف قطر ودبلوماسيتها موقف المتفرج بعد الجهد الذي بذلته في خلق نفوذ وحضور قوي في القارة الواعدة، فستعمل بالتأكيد على تعزيز نفوذها هناك عبر الدخول في شراكات اقتصادية للاستفادة من الفرص الهائلة التي تزخر بها إفريقيا، إلى جانب دبلوماسيتها الناعمة وجهودها في إبرام اتفاقيات السلام والمصالحة بين الفرقاء السياسيين، كما فعلت في السودان والسنغال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:

(1) موقع سي إن إن عربية

(2) وكالة الأنباء الموريتانية
(3) الجزيرة نت
(4) المصدر السابق
(5) البيان الإماراتية

(6) الاتحاد الإماراتية
(7) وكالة أنباء الأناضول
(8) اليوم السابع المصرية
(9) الشرق القطرية
(10) المصدر نفسه
(11) الخليج الإماراتية
(12) موقع صوت الهامش السوداني
(13) العربي الجديد
(14) موقع مقديشو أونلاين
(15) المصدر السابق
(16) صحيفة الإخبارية الجزائرية

(17) صحيفة الراكوبة السودانية
(18) الحوار الجزائرية
(19) الجزيرة نت
(20) قناة الحوار
(21) الكاتب السوداني وائل علي

(22) موقع عرب 48
(23) العربية نت
(24) المصدر السابق

(25) راي اليوم الإلكترونية
(26) وكالة سبوتنيك الروسية
(27) سكاي نيوز عربية
(28) الجزيرة نت
(29) صحيفة الإمارات نيوز
(30) صحيفة الرياض بوست
(31) الوطن القطرية
(32) موقع العلاقات الخليجية الأفريقية

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد