كيف ننمّي الوعي والانتماء من وجهة نظر الحكماء؟

التربية العسكرية هي ما يقرب من عشرة أيام أو يزيد، يقضيها أي طالب في الجامعة، وتكون تحت قيادة الجيش، وتتكون من مجموعة من التمرينات والطوابير اليومية إلى جانب المحاضرات العسكرية التي يحاضرها عسكري يجيد القراءة على ما أعتقد، لكنه لا يجيد الفارق بين الـ"ذ" والـ"ز"

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/19 الساعة 02:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/19 الساعة 02:51 بتوقيت غرينتش

الذكريات ليست هي المعاناة في حد ذاتها، وإنما الوقت الذي نقضيه في استرجاع تفاصيلها هو المعاناة أصل المعاناة.

لا أعرف لمَ دائماً أتأفف من إجباري على القيام بالأمور على الرغم من كوني دائماً مرغماً ولا أملك الخيار، فأنا اليوم مثل الحالم داخل واقع يعاقب كل مَن يفكر في الاقتراب من الحلم وليس حتى العمل على تحقيقه، كانت الخامسة فجراً على ما أتذكر، منبهي يعلن عن موعد إجباري جديد داخل حياتي المكبلة بالجبريات، فاليوم هو أول يوم فيما يسمى بالتربية العسكرية.

التربية العسكرية هي ما يقرب من عشرة أيام أو يزيد، يقضيها أي طالب في الجامعة، وتكون تحت قيادة الجيش، وتتكون من مجموعة من التمرينات والطوابير اليومية إلى جانب المحاضرات العسكرية التي يحاضرها عسكري يجيد القراءة على ما أعتقد، لكنه لا يجيد الفارق بين الـ"ذ" والـ"ز"، ولكن لله الأمر من قبل ومن بعد.

الأمر أيها السيد القارئ ليس اختيارياً وإنما أنت مجبر على الحضور والالتزام حتى تحصل على شهادة النجاح في مادة التربية العسكرية التي بدونها لا تستطيع أن تتخرج، على الرغم من أنك لا تحصل على شهادة ورقية وإنما مجرد كتابة اسمك في كشف المجتازين للمادة وشكراً.

ترتدي زياً أشبه برجال الأمن في الشركات، وبالطبع تحصل عليه بالمجان، ومن المعروف أن الشيء المجاني ليس فيه تبديل أو قياس أو أي أمر من هذه الرفاهية المدنية؛ لذا تحصل عليه أياً كان مقاسك، سميناً كنت أو رفيعاً، ومن الأشياء التي تضحكني حتى اليوم هو طالب سمين كان كرشه يتدلى من تحت القميص كأنه يرتدي ملابس أخيه الصغير.

سوف تكتشف من طريقة الحديث مع العسكري المحاضر أو قائد الطابور أنه مجند متطوع في الجيش، تعليمه قد توقف عند الدبلوم الفني أو ما هو أدنى، ولكنه يحفظ جيداً الأناشيد والتحيات والقواعد العسكرية، ولا أعتقد أنه يفهم ما يقول، ولكن لديه حنجرة قوية ولسان طويل، ومجموعة من المساعدين على نفس الشاكلة، ولكن يقصر طولهم ويضعف جسدهم عنه كأنه يأكل طعامهم يومياً مما تسبب لهم في الجفاف، وهم بالطبع يملكون نفس الحنجرة واللسان والقدرات العقلية.

من أغرب الأناشيد التي كنا نقولها نشيد عن تحرير ما هو محرر في الأساس، ولكن لا أعلم هل لديهم شكوك حول هذا التحرير؟ فنقول في هذا النشيد: "اصحوا لينا.. احنا جينا.. هنحرر سينا"، هل سيناء لم تحرر بعد؟ لا أعلم، ولكن أفسر هذا الأمر بأن النشيد متداول من قبل حرب أكتوبر/تشرين الأول ولم تأتِ الأوامر بتجديد الأناشيد منذ ذلك الوقت.

أو قد يكون المقصد هو الإرهاب، وأن سيناء يجب تحريرها من الإرهاب حتى تتم صفقة القرن التي تقترب وتقترب حتى كادت تدخل في أعيننا، ومن الطريف هو عدم المجادلة فيما يُقال من أناشيد، فقد أردت أن أعدل كلمة "هنحرر" إلى كلمة "هنطهر" ولكن هذا لا يجوز، ويجب أن تُحفظ كما هي وتُقال كما هي، حتى وإن كانت خاطئة، فقد أردت أن أعدل تشكيلاً لنشيد نقوله بالفصحى ولكن بأي حق أقول -أنا- هذا الكلام؛ حيث كان العسكري يقول: يا من تريد قتالي، احفر لنفسك قبرٌ، ولا يجوز أبداً أن نرددها "قبراً" حتى لا يتدلى لسانه (العسكري) وينعتنا بالمجودين والمجددين لا سامح الله.

في أول يوم وقف رجل كبير في السن والرتبة يقول: إننا سوف نحصل خلال هذه الدورة على الوعي الصحيح غير المخلوط أو المغلوط كالذي يقدمه الإعلام، ويحاول به أن يضلل الشباب؛ ليقول الرجل بلهجة قوية: "إحنا عارفين طبعاً إن الإعلام شوية كدابين وأفاقين"، ليرد عليه الطلاب: "طبعاً يا فندم"، الغريب هنا أن ملكية جلّ القنوات الآن تصب في مكان واحد معروف للجميع وهو نفسه الذي ينتمي إليه هذا الرجل الناقد، ولكن ما علينا، لنستمتع بالوعي الصحيح ونحن صامتون.

في المحاضرات التي نحصل فيها على الوعي الصحيح يتم التعامل معنا بالقوة والأمر! هل تفهم ماذا أقول؟! حيث إنك تجلس القرفصاء كالكاتب الفرعوني القديم في أرض الملعب تحت أشعة الشمس، مجبراً على الكتابة عنوة وبالأمر؛ حيث إن الدفتر الذي معك سوف يُسلم في نهاية الدورة ولن تسعد كثيراً بالمعلومات القيمة والوعي الصحيح "السحيح".

في هذه المحاضرات لا مجال للسؤال؛ حيث إن الوقت المحدد للأسئلة ضيق، ويكون في نهاية المحاضرة، وهناك أسئلة يتم الرد عليها بـ"مش هرد" مع نظرة حادة، فكيف سوف تسأل بعد هذه المعاملة الرقيقة؟!

هل كذلك سوف ننمي الوعي والانتماء؟!
هل سننمي الانتماء بالأناشيد المحفوظة من أيام النكسة إلى أيام النكسات، سوف ننمي الانتماء عبر النشيد غير المحفوظ من قِبَل أغلب الطلبة، كل يوم نُحيي العلم كي يزيد الانتماء إلى الوطن، ولكن ما أريد أن أعرفه حقاً أين هو العلم؟! فنحن نحيي الهواء يومياً فليس هناك عَلَم أو حتى ساري يُحمل عليه العلم.

أما الوعي أيها السيد فأرجوك لا تتحدث عنه مرة أخرى، فالوعي لا يأتي بالسطوة والقوة والأمر، الوعي قائم على المعرفة، والمعرفة قائمة على فهم جيد للمعلومات المُوثقة للحقائق، كلمة الوعي هذه يجب أن تسبق بكلمة لا مؤاخذة؛ لأنها غير دارجة لدينا، وقد تُفهم على أنها كلمة سافلة؛ لذا لزم التنويه.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد