تلعب الأقدار في حياتنا دوراً هاماً مؤثراً، فنحن نخطط ونحلم وندرس ونمتطي مركب حياتنا، لكن رياح القدر توجهه نحو ما تشاء، لكن في الاتجاه الصحيح، فالله -عز وجل- يملك القصة الكاملة لحياتنا، ويعلم ما ينفعنا وما يضرنا، ومهما بلغ تخطيطنا ورؤيتنا للحياة تبقى قاصرة ومجرد رؤية قصيرة المدى.
في حياتي كلها لم أختر ما أحب فعلاً أو ما يشبهني حقاً، حتى إن القدر أسهم في دفعي لحياة لا تشبهني.
لنبدأ مع الدراسة، أنا أميل للمواد الأدبية كالتاريخ واللغة العربية وعلم النفس، وكنت أحقق العلامة الكاملة بها، بينما كنت أفقد علامات بالمواد العلمية، لكن رفض الفشل والخوف منه جعلاني من المتفوقين، فكان مساري علمياً.
لكن أرى اليوم أن المسار العلمي قد فتح لي آفاقاً جديدة، وأطلعني على كل جديد، وأن المعلومات العلمية تدفعك للسعادة وتبقيك مندهشاً، وتساعد على الاستشهاد، وتفسير الأمور بطرق أسرع وخيارات أفضل؛ لأن الرياضيات لوحدها تنمي لك القدرة على حل المشكلات، والتفكير من أكثر من زاوية.
في الجامعة درست الزراعة، وحقيقة إنه تخصص لا يشبهني، فأنا أخاف من المسؤولية، ورسم مستقبل الآخرين، حتى لو كان مستقبلاً لشجرة، وخصوصاً أن شكلها وترتيبها وأناقتها تعتمد على رعايتي، وأخاف أن أجعلها عوجاء مائلة، فتقضي حياتها مشوهة أو أقتلها بجرعة سماد زائد أو أجري عملية تقليم جائرة، فتقع ضحية لمقص مهندسة زراعية.
لكن كنت محظوظة بأساتذتي في الكلية الذين كانوا مثلاً طيباً في إيصال المعلومة والمعاملة الطيبة لطلبتهم، فتركوا في نفوسنا كل طيب، حتى كل الجامعة كانت تغبطنا عليهم، فتركوا في نفوسنا اليسر والتسهيل، ولو كنت درست في كلية أخرى لفقدت جزءاً إيجابياً من شخصيتي، فكانوا إيجابيين متفائلين، ولا أذكرهم إلا والبسمة تزين محياهم جميعاً.
في العمل كانت رغبتي عند التخرج أن ألتحق بالسلك الدبلوماسي، فلديّ الحماسة الكاملة، ولدي أيضاً ما أقوله بإيجابية عن ديني وأمتي ووطني، انتظرت إعلاناً لم يطرح في تلك الفترة، في هذه الأثناء حصلت على وظيفة مديرة مدرسة.
وبالرغم من أنني إنسانة انطوائية وأميل للعزلة ولا أحب المسؤولية ولا الظهور ولا التحدث أصبحت فجأة مسؤولة عن فريق من المعلمات والعاملين في المدرسة والطلبة وأولياء الأمور وعليّ أن أتعامل مع الجميع وأتحدث وأرسم الخطط وأرتب المحاضرات والأنشطة وأتحدث لأولياء الأمور، ويتحدث الطلبة لي كل يوم، وكل هذا أفعله وأنا ما زلت أرجح كفة العزلة والانطواء.
حكمة الله وضعتني في ظروف أرفضها وأخاف منها؛ لأكتشف أنني قادر عليها، وأننا نبني أصنام الخوف ليهدمها الله لنا بقدره الحكيم، ويخبرنا أننا قادرون، وأن لا شيء صعب، وإنما تخيلاتنا من ترهقنا خوفاً.
تعلمت مما أخاف أكثر مما تعلمت مما أحب، في عملي تعلمت أن أسعد الناس وأغير في حياتهم، وأن أبقى في حالة تعلم وتجدد، وعندما درسني دكاترة متعاونون كنت رحيمة بطلبتي، ليس مهماً تخصصي بقدر التجربة الإنسانية من حياتي الجامعية على الرغم من أن الزراعة تعلمك الرعاية والتخطيط وهي مهنة الأنبياء، وأن النمو دلالة حياة؛ لذلك كلما نموت كإنسان فكرياً وعاطفياً وإنسانياً كنت حياً ترزق.
الأقدار دوماً تختار لنا الأفضل، ما تقدر عليه نفوسنا، فالله يستخرج ما فينا من قوة وطاقة ويوجهه بالاتجاه الصحيح.
لا تحزن إن كان واقعك مختلفاً عن حلمك، ففيه خير كبير، وتجربة غنية تهديك ما فيها من خير وقوة تجربة لم تتوقعها، لكن تحدث فيك شيئاً جميلاً مميزاً، وأن تعطي لحياتك معنى، وكلما صادفك الخوف من طريق جديد، حاول به لعله فرصة العمر، ولا تحاصر نفسك بإطار ضيق، جرب طرقاً أخرى غير التي أنت فيها، وفي كل مرة تهاجمك المخاوف واجهها، وكن نداً لها، فأنت تستطيع.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.