حرب سدود تركيا على جفاف الرافدين

هي أزمة لها شكل جديد، وأسبابها كارثية كانت تلوح في الأفق منذ عدة سنوات، لكن بسبب صمت المسؤولين والحكومة والشعب أدى بنا الحال إلى ما نحن أمامه اليوم!

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/17 الساعة 02:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/17 الساعة 02:25 بتوقيت غرينتش

هل ننتهي من حرب الدماء لنبدأ حرب المياه؟

على ما يبدو فإننا مقبلون على أزمة مياه أغلبية الشعب العراقي لا يزال غير معترف بوجودها سوى المختصين بهذا الشأن.

هي أزمة لها شكل جديد، وأسبابها كارثية كانت تلوح في الأفق منذ عدة سنوات، لكن بسبب صمت المسؤولين والحكومة والشعب أدى بنا الحال إلى ما نحن أمامه اليوم!

هل اعتدنا ألا ننهض من سباتنا إلا بعد أن "يقع الفأس بالرأس"؟!

السلطات العراقية والجهات المعنية على مدى السنوات السابقة لم تعِر الموضوع الأهمية والقيمة اللازمة التي يستحقها لرؤية الأبعاد والنتائج التي من المحتمل حصولها جراء عدم متابعة المختصين ومراقبتهم واتخاذ اللازم بهذا الشأن.

لا سيما أن العراق خلال سنوات طوال لم يشهد إنشاء مشروع أو سد يعول عليه، وإجمالي السدود في العراق هي:
– سدة الهندية على نهر الفرات شُيد عام 1913م لتنظيم توزيع مياه النهر.
– سدة الكوت على نهر دجلة عام 1939م لتنظيم توزيع مياه النهر.
– سد ديالى على نهر ديالى عام 1928م.

أما المشاريع الكبرى التي قام العراق بإنشائها هي:
– سد دوكان على نهر الزاب الصغير عام 1959م.
– سد دربندخان على نهر ديالى عام 1956م.

بينما كانت لدول الجوار مشاريع وخطط مستقبلية يتم تنفيذها وما زال العمل عليها مستمراً.

ويبدو أن العراق هو المتضرر الأكبر من الإجراءات الإيرانية والتركية التي باتت تشكل خطراً كبيراً، في حين تتمسك تركيا بما تعتبره "حقها السيادي" في بناء السدود.

ولبيان أهم المشاريع والإجراءات للدول الثلاث التي لها تأثير مباشر على العراق وأمنه المائي:

– تركيا ومشروع إقامة السدود:
ما يطلق عليه اسم مشروع "غاب" الذي يهدف إلى تطوير وتنمية مناطق جنوب وشرق البلاد، ويتضمن بناء 22 سداً على نهري دجلة والفرات اللذين يمتدان عبر سوريا والعراق وإيران، وتقول هذه البلدان: إنها سوف تتضرر بشكل كبير من هذا المشروع، بينما يسهم المشروع في زيادة المساحات الصالحة للزراعة في تركيا إلى جانب رفع الطاقة الكهربائية التي تولدها السدود.

ستستهلك هذه السدود نحو 40 بالمائة من مياه دجلة.

ولملء هذه الخزانات بالمياه تحتاج تركيا أن تقطع المياه المتدفقة في مجرى نهر الفرات أيضاً، فأخذت بتقليل الحصة المائية المنسابة من أراضيها الى كل من سوريا والعراق، فأدى ذلك إلى انخفاض منسوب المياه إلى حد كبير، مما خلف أضراراً كبيرة طالت الأراضي الزراعية بسبب تراجع نسب المياه الواصلة إليها في حوض النهر، المنتشرة في المدن جنوبي العراق، وتلك الواصلة إلى الأهوار، ولا سيما أن العراق يعاني من التصحر والجفاف وانحسار نسب الأمطار والمصادر الأخرى للمياه على أراضيه.

إن مُضي تركيا بتشييد هذه المشاريع من دون التشاور والاتفاق مع العراق والأخذ بعين الاعتبار التأثيرات السلبية التي تخلفها مثل هذهِ السدود على شريان الحياة في بلاد الرافدين سيمثل كارثة كبيرة بالنسبة للعراق.

– سوريا وحصتها من مياه العراق:
وبالإضافة لكل ما تقوم به تركيا، فإن سوريا تأخذ حصتها كاملة من مياه نهر الفرات، وتترك الباقي يدخل إلى الأراضي العراقية.

– تأثير الجانب الإيراني:
لإيران دور كبير في تحديد منسوب المياه الداخلة إلى العراق، من خلال تحكمها بمياه الكارون الذي يصب في شط العرب، ولمياهه تأثير كبير في تحديد منسوب المياه الداخلة إلى أعماق بساتين النخيل؛ حيث قامت في سنوات ماضية بقطع المياه عن قضاء بدرة ومندلي وديالى.

وفي العام الماضي قطعت إيران بشكل مفاجئ مياه "نهر الزاب الصغير" الذي يغذي مناطق في الإقليم الكردي شمالي العراق، وقال وزير الزراعة والموارد المائية بالإقليم الكردي في العراق: إن "قطع المياه بشكل مفاجئ أثّر بشكل سلبي على قرابة 80 ألف شخص"، معتبراً أن "إيران تحاول إظهار تأثيرها على المنطقة من خلال استخدام المياه كأداة ضغط".

هذه المؤشرات تؤكد إهمال العراق اهتمامه بهذا الجانب منذ عدة عقود، على الرغم من تغير الأنظمة والحكومات، إلا أن الحال بات اليوم أسوأ من ذي قبل، بسبب الحروب والنكبات المتوالية التي مر بها البلد منذ سنوات، وانشغاله في توفير سبل العيش والأمن لأبنائه والتغاضي الكبير من قِبل الجهات ذات العلاقة في الحكومة العراقية على الرغم من طرح الموضوع من قِبَل وزارة الموارد المائية، إلا أنه لم يأخذ الاهتمام الكافي من قبل الجهات التي من واجبها متابعة شؤون البلاد الخارجية، والتي تعتبر ذات أهمية كبيرة مع دول الجوار، بينما تغتنم هذهِ الدول كافة الفرص لصالحها ولتأمين ما تحتاجه شعوبها، وما يضمن لها حقها السيادي على حد قولها.

السلطات العراقية المسؤولة اليوم بحاجة لوضع برامج واضحة قريبة وبعيدة الأجل لمعالجة الكوارث التي تلوح في الأفق.

خصوصاً بعدما تم الإعلان عن توقف جريان نهر دجلة في قضاء مدينة المجر الكبير بمحافظة ميسان جنوبي العراق، وتم التحذير من كارثة تهدد حياة المواطنين.

نحن اليوم نحتاج لمشاريع إرواء وخزن وبذل وإدخال وسائل المكننة الزراعية واتباع طرق حديثة في الإرواء للحفاظ على الأمن الغذائي؛ لكي لا يكون المزارع أمام خيار النزوح وترك أراضيه، وهذا ما حصل ويحصل في نسب متزايدة حيث لا خيار ثانٍ أمامه.

متى تستطيع الحكومة العراقية أن تستخدم أدوات الضغط التي لديها لتفهم الدول المجاورة أن مصالحها مع العراق مرتبطة أولاً باحترمها لحقوق العراق على كافة الأصعدة.

العراق يستورد من تركيا ما يعادل عشرين مليار دولار سنوياً، ومن إيران ما يعادل عشرة مليارات دولار.

وهذه تعتبر ورقة ضغط بيد العراق بهذا الصدد لكي تحترم هذه الدول المعاهدات والاتفاقات والقوانين الدولية بهذا الخصوص.

وفي ذات السياق، قامت تركيا بتوقيع العديد من المعاهدات بخصوص الأنهار والمياه التي تربطها مع الدول، ومن ضمنها معاهدة مع روسيا عام 1927، ومعاهدة مع اليونان عام 1950 لتقاسم الأنهار، بينما الوضع مختلف مع الجانب العراقي حتى اليوم، فتركيا لا ترغب بتوقيع اتفاقيات مع العراق وسوريا على حد سواء، فيما يتعلق بتقاسم الأنهار.

اقتصر الأمر على توقيع معاهدات ترسيم الحدود والحد من إقامة السدود، وكذلك الاجتماعات الإقليمية قررت الرفض القاطع لأي فكرة لإنشاء سوقٍ للمياه، سيما أن القانون الدولي للأنهار الدولية لم يجِز بيع دولة المنبع للمياه لدولٍ تقع أسفل النهر أو حوضه، وهذا يعود لعدة أسباب من أهمها أن تركيا تعتبر أن الأنهار التي تربطها مع سوريا والعراق هي أنهار وطنية، بينما الأنهار التي تربطها مع روسيا واليونان هي أنهار دولية.

"هم يبيعون النفط لنا، ونحن سنبيع الماء لهم" هذا ما قاله توركت أوزال، رئيس وزراء تركيا عام 1988م، عندما طالب العراق بحصة عادلة من الماء.

الموضوع ليس وليد اليوم والبارحة، الموضوع وليد عدة عقود، إذا كان وضع المياه في العراق في الفترة المقبلة خطراً لهذا الحد، هل سيكون أولى العقبات التي ستواجه الحكومة العراقية المنتخبة القادمة مثلما كانت أولى عقبات الحكومة العراقية عقب انتخابات عام 2014م هي مواجهة تنظيم داعش، الذي كان مسيطراً على كبرى مدن العراق؟!

هل سيقوم الناخب العراقي بالإدلاء بصوته لمرشح لا يوجد ضمن جدوله الانتخابي أي شيء يذكر بخصوص أزمة المياه القادمة في العراق؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد