يستنفر الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأميركية أدواتهما المختلفة في محاولة إقناع المجتمع الدولي بأن وكالة "الأونروا" باتت تمثل "المشكلة" والعقبة الكأداء أمام عربة التسوية الفاشلة والمتعثرة أصلاً، وبالتالي لا بد من إغلاق هذه الوكالة، وقد بدأ هذا التوجه يأخذ منحى تصاعدياً مع وصول ترامب إلى سدة الحكم في أميركا منذ مطلع العام 2017، والحديث عن "صفقة العصر" وبلغ ذروته وترسيمه بالاسم والمحتوى حين عادت نائبة وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي تسيبي خوتوفيل من زيارتها لواشنطن في سبتمبر/أيلول 2017 على رأس وفد إسرائيلي من وزارة الخارجية "رفيع المستوى" والتقت هناك بالسيناتور الأميركي تيد كروز، المسؤول عن هذا الملف، كما نقلت الصحافة العبرية.
تقضي الخطة التي باتت معالمها شديدة الوضوح بالعمل على "شيطنة" الوكالة الأممية، واستخدام مصطلح "المشكلة" في سياق أي حديث عن "الأونروا"، ويبدو أن التوجه قد وصل إلى باحثين وكتّاب أعمدة ومراكز دراسات وأبحاث وصحافة وإعلام وسياسيين ومنظمات غير حكومية إسرائيلية، وبمشاركة "كتاب" عرب، بإستخدام كافة المعلومات التي تقود إلى محاولة إقناع القارئ والمتابع بمضامين الكلمة "السحرية"، أي بأن وكالة "الأونروا" هي "المشكلة"، وهذا ما بات ظاهراً لكل متابع ومهتم.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، في 18/1/2018 كتب السفير السابق للكيان الإسرائيلي في الأمم المتحدة ورئيس معهد أبا إيبان للدبلوماسية الدولية في مركز هرتسيليا رون بروسو مقالاً في صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية، بعنوان "الأونروا عقبة أمام السلام"، ويكفي العنوان ليدلل على المضمون، وكذلك كتبت الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي للكيان الإسرائيلي يسرائيلا أورون مقالاً في صحيفة "مباط عال" العبرية في 5/2/2018 تشير فيه إلى ضرورة توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان طالما أن عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في سجلات وكالة
"الأونروا" في لبنان وغيرها من مناطق عمليات "الأونروا" غير صحيح، وأن العدد الفعلي في لبنان هو 174 ألف لاجئ فقط.
وفي 5/1/2018 دعا وزير داخلية الكيان الإسرائيلي جلعاد إرادان إلى "تفكيك وكالة الأونروا بأسرع وقت ممكن"؛ لأنها "تديم مشكلة اللاجئين بدلاً من حلها والتي تساعد الإرهاب بجميع الطرق".
وفي مقاله في 10/1/2018 كتب عبد الله الهدلق بأن "وكالة الأونروا عنصرية لا تستحق التمويل"، وبأن "قراراتها خاضعة لمنهج الإرهاب والإقصاء والعنصرية وعدم مراعاة حقوق الشعوب الأخرى".
ولتكامل الخطة الإسرائيلية الأميركية الإعلامية والسياسية مع الحراك الدبلوماسي، عقدت خوتوفيل لقاء خاصاً جمعها مع سفراء الكيان الإسرائيلي في الدول في 21/1/2018 حسب الصحافة الإسرائيلية، وشرحت لهم الخطة واستراتيجية الدبلوماسية الإسرائيلية خلال العام 2018 والتي سترتكز على "نقل السفارة الأميركية إلى القدس"، وبأن "عهد وكالة الأونروا قد انتهى إلى الأبد"، وأعطتهم الضوء الأخضر للتحرك أولاً تجاه الدول المانحة للأونروا، ومحاولة إقناع تلك الدول بأن حل وكالة
"الأونروا" بات ضرورياً وأساسياً لتمهيد الطريق للوصول إلى السلام في المنطقة وإلى الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية، وبأن الوكالة باتت أحياناً داعمةً للإرهاب، وحيناً آخر تدعو إلى قتل اليهود، وأخرى تدعو إلى زوال "إسرائيل"، وبأنها توظف كوادر من حركتيْ حماس والجهاد الإسلامي، وأن مُنشآتها تُستخدم أماكن لتخزين الأسلحة وغيرها من الفبركات..
لكن الحقيقة هي غير ذلك كلياً؛ إذ إن وكالة "الأونروا" واستمرار وجودها وتقديم خدماتها هو الحل الأمثل، بمعنى أن وجودها يحافظ على الحقوق السياسية للاجئين الفلسطينيين بالعودة والتي أقرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للعام 1948، الفقرة الثانية من المادة 13، وسيقدم الحل الإنساني لإنقاذ حوالي 6 ملايين لاجئ فلسطيني بتقديم خدمات الصحة والتعليم والإغاثة وتحسين البنى التحتية في المخيمات والحماية الإنسانية، وكذلك سيساهم في عدم التصعيد الأمني في المنطقة العربية التي هي أصلاً ساخنة، فتوقيف عمل الوكالة سيساهم في المزيد من الإحباط لدى اللاجئين بأن المجتمع الدولي قد تآمر على قضيتهم مجدداً بعد تجربة العام 1947 التي لا يزال يستحضرها كل لاجئ فلسطيني حين اعترف المجتمع الدولي بوجود الكيان الإسرائيلي في فلسطين وفق قرار التقسيم رقم 181، وشرد ثلثي الشعب الفلسطيني ليتحولو إلى ملايين اللاجئين هم وذريتهم من بعدهم، وبالتالي لا يمكن السكوت عن ذلك، وأن هذا البركان سينفجر عاجلاً أم آجلاً، وسيؤثر ليس فقط على اللاجئين أنفسهم بل على المنطقة والعالم.
وعلى قاعدة أن الرطل يجب أن يقابله رطلان؛ محاولة تشويه عمل الوكالة يجب أن يقابله حملة مضادة تثبت أهمية استمرار عمل "الأونروا" وإبراز أن ما يتم تسويقه من قبل الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأميركية وأدواتهما هو المشكلة وليس الحل لذلك المطلوب:
أولاً: دور للوكالة نفسها ليس فقط من باب الدفاع عن النفس بل الملاحقة القانونية ورفع دعاوى قضائية "قدح وذم وتشهير".
ثانياً: الإيعاز للسفارات الفلسطينية في العالم بالقيام بخطوات استباقية وقطع الطريق أمام الادعاءات والفبركات، والتواصل مع الأطر الرسمية العربية والإسلامية والعالمية والدول المانحة، وصولاً إلى الجمعية العامة المسؤولة الأولى عن "الأونروا"، وإحباط الخطة الأميركية – الصهيونية في حجب الأموال عنها.
ثالثاً: أن يوضع ملف "الأونروا" على رأس أولويات المتابعة في جامعة الدول العربية وإفراز المساحة التي تستحق في البحث والنقاش في القمة العربية المرتقبة والتي ستعقد في الرياض في مارس/آذار المقبل.
رابعاً: أن يكون هناك حراك نوعي لمؤسسات المجتمع الأهلي في المخيمات والتجمعات والعالم وزيارة سفارات الدول المعنية.
خامساً: أن تبقى هذه القضية حاضرة وبشكل دائم من قبل الفصائل الفلسطينية بكافة توجهاتها السياسية.
سادساً: حراك خاص للدول المضيفة للاجئين المعنية مباشرة أمام أي متغيرات تحصل للأونروا، لا سيما على مستوى التوطين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.