نحن العرب بدون استثناء

موقف العرب الحالي هو نفس موقفهم عند سقوط قرطبة وبغداد ودمشق؛ إذ لم تتغير الطريقة التي يواجه بها العرب سقوط مدنهم؛ لذا ليس علينا -أيها السادة- أن نطالب العرب بموقف تجاه الأزمة الحالية وتجاه ما سيحدث في المستقبل.

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/14 الساعة 01:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/14 الساعة 01:24 بتوقيت غرينتش

"لن يحرّك سقوط القدس العرب" هكذا قالت صحيفة الجيروزاليم بوست الإسرائيلية في مقال لها أوائل ديسمبر/كانون الأول من العام المنصرم.

لم تكن تلك نبوءة الصحيفة ولا نبوءة كاتب المقال، بل كانت تلك الحقيقة. الحقيقة التي أصبحت راسخة لدى الإدارة الإسرائيلية وحلفائها بعد أكثر من سبعين عاماً على الصراع العربي – الإسرائيلي. الأحداث وردود الأفعال التي تلت المقال أكدت تلك الحقيقة بعد فشل العرب في إسقاط قرار الولايات المتحدة حتى بعد صدور قرار أممي رافض لقرار الإدارة الأميركية. قرار الأمم المتحدة الأخير لن يغيّر شيئاً على أرض الواقع فليست تلك هي المرة الأولى التي تصدر فيها الأمم المتحدة قراراً بخصوص الصراع العربي – الإسرائيلي.

242، 252، 253، 271، 465، 476، 478، 672، 1073، 1322، 1397، 2334 وغيرها من قرارات الجمعية العامة ومنظمة اليونسكو مجرد أرقام؛ إذ لم تلتزم الإدارة الإسرائيلية بأي منها ولم يدخل أي منها حيز التنفيذ؛ لذلك فهي مجرد أرقام وإن كانت تسمى في الأعراف الدولية قرارات أممية.

يعتبر البعض صدور قرار أممي يُدين قرار الإدارة الأميركية انتصاراً على عجرفة تلك الإدارة وصفعة لها، في حين لا يتعدى الأمر إضافة رقم جديد لسلسة أرقام الأمم المتحدة.

لا أريد أن أبدو متشائماً إلا أن كاتب المقال استند آنَ كتابته إلى معرفته الجيدة بالعرب بعد أكثر من سبعين عاماً من الصراع، ولذلك أطلق استنتاجه المبكر لردود الفعل العربية على القرار الأميركي.

إذا كنت تعتقد أيها القارئ أنني مفرط في التشاؤم، وأنني أروّج لرأي الكاتب فبإمكانك التوقف هنا عن قراءة المقال.

كلنا يتطلع لإجابة السؤال نفسه: ما الذي سيحدث؟

لن يُحرّك سقوط القدس العرب…
سنصرخ كعادتنا وسنكتب كعادتنا وسنطالب المجتمع الدولي باستنكار قرار الولايات المتحدة، لا قرار ترامب لوحده كما تقول الصحف.

هذه المرة الأمر مختلف، فقد اعتدنا أن يستنكر العرب "كل العرب"، وأن يصرخ العرب "كل العرب" كردّ على ما يحدث في فلسطين.

هذه المرة نجد العرب بين مندّد وصامت مصفّق فقد فقدنا حتى الاستنكار الجماعي إذ انقسم العرب المنقسمون مرة أخرى.

لمَ لا نعترف أيها السادة بصوت عالٍ بأننا لن نفعل شيئاً للقدس؟!

سقوط القدس هو امتداد لسقوط بغداد والقاهرة ودمشق وغيرها من العواصم العربية، وقد يرى البعض أن تلك العواصم قد سقطت بعد سقوط القدس.

الحقيقة أن العواصم التي سقطت وتسقط وستسقط سببها سقوطنا نحن العرب.

نحن العرب "بدون استثناء" متورطون فيما يحدث، فليست هذه هي المرة الأولى التي نقتل فيها مدينة جميلة وليست هذه هي المرة الأولى التي نبيع فيها سيوفنا لنشتري الطبول والأبواق ونبيع فيها خيولنا لنشتري سيارات الفيراري.

لمَ علينا نحن العرب أن ننحاز لسفاح ثانٍ عندما نذبح على يد الأول؟ لم علينا نحن العرب أن ننحاز إلى أقطاب الصراع العالمي لنضمن بقاءنا؟ لمَ علينا أن نختار ذلاً من بين ذلين؟

نحن العرب "بدون استثناء"… أقول: "بدون استثناء" لكي نتوقف عن حفلة تبادل التهم والتخوين، ولنعترف بأننا متورطون جميعاً فيما يحدث.

نحن جميعاً شركاء في الحزن، أسماؤنا جميعا مدوّنة "بدون استثناء" في قوائم السفاحين وإذا كان بعضنا لا يزال على قيد الحياة، فذلك لأن دوره لم يأتِ بعد. لا وجود لقائمتين! ثمة قائمة واحدة وأسماء كل العرب "بدون استثناء" مدوّنة فيها.

أيها السادة.. لا تطالبوا العرب باتخاذ موقف تجاه ما يحدث في القدس.

موقف العرب الحالي هو نفس موقفهم عند سقوط قرطبة وبغداد ودمشق؛ إذ لم تتغير الطريقة التي يواجه بها العرب سقوط مدنهم؛ لذا ليس علينا -أيها السادة- أن نطالب العرب بموقف تجاه الأزمة الحالية وتجاه ما سيحدث في المستقبل.

لا أدري أي لعنة في اقتران العرب بسقوط المدن وكونهم منذورين للحزن والبكاء، ربما لأننا -نحن العرب- أهل الحزن وسكان المدن الحزينة.

إذا كان لا بد لنا أن نصرخ هذه المرة فلنقل "لا"، لا.. ولا شيء آخر.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد