حملَ العام 2018، حتى تاريخه، تحدّيات جمّة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ويبدو أن الأمور ستزداد صعوبة بالنسبة إليه في الأسابيع المقبلة، على مشارف الانتخابات الرئاسية في آذار/مارس.
التحدّي الأول الذي يواجهه السيسي هو حصوله على تفويض مجدداً كي ينطلق في ولاية رئاسية ثانية من أربع سنوات، وسط تعاظم التحدّيات الخارجية وظهور بوادر تحديات داخلية أيضاً. وحتى لو تمكّنَ من النجاح في ذلك الاختبار، فإنّ المشاكل الاقتصادية والمتعلقة بمسألتَي الإرهاب والماء، تشي بأن المسار الذي ينتظره لن يكون سلساً على الإطلاق. وفي هذا السياق، يبدو أن الهدف من الحملة الراهنة ضد التمرد الإرهابي في سيناء ومناطق أخرى، والتي تُحاط بحملة دعائية واسعة، هو تغيير السردية الراهنة في مصر (وربما خارجها) ونقلها من التركيز على انتكاسات السيسي وإخفاقاته إلى إبراز وتلميع جهوده المقدامة.
الوصف الوحيد الذي ينطبق على الاستعدادات للانتخابات الرئاسية، حتى الآن، هو الإخفاق الذريع. لابد من أن السيسي وقع تحت تأثير الصدمة، لأنه في غضون أسابيع قليلة، أعلن ما لايقل عن خمسة مرشحين مهمين عن رغبتهم في خوض الانتخابات. وكان المنافِسان الأكثر جدّية رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق، ورئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية السابق سامي عنان، وليس السبب فقط أن كلاً منهما اعتُبِر أنه يمتلك، في الحد الأدنى، مؤهلاتٍ بقدر السيسي لتولّي الرئاسة، إنما أُشيع أيضاً أنهما يتمتعان ببعض الدعم في أوساط قاعدة السيسي في الأجهزة العسكرية والاستخبارية.
بيد أن مرشّحين آخرين شكّلوا أيضاً تهديداً للسيسي، في نواحٍ أقل ارتباطاً بالمعطيات الانتخابية، إنما ذات طابع سياسي. من هؤلاء النائب السابق محمد أنور السادات، حفيد الرئيس المصري الراحل الذي يحمل الاسم نفسه، وهو معروف بأنه ينطق بالحقيقة كما أنه يمتلك مؤهلات جيدة؛ والمحامي خالد علي الذي يرفع لواء حقوق الإنسان ويحظى بدعم قوي في أوساط الشباب؛ وحتى العقيد الشاب المغمور إنما الذي يعبّر عن رأيه بصراحة، أحمد قنصوة. لقد أسفر الترهيب والاعتقال عن إقصاء شفيق وعنان من المنافسة، في حين أُبعِد قنصوة السيئ الحظ عن طريق ملاحقته قضائياً. وانسحب السادات وعلي عندما بات واضحاً أنه حتى هدفهما المتواضع الرامي إلى بث الحياة من جديد في النقاش السياسي سيصطدم بمقاومة شديدة، وهما قد يتعرضان إلى الملاحقة القضائية على خلفية الدعوة التي وجّهاها لمقاطعة الانتخابات التي يبدو أنها ستكون غير عادلة بطريقة فاضحة.
وهكذا كان على السيسي أن يستعين بأداة صدئة جداً من أدوات النظام، كي يترشّح ضده ويُضفي على العملية الانتخابية واجهة من الشرعية. إنه موسى مصطفى موسى الذي أحضره النظام لتجنّب خوض الانتخابات بمرشّح واحد، ففي هذه الحالة، سيكون على السيسي، بموجب القانون، أن يفوز بدعم خمسة في المئة من الناخبين، أو نحو ثلاثة ملايين صوت. موسى هو الشخص نفسه الذي استخدمه نظام مبارك من أجل إحداث شرخ في حزب الغد الذي أسّسه أيمن نور، النائب الشاب المشاكس الذي ترشّح ضد حسني مبارك الذي كان رئيساً للبلاد آنذاك، في أول انتخابات رئاسية تنافسية تشهدها مصر في العام 2005. موسى بعيدٌ تماماً عن أن يكون منافساً جدّياً للسيسي. فهو لايمتلك عملياً أي قاعدة سياسية كما أنه بادر – وهذا هو مصدر الحرج الأكبر – إلى التعبير بحماسة عن تأييده لإعادة انتخاب السيسي قبل استدعائه في اللحظة الأخيرة ليؤدّي دور المرشح الخصم في السباق الرئاسي.
المشكلة التي يواجهها السيسي الآن هي إيجاد إخراج لائق يُظهر من خلاله، بطريقة قابلة للتصديق، أنه حصد دعماً شعبياً واسعاً في يوم الانتخابات – عن طريق التقاط المصوّرين الصحافيين صوراً لأرتال من الناخبين يصطفون أمام مراكز الاقتراع، والحديث عن نسبة اقتراع تُضاهي، أو لاتقلّ كثيراً عن نسبة الـ47 في المئة التي سُجِّلت في العام 2014، والتي تُرجِمت بنحو 26 مليون صوت. قبل أربعة أعوام، تحقّقَ ذلك عن طريق بذل جهود استثنائية، على الرغم من أن السيسي كان، كما أُفيد، أكثر شعبية إلى حد كبير مما هو عليه الآن. وفي حال حدوث تراجع شديد في الأصوات التي تصبّ لمصلحة السيسي، فسوف يفضح ذلك تناقص الدعم الشعبي له. كان قلقه واضحاً من خلال الخطوة الصاعِقة التي تمثّلت في إحالة السياسيين المعارِضين الذين دعوا إلى مقاطعة الانتخابات، إلى المحاكمة بتهمة "التحريض على قلب نظام الحكم".
وإذا ما أخذنا التاريخ الحديث كمرجع إرشادي، سيكون في إمكاننا توقع أن يجري إقناع الناخبين بالإقبال على الاقتراع من خلال استخدام مزيج من المحفّزات، مثل المساعدات الغذائية، والمثبّطات، كالتهديدات بفرض غرامة قدرها 500 جنيه مصري على الأشخاص الذين يمتنعون عن التصويت. من المحتمل أن يتم التلاعب بنسبة الاقتراع، لأنه لن تكون هناك مراقبة داخلية صارمة. بيد أن قرار السيسي عدم إنشاء حزب سياسي للحلول مكان الحزب الديمقراطي الوطني الذي كان قائماً قبل العام 2011 وجرى حلّه لاحقاً – والقرار ناجمٌ على مايبدو عن ازدرائه للسياسة المدنية – يجعل من عملية تعبئة الناخبين مهمة شاقّة وغير متقَنة في أفضل الأحوال.
في حين تتجه الانتخابات نحو أن تكون مهزلة، يَشي ماحدث في الأسابيع القليلة الماضية بأنه ربما تّتسع دائرة المعارضة للسيسي. لكن ظهور خمسة منافسين – ثمة اختلافٌ بالطبع بين مؤهّلاتهم والدعم الشعبي لهم، إنما جميعهم جدّيون وصادقون في معارضتهم – بهذه السرعة، حتى في الأجواء السياسية القمعية السائدة في مصر، يكفي للاستنتاج بأن كثراً غير راضين عن حكم السيسي. وقد جاءت التصريحات العلنية الغاضبة والمتشنّجة التي أدلى بها السيسي محذِّراً من التحدّيات السياسية، أمام مجموعة من أنصاره، وبينهم ضباط عسكريون كبار، لتُعزّز الانطباع بأنه يشعر بالضغط من داخل النظام وخارجه.
إذا افترضنا أن السيسي تمكّن من اجتياز المغامرة الانتخابية، واستهلّ ولاية جديدة في مطلع نيسان/أبريل، ستنتظره صعوبات كثيرة. إذ أنه لم يتمكّن من تحقيق البحبوحة والأمان عملاً بالوعود التي قطعها، ولاتلوح أي مؤشرات في الأفق بأنه سينجح في ذلك. وتتسبّب إجراءات التقشّف التي تساهم في إبقاء الحكومة واقفةً على قدمَيها، في مشقّات شديدة للطبقة الوسطى والمصريين الفقراء، ولاتزال البلاد تشهد، حتى الآن، ارتفاعاً في معدلات البطالة والتضخّم. لم يلقَ الخلاف على مياه النيل مع أثيوبيا والسودان طريقه إلى الحل، وبرز مؤخراً إلى الواجهة بكونه يشكّل تهديداً يتربّص بالأمن القومي. علاوةً على ذلك، يواجه السيسي تعقيدات متزايدة تعترض جهوده الآيلة إلى إرساء توازن بين مختلف رعاته الخارجيين والجهات التي تزوّده بالأسلحة – السعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا وكوريا الشمالية. وفي مايتعلق بالتمرد الإرهابي، ليس واضحاً بعد ما إذا كانت الحملة الراهنة ستنجح في منع وقوع مزيد من الهجمات الكبرى قبل الانتخابات الرئاسية. إنما يُستبعَد أن تضع حداً نهائياً للتمرد، وفق الوعود التي قُطِعت.
هل سيَحدث تغيير سياسي في مصر في العام 2018؟ لاتزال كفّة الميزان تميل عكس اتجاه التغيير، حتى ولو لم تكن درجة الميلان بالقوة نفسها مقارنةً بالأعوام الأخيرة. لكن عبد الفتاح السيسي كان واضحاً بأنه في حال هبّت رياح التغيير، فهي لن تهبّ عبر صناديق الاقتراع.
– تم نشر هذه التدوينة في موقع كارنيغي للشرق الأوسط
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.