يأبى السيسي إلا أن تكون دموية

ولقد يستسيغ العقل أن يطيح نظام السيسي بأحمد شفيق، الذي أزعم أنه ما عاد من الإمارات جاداً ليخوض معركة حامية الوطيس مع غريمه السيسي"، ولكن جاء وفي طويته صفقة مفادها "اخرج من المضمار، تعد إلى بيتك ويسكت عنك القضاء"، فالرجل بحق ملوثة يداه بقضايا فساد واختلاس، حينما كان رئيساً لشركة "مصر للطيران".

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/07 الساعة 04:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/07 الساعة 04:21 بتوقيت غرينتش

كنت بصدد كتابة كلمة عنونتها "ماذا لو فاز عنان؟"، إثر إعلان اللواء "سامي عنان"، رئيس أركان حرب الجيش، عن نية ترشحه لانتخابات الرئاسة، وجال بخاطري أنه ربما أراد الله أن يكون "التغيير" الحتمي بمصر سلمياً متدرجاً، يكون الرجل هو إحدى حلقاته.

فلما داهمنا خبر القبض على الرجل، اتهاماً له بالتزوير والتحريض ضد المؤسسة العسكرية، وجدت من الأنسب أن أغيّر مسار قلمي فجعلت عنوانها المذكور بعاليه.

جدير بالملاحظة أن كلا الرجلين من طينة واحدة، فكلاهما من صلصال المؤسسة العسكرية، ولكن لا يمنع أن بينهما بوناً -لا أقول شاسعاً- ولكن بقدر.

فـ"عنان" يبزّ غريمه بشيء من الحنكة والخبرة السياسية، وشيء من التروي في أخذ القرار، ناهيك عن أن الرجل يقدم نفسه، بعدما رأى بعيني رأسه ما آلت إليه الأمور من تردّ وانحدار على جميع الأصعدة: الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، جراء سياسة النظام القائم بقيادة "عبد الفتاح السيسي"، وما أظن أن الرجل -لو كان قدر له أن يخوض السباق الرئاسي- ليسير على نفس ما سار عليه "السيسي"، وإلا لكان هذا ضرباً من الجنون وهو يقدم نفسه "بديلاً" ينقذ البلاد من هذا الحضيض الذي وصلت إليه.

فالمجال العام مسدود، والأفق السياسي مخنوق، أما الاقتصاد فهو الأسوأ منذ أن تولى الجيش الحكم في عام 1952 بزعامة الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" إلى يومنا هذا، فهبط الجنيه المصري أمام الدولار إلى حضيض لم يبلغه من قبل، وأحرق لهيب الأسعار أكباد الفقراء.

أما حقوق الإنسان فغيبت خلف القضبان، وأخبار من يموتون صبراً في أقسام الشرطة صارت من المسلمات اليومية، فلا أظن أن سيكون من هو أسوأ من "السيسي".

ما جال يوماً بخاطري قط أنني أعطي صوتي لـ"عنان"، ولكن ما إن تنامى إلى مسامعي أن الرجل عقد العزم على الترشح للانتخابات الرئاسية، حتى تهللت أساريري.

ولقد يستسيغ العقل أن يطيح نظام السيسي بأحمد شفيق، الذي أزعم أنه ما عاد من الإمارات جاداً ليخوض معركة حامية الوطيس مع غريمه السيسي"، ولكن جاء وفي طويته صفقة مفادها "اخرج من المضمار، تعد إلى بيتك ويسكت عنك القضاء"، فالرجل بحق ملوثة يداه بقضايا فساد واختلاس، حينما كان رئيساً لشركة "مصر للطيران".

ومن قبله ضابط الجيش العقيد "أحمد قنصوة" الذي زج به القضاء العسكري لمدة 6 سنوات لمجرد أن أعلن الرجل عن رغبته في الترشح، على الرغم من قيامه بجميع الإجراءات القانونية المطلوبة، بما في ذلك تقديم استقالته من الخدمة العسكرية التي رفضت نكايةً بالرجل وتعنتاً؛ حتى لا يتمكن من خوض السباق الرئاسي، ثم أعلن مؤخراً المحامي "خالد علي" عن انسحابه من المضمار يأساً، وقد رأى من هو أشد منه بأساً، وأكثر ثقلاً، يخطف ولا يعرف له مكان حتى كتابة هذه السطور، وفي انتظار محاكمة تزج به خلف القضبان.

أما وقد فعل "السيسي" ذلك بـ"عنان"، لمؤشر صادع أن الرجل إزاء معركة لا هوادة، ولا رجعة فيها، فلا غرو- ووجهه يحمل كل أمارات الخوف والضغينة- أن صرح بنفسه: لن أسمح لأحد بالاقتراب من هذا الكرسي.

وقد تعجب أن نظام السيسي ربما يكون في ورطة أشار إليها الكاتب "محمود سلطان" بجريدة "المصريون"، ذلك أن الرجل الآن في حاجة إلى مرشح "كومبارس" يضفي شرعية على هذه الانتخابات المحسومة سلفاً، بل أدهى من ذلك وأمرّ أن يتطوع حزب "الوفد" المعارض ليوفر هذا المرشح الدمية حتى لا تخرج مصر أمام العالم، من هذه الانتخابات الهزلية، بصورة غير مشرفة! فيعلن د. ياسر الهضيبي، قيادي بالحزب، من خلال برنامج "هنا القاهرة" أن الهيئة العليا للحزب بصدد اختيار مرشح ليخوض السباق لإنقاذ سمعة مصر!

ولك أن تتخيل أن "السيسي" قد هزم في انتخابات نزيهة، أتراه يترجل إلى بيته آمناً؟! كلا وألف كلا! فلن يتركه كل أولئك الموتورين من أبناء هذا الشعب المطحون، ولا أولئك الموتورون من الحقوقيين والنشطاء الذين زج بهم في السجون وانتهكت أعراضهم وآدميتهم، ولن يتركه المطحونون فقراً وعوزاً، ولن يتركه أولئك الفارّون خارج البلاد.

فليس ثمة سبيل سلمي للخروج من هذا النفق المظلم، إلا بانفجار عارم تسيل فيه الدماء، وتزهق فيه أرواح بريئة، فلا ريب أن سيقاتل الرجل حتى الرمق الأخير.

وكأننا أمام "مكبث شكسبير" الذي تلوثت يداه بدماء بريئة، ولا سبيل أمامه سوى المضي قدماً، فيخوض في بحر من دماء كل من يعترض طريقه.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد