هل فشل مؤتمر سوتشي؟

لم يجرؤ النظام على إفشال سوتشي الذي رعاه الرئيس فلاديمير بوتين قبل انتخابات الرئاسة في 18 مارس/آذار المقبل رغم تخفيض مستوى تمثيله الدبلوماسي، لكنه لم ينجح في إخفاء غضبه من نتائج المؤتمر

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/05 الساعة 01:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/05 الساعة 01:14 بتوقيت غرينتش

على أصداء العملية العسكرية التركية في منطقة عفرين شمال غرب سوريا، ورغم مقاطعة الحلف "الخماسي" (واشنطن ولندن وباريس والرياض وعمان) لفعاليات "كرنفال" سوتشي الذي استمر ليوم واحد، أصرت موسكو على المضي قدماً في إجراء المؤتمر غير عابئة بمن حضر أو غاب.

لم تغير مشاركة النظام بوفد من نحو 1200 شخص ولا مقاطعة "الهيئة العليا للمفاوضات" المعارضة لمؤتمر "الحوار الوطني السوري" في سوتشي من نتائج المؤتمر، فالتفاوض الفعلي كان يجري في غرف وممرات جانبية بغياب السوريين؛ إذ إن الدول "الضامنة" الثلاث: روسيا وإيران وتركيا، اتفقت مع الأمم المتحدة على صيغة البيان الختامي، وعلى أن تقوم كل دولة بترشيح 50 عضواً إلى اللجنة الدستورية على أن يباركها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، الأمر الذي هو أشبه بـ"محاصصة ثلاثية" للدستور السوري المستقبلي.

لم يجرؤ النظام على إفشال سوتشي الذي رعاه الرئيس فلاديمير بوتين قبل انتخابات الرئاسة في 18 مارس/آذار المقبل رغم تخفيض مستوى تمثيله الدبلوماسي، لكنه لم ينجح في إخفاء غضبه من نتائج المؤتمر، وكان أحد التجليات أن جميع وسائل الإعلام الرسمية وموالين لدمشق نشروا البيان الختامي من دون مقدمته وخلاصته السياسية وحرفوا الوثيقة الرسمية المتفق عليها بيان الضامنين الثلاثة.

واقع الحال يشير إلى أن نتائج "سوتشي" قبل بدء المؤتمر ذلك أن مفاوضات ماراثونية جرت بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش نهاية الأسبوع الماضي، بعد قرار هيئة المفاوضات المعارضة مقاطعة المؤتمر، إذ إن الأمم المتحدة ربطت مشاركتها بسلسلة من الشروط، بينها أن يقتصر المؤتمر على جلسة واحدة من دون تشكل لجان مؤسساتية وتكرار سيناريو مسلسل اجتماعات أستانا، وأن يقرر المبعوث الدولي مرجعية وأسماء وآليات عملية اللجنة الدستورية واختيار أعضائها من قائمة تقدمها الدول الضامنة الثلاث، إضافة إلى إقرار المبادئ السياسية الـ12 التي كان أعدها دي ميستورا، ورفض رئيس وفد الحكومة بشار الجعفري البحث فيها في الجولتين السابقتين من مفاوضات جنيف.

لم تؤثر "عملياً" الاعتراضات والمطالبات من أعضاء الوفد القادمين من دمشق، ومقاطعة ممثلي الفصائل المسلحة وعودتهم من مطار سوتشي إلى أنقرة على نتائج المؤتمر؛ إذ إن الوفد التركي تكلف الحديث باسم المعارضة، فيما تحدثت طهران وموسكو باسم دمشق.

وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) ووكالة (سانا) التابعة لنظام الأسد نشرتا البيان الختامي لسوتشي وفق تفسيرهما، فخلا البيان من المقدمة والخلاصة التي تتحدث عن آلية تشكيل اللجنة الدستورية.

وأفادت "سانا" بأنه "تم الاتفاق على أن تكون النسبة في لجنة مناقشة الدستور الحالي ثلثين تدعمهم الحكومة، وثلث للأطراف الأخرى، لمناقشة الدستور الحالي؛ حيث تتكون اللجنة من 150 عضواً هم مندوبون لمؤتمر الحوار الوطني السوري – السوري، ويتم اختيار الرئيس ونائبه وأمين السر من تكوين اللجنة".

وبحسب تفسير "سانا"، يتخذ أعضاء اللجنة "القرار بالأغلبية حول ضرورة المساعدة من خلال الخبراء بطريقة تقديم المشاورات إلى أعضاء اللجنة".

كما لوحظ تعديل "سانا" في البيان الختامي؛ حيث إن البيان "شدد على أهمية المحافظة على الجيش والقوات المسلحة، وأن يقوم بواجبه وفقاً للدستور بما في ذلك حماية الحدود الوطنية والشعب من التهديدات الخارجية ومكافحة الإرهاب؛ حماية للمواطنين، حيثما يتطلب ذلك، وأن تركز المؤسسات الأمنية والاستخباراتية على الحفاظ على الأمن الوطني وتعمل وفقاً للقانون"، علماً أن وثيقة المؤتمر الرسمية لـ"سوتشي" نصت على "بناء جيش قوي يقوم على الكفاءة ويمارس واجباته وفق الدستور"، وأن تعمل "أجهزة الاستخبارات والأمن القومي لحماية أمن البلاد وفق مبادئ سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان، بحسب نصوص الدستور والقانون، ويجب أن يكون استخدام القوة مقتصراً على تفويض من مؤسسات الدولة ذات الصلة".

غضب النظام المكتوم من نتائج المؤتمر الذي سعى مسؤولون فيه إلى وضع "خطوط حمراء" وإفشاله قبل سفر المشاركين من العاصمة السورية إلى المنتجع الروسي، قابله صمت إيراني ونشر مجتزئ للبيان الختامي. وقال مسؤول غربي: إن طهران "فاجأت الحاضرين بقبول البيان في سوتشي"، قبل أن يشير إلى نشر وسائل إعلام إيرانية تفسير دمشق للبيان.

في المقابل، أعربت أنقرة عن الارتياح لنتائج المؤتمر عبر اتصال الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان. كما أن الخارجية التركية أصدرت بياناً بنتائجه و"الطريقة البناءة". وقال مسؤول تركي: "أهم نتائج المؤتمر الدعوة إلى إنشاء لجنة دستورية واختيار مجموعة تتألف من 150 مرشحاً لهذه اللجنة؛ إذ قدم الوفد التركي الذي منح تفويضاً بتمثيل جماعات المعارضة التي لم تحضر المؤتمر، قائمة تضم 50 مرشحاً بالتشاور مع المعارضة".

ومن المقرر أن يشكل دي ميستورا لجنة دستورية "تبحث عن التمثيل النسبي للمعارضة"، وأنقرة "سترصد عن كثب عملية إنشاء اللجنة الدستورية كضامن للمعارضة".

تترقب دول غربية عدة شاركت كـ"مراقب" المرحلة المقبلة ومدى وفاء موسكو بنتائج المؤتمر، وممارسة نفوذها على دمشق وطهران اللتين تريدان شراء الوقت إلى ما بعد انتخابات بوتين في 18 مارس/آذار؛ كي تقدم موسكو رسمياً قائمة الـ150 مرشحاً إلى دي ميستورا، ويبدأ عملياً في اختيار 45 – 50 عضواً للجنة من قائمة الضامنين وخبراء وسياسيين من خارجها.

وإذا كان مؤتمر سوتشي قد فشل عملياً ومن الناحية التنظيمية في جمع شمل ممثلي المعارضة والنظام، واكتفى بصورة ديكورية لرموز محسوبة على المعارضة من منصات موسكو والقاهرة، فإن النتيجة التي خرج بها دي ميستورا "مزهواً" بعد انتهاء فعاليات المؤتمر، تؤكد أن ضامني أستانا مصرون على مواجهة من يعترضهم لإيجاد حل سياسي في سوريا، من قبل الدول الغربية، وعلى رأسها واشنطن، وربما من السوريين (نظاماً ومعارضة) أيضاً!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد