قبل شهور قال لهم السيسي: "انتو مين"؟! وبالأمس القريب وخلال افتتاحه حقل ظهر قال:"مش هسمح لحد يلعب في أمن مصر".. جمل وعبارات تضاف إلى قاموس طويل من الألغاز، التي يرددها الجنرال في لقاءاته ومؤتمراته، لا يخاطب بعباراته مهدداً المواطنين، فهم مسلوبو الإرادة، ولا حول لهم ولا قوة، ولا يعني بها أحزاب المعارضة، فلا وجود لحياة حزبية بالأساس في المحروسة، وكافة هذه الكيانات تمارس السياسة منزوعة الدسم، تم ترويضها جميعاً؛ لتكون مؤيدة على الدوام، ملكية هي أكثر من الملك.
"أمن مصر تمنه حياتي أنا.. أنا والجيش".. جملة أخرى من كلمات طبيب الفلاسفة فسرها إعلامي المخابرات الحربية أحمد موسى بأنها موجهة إلى المتآمرين على الدولة ممن ينتسبون لمؤسسات أمنية، أما عمرو أديب المقرب من المخابرات العامة فرآها رسالة إلى معارضة الداخل التي تطاول على الرئيس، والذي من حقه أيضاً أن يرد بهذا الأسلوب طالما هم أيضاً احرار في التعبير، على حد زعمه.
لكن الجملة التي اعتبرت بداية حلقة جديدة من التصفية داخل أروقة النظام هي تلك التي قال فيها بأنه لن يتراجع، وإن تطلب الأمر "تفويضاً جديداً"، والطريقة مهروسة، حشد عدة آلاف بالأمر المباشر؛ ليكونوا بمثابة ورقة موقعة على بياض لتمثيل مساندة شعبية مفقودة تسوغ له مزيداً من إجراءات التصفية والانتقام من الخصوم، وإن تعدت صلاحياته الدستورية كرئيس للسلطة التنفيذية.
لعل الإجراءات تمنع تكرار ما حدث قبل 7 سنوات – لا مجال لثورات هنا ولا حتى تظاهرات – محطة التصفية وصلت كوبري القبة، لقادة جهاز المخابرات العامة، والمفترض أنهم أصحاب حصانة تمنحها لهم طبيعة وظائفهم، لكن السيسي لا يلقي لذلك بالاً، وسيفعل كل شيء لضمان بقائه على كرسيه، وقد جعل حياته قرينة لمصر وجيشها، وكأنهم ثلاثة في واحد "كوفي ميكس".
عودة عباس
مصادر حكومية أخبرت صحيفة "العربي الجديد" أن عباس كامل يقود عملية "إعادة هيكلة واسعة وعاجلة" في جهاز المخابرات العامة. فهو يمكث بمقر الجهاز على مدار اليوم، ويعقد اجتماعات على مدار الساعة مع كافة الإدارات، ويشاركه في ذلك فريقه من قيادات جديدة انتقلت من المخابرات الحربية، على رأسهم المقدم محمود السيسي، الذي انتقل إلى المخابرات العامة قادماً من الحربية عام 2013، وتم تصعيده بصورة لافتة في عهد مدير الجهاز الأسبق محمد فريد التهامي، الذي اختاره السيسي لقيادة الجهاز بعد الإطاحة بحكم جماعة "الإخوان المسلمين".
نحو 40 ضابطاً بجهاز المخابرات بمختلف الإدارات سيتم استصدار قرارات بعزلهم خلال أيام، بسبب شكوك حول مدى ولائهم للنظام، وتواصلهم مع الفريق عنان ورئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق، وكذلك شخصيات معارضة أخرى، بالإضافة إلى ادعاء تلقيهم توجيهات من إدارة الجهاز، بالتنسيق مع بعض الإعلاميين لتوصيل رسائل خاطئة تخرج عن الإطار المتفق عليه والتعليمات الصادرة من مكتب السيسي بواسطة ضباط في المخابرات الحربية.
الهيكلة لا تكفي
وفقاً لمصادر مطلعة لن يكتفي السيسي بإعادة الهيكلة لجهاز المخابرات بل سيفرض قيوداً على المكاسب المالية والفئوية التي حققها ضباطه على مدار سنوات طويلة كانوا يتمتعون فيها بمزايا استثنائية، خاصة في عهد مبارك.
صدرت التعليمات فعلياً لرئيس هيئة الرقابة الإدارية محمد عرفان بسرعة إجراء تحقيقات في وقائع تضخم ثروة وغسل أموال واستغلال أراضٍ تشمل نحو 30 من وكلاء الجهاز الأقدم والأكثر حظوة في عهود سابقة، وذلك بهدف إحكام الرقابة على الجهاز وفرض قيود على العاملين به.
لم تكن هذه هي المرة الأولى لمثل هذه الإجراءات، كان السيسي قد أصدر في عهد مدير المخابرات المعزول خالد فوزي، 18 قراراً جمهورياً بإحالة أكثر من 200 ضابط وموظف كبير للمعاش أو للعمل الإداري في جهات أخرى، من بينهم مسؤولون عن ملفات الحركات الإسلامية وجماعة "الإخوان" والتواصل مع حركة "حماس" والشؤون السودانية والإثيوبية، في إطار "تطهير" الجهاز من أتباع مديره الأسبق عمر سليمان، والمشكوك في ولائهم للسيسي شخصياً.
ولن تقتصر هذه الإجراءات على الضباط، بل ستشمل أيضاً الموظفين الكتابيين والفنيين، بحجة تسلل العشرات من المنتمين فكرياً للتيارات الإسلامية للعمل بالجهاز في عهود سابقة، فضلاً عن وجود شبهات استغلال نفوذ حول عدد قليل من الموظفين، بحسب التحريات الأولية للرقابة الإدارية.
السؤال هنا: هل يستجيب جهاز المخابرات المصرية للسياسات العباسية – نسبة لعباس كامل- ويستسلم لتقليم الأظافر وإعطاء معظم ملفاته لرجال المخابرات الحربية وتعظيم دورها على حساب دوره؟ ومن الجانب الآخر هل يأمن السيسي على نفسه بعد إطاحته بهذا العدد من قيادات الجهاز من أصحاب الملفات الحساسة داخلياً وخارجياً؟ لا شك أن الإجابة النموذجية ستحملها الأيام الباقية من عمر السيسي في حكم مصر، التي لن يترك عرشها إلا عندما يتحقق حلمه بلقاء السادات.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.