في هذه المقالة، نرصد الموقف من القضايا الإقليمية العربية في ضوء المصلحة العربية العليا والموقف الإسرائيلي، وهي شهادتي على هذه المرحلة.
أولاً: التطورات في مصر
انزعجت إسرائيل من ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بينما ابتهجت لحركة 30 يونيو/حزيران 2013، وقد انضمت إلى إسرائيل في هذا الموقف من يناير ويونيو السعودية والإمارات.
مصلحة مصر العليا كانت تقضي بعدم إهدار أول انتخابات رئاسية حرة في تاريخ مصر بخلاف ثورة الشعب ضد مبارك، الذي زوّر الانتخابات فانتهت شرعيتة باستمرار التزوير ثلاثين عاماً، والإعداد للتوريث والتباهي بالتزوير وإفساد الحياة السياسية واحتكارها بالحزب الوطني الحاضن للفساد والعمود الفقري للاستبداد. فلا مقارنة بين يناير ويونيو.
المعيار الثاني للتمييز بين يناير ويونيو، هو موقف الشرطة في الحالتين؛ تصدت الشرطة ليناير، بينما أشرفت وشجعت يونيو. أما الجيش فقد شجع الاثنين، في يناير للخلاص من مبارك ولو بانتخابات حرة، رغم تحفُّظنا على دخول الجيش والإخوان في المسرح السياسي في تلك المرحلة.
أما إدخال الجيش في 3 يوليو، فلا علاقة له باجتماع نظام مبارك وثوار يناير في حركة يونيو على حكم الإخوان. كانت النتيجة توريط مصر في حكم عسكري وتأميم الحياة المدنية والسياسية وتدهور مصر في الداخل والخارج، بالاضافة إلى الهجوم على يناير ومحاولة تأسيس شرعية للحكم العسكري على حركة يونيو، التي تبرأ معظم أعضائها من أيلولة السلطة الي الحكم العسكرى.
مصلحة مصر كانت تقضي بأنه حتى لو تدخّل الجيش بأي ذريعة فما كان يجب أن يترشح السيسي بذرائع مختلفة؛ بل كان يجب أن يظل وزيراً للدفاع ولدية كل أدوات السلطة ثم يرعى تجربة ديمقراطية مدنية جديدة، وهي الفرصة التي فوّتها كما فوّتها جمال عبد الناصر، ولا عبرة بأي ذريعة لعودة الحكم العسكري المباشر الذي آذنت ثورة يناير بزواله، وكان يتعين تغليب مصلحة مصر ومسارها الديمقراطي على أية حسابات فئوية أو شخصية.
كما أن تدخُّل السعودية والإمارات في حركة يونيو وحركة الجيش في 3 يوليو والمجاهرة بذلك، قد أخفيا أدواراً أخرى سوف تنكشف في مذابح رابعة وغيرها من المذابح التي لم تشهد مصر لها مثيلاً في إراقة الدماء. فقد هدد رئيس تحرير جريدة "الشرق الأوسط" السعودية قطر بأن يكرر معها مذبحة رابعة، مما يكشف عن دور سعودي في المجزرة.
أما تسليم الجزر المصرية لصالح إسرائيل وضد مصالح مصر وشعبها وقضائها، فإنه إهدار كامل لوجود الدولة المصرية لصالح دول أجنبية بما ينطوي عليه من انتهاك الدستور المصري، الذي لم يكن له أي مبرر، خاصةً ذريعة أن دستور 2012 هو دستور إخواني، وهذا ملف أخر طويل سيتخذ التاريخ منه موقفا في المستقبل.
وقد انقلبت الحقائق في مصر وسط اخفاقات متعاقبة من جانب السلطة وتدهور أوضاع الشعب وحياته، فصار من يتمسك بـ"تيران وصنافير" هو الخائن ومن يفرط فيها صار وطنياً. على كل حال، تقييم تطورات مصر منذ 25 يناير/كانون الثاني 2011 حتى الآن لم يحِن وقته ما دامت السلطة نفسها قائمة.
ثانياً: تطورات المشهد السوري
في سوريا، هناك طرف حكومي تسانده إيران وروسيا وحزب الله مقابل جماعات مسلحة مدعومة من تركيا والسعودية وإسرائيل. وهدف هذين الطرفين متناقض؛ الأول يحافظ على وحدة سوريا تحت حكم النظام مع امتيازات لحلفائه الذين لهم مصلحة استراتجية في ذلك، أما الثاني فالهدف متنوع: السعودية هدفها تأديب الحكومة السورية وإثبات أن نفوذها يصل إلى حد عزل الرئيس السوري، أما تركيا فهدفها إقليمي ودعم التيارات الإسلامية المسلحة؛ طمعاً في قيادة هذه الفرق، وردع الأكراد عن الانضمام إلى أكراد تركيا في دولة مستقلة، أما إسرائيل فهدفها تفتيت سوريا والقضاء عليها كقوة إقليمية معارضة وخاضنة للمقاومة وللنفوذ الإيراني، تمهيداً للهيمنة على فلسطين والمنطقة.
أما المصلحة السورية العليا، فتقضي برحيل كل القوى عن سوريا والمحافظة على الشعب والوطن السوري، واستئناف دور سوريا في مقاومة إسرائيل. فاذا كانت مصالح روسيا وإيران وحزب الله وتركيا واضحة، فليس هناك مصلحة واضحة وطنية للسعودية في سوريا بهذه التكلفة العالمية المالية سعودياً والمالية والبشرية والوطنية والباهظة في الجانب السوري.
ولذلك، لا تستبعد مع الاتجاهات السعودية-الإسرائيلية الجديدة أن يتشكل القرار السعودي من أكثر من عامل، وضمنه التقارب من إسرائيل ضد المقاومة، وهو ما تكشّف في الصراع السعودي-القطري حول حماس.
أخطأت التيارات الإسلامية بالاصطفاف مع إسرائيل في سوريا، مما مكن المشروع الصهيوني من قضية القدس والأقصى، ولو أنفقت السعودية الأموال التي أنفقتها في سوريا للحصول على الهيمنة السياسية بالمال على سوريا، لكان لها ما أرادت ولأوقفت الدمار والمآسي والتدخل الأجنبي في سوريا ولخدمت العروبة والإسلام.
كما أن تدخُّل السعودية دفع بالمسلمين والإسلام وبحكم مواجهة الأعداء إلى أن يرفعوا راية الإرهاب الاسلامي، في محرقة للشباب المسلم الذي استخدمته واشنطن والسعودية في ساحات أخرى ضد الاتحاد السوفييتي وروسيا فيما بعد.
ولا شك في أن تدخُّل السعودية كان من أهم أسباب تدخّل إيران، فلا معنى لحجة السعودية بأنها تحارب إيران بسوريا، وفي ميزان المصلحة العربية العليا إيران هي التي تحافظ على سوريا وتدافع عن فلسطين وتدعم المقاومة التي تعاديها السعودية العربية المسلمة مقر الأماكن المقدسة والتي دفعت منظمة التعاون الإسلامي إلى وصف حماس بالإرهاب؛ خدمةً لإسرائيل، فسقطت شرعية هذه المنظمة، التي قامت أصلاً لاسترداد الأقصى ودعم نضال الفلسطينيين ثم تحولت لخدمة إسرائيل.
ثالثاً: المشهد اليمني
ثم تدمير اليمن بأموال وجهود سعودية وإمارتية وإسرائيلية وأميركية بذريعة دعم الشرعية الوهمية، الممثلة في عبد ربه منصور هادي الذي نُصّب في إطار المبادرة الخليجية الهادفة إلى القضاء على ثورة اليمن، وتعمل السعودية والإمارات على تمزيق اليمن ومحوه من الخريطة.
هذا الدور السعودي يقضي على موقع اليمن الاستراتيجي لصالح إسرائيل، ولوكانت السعودية تنافس إيران حقاً في اليمن، لكانت الأموال التي أنفقتها في تدمير اليمن كافية لبناء اليمن وازدهاره وتبعيته للسعودية. وكما كانت السعودية تزعم أنها تدعم الشرعية الوهمية في اليمن فلماذا حاربت الشرعية في مصر وسوريا!
المصلحة العربية تقضي برفع اليد السعودية وما يسمى التحالف العربي المعتدي، عن اليمن وترك اليمنيين يقررون مصيرهم ويحددون تحالفاتهم مع إيران أو غيرها، بدلاً من استباحة اليمن أيضاً بحجة مقاومة القاعدة، فقد حل الناس هذه اللعبة المكشوفة.
إن المصلحة العربية تقضي بالمحافظة على اليمن وباب المندب ضمن القوة العربية الشاملة ضد إسرائيل، وليس تدمير اليمن وتقسيمه لصالح إسرائيل، ووقوعه بعد ذلك في يد إيران.
رابعاً: المشهد العراقي
تعقَّد المشهد العراقي بفضل إسرائيل والسعودية، والنتيجة هي الصراع السنّي-الشيعي وهيمنة المكون الشيعي وإيران، وتصفيات عراقية، ودخول السعودية بحجة دعم السنّة واستنقاذ العراق من إيران، وهي المسؤول الأساسي عن دمار العراق ومغامراته؛ حتى تقضي على العراق كقوة إقليمية طمحت إلى خلافة مصر بعد 1967؛ ولذلك لا بد من بحث دور السعودية التفصيلي فيما آل اليه العراق، خاصة تقسيمه وتسليط داعش عليه، ووقوعه جزءاً من الأمن القومي الإيراني وضعف عروبته، وكانت السعودية هي المسؤولة أيضاً مع إسرائيل عن المسألة الكردية أمام صدام حسين.
المصلحة العربية تقضي برفع السعودية يدها عن العراق ووقف حربها لإيران في العراق، وتعزيز وحدته الإقليمية وإبعاد الأتراك طالما قد نشأت نظم ديمقراطية.
خامساً: المشهد الإيراني
المشكلة الإقليمية بدأت في لبنان، الذي دفع أثماناً باهظة لصراع مع إسرائيل أكبر من حجمه، خاصة بعد أن ساعد العرب على غزو إسرائيل لبيروت 1982، في مؤامرة على المقاومة الفلسطينية بعد المبادرة السعودية للسلام 1981، فدخلت إيران بحزب الله لتحرير لبنان والتحالف مع المقاومة الفلسطينية، فصار حزب الله هو القوة العسكرية ما دام الجيش ضعيفاً ثم صار طرفاً في المقاومة الإقليمية التي فرضتها إسرائيل والسعودية، ثم فتحت جبهة سوريا من جانب السعودية وإسرائيل لاستدراج حزب الله وإيران؛ فتعقد الموقف في سوريا ودعم الجناح السعودي-الصهيوني المتماهي مع الثورات المضادة.
المصلحة العربية تقضي بعودة لبنان إلى أهله دون تدخّل إيراني أو سعودي، وحمايته من إسرائيل بقوة عربية، مع ملاحظة أن المصالحة الإيرانية-السعودية ستحمي مشكلة لبنان وتجنبه الفتنه الطائفية والكيد السعودي-الإسرائيلي لايران في ربوعه، وتمزيق صفوف المسلمين السنّة والشيعة في المنطقة كلها.
فالسعودية هي المسؤولة عن تحويل الشيعة في المنطقة إلى قوة سياسية قِبلتها إيران، ولن يتم تفكيك هذه الوحدة إلا بنزع فتيل الصراع السعودي-الإيراني وتوقّف السعودية عن العمل مع المشروع الأميركي-الصهيوني وانتهاج موقف عربي إسلامي إيجابي، رغم الشك في إمكانية ذلك بعد كل الشواهد المؤلمة في المسيرة السعودية.
سادساً: المشهد الليبي
المأساة الليبية هي أيضاً من الثمار المُرّة لاستبداد الحاكم وإهدار الدولة، حتى إذا ما كشف الغطاء وُجدت جماعات، كل يدّعي حقه في الوطن ويحتكمون إلى السلاح؛ بسبب التدخل الأوربي والعربي، فلو كان الجسد العربي سليماً لحل محل الحاكم المستبد وقاد أبناء ليبيا إلى نهاية سعيدة، ولكن هذا الجسد أرهقته الديكتاتورية ففاقد الشيء لا يعطيه.
فالمأساة الليبية وتصارع أبناء ليبيا انتصار لمشروعات إقليمية وأوروبية في بيئة هشة خُلطت الأوراق فيها.
يترتب على هذا الوضع دخول كل سوءات الوضع العربي إلى ليبيا دون مناعة، حيث كان النظام هو عمود الخيمة؛ مما يؤدي إلى تقسيم ليبيا وضياع ثرواتها وإضراب أهلها وهيمنة الأقوي عسكرياً على مقدرتها، فضاعت الثورة وضاع معها أي أمل في مجرد البقاء، وهو من صنع الهيئة العربية للثورات المضادة. هذا الوضع مثالي بالنسبة للسعودية والإمارات ومصر وإاسرائيل، وهم أعضاء هذه الهيئة.
المصلحة العربية تقضي بتماسك مصر واستضافة أطراف الأزمة بجدية ونزاهة، وحماية ليبيا من مغامرات العرب ومؤامراتهم.
سابعاً: المشهد الفلسطيني
الاتجاه العام إلى تحقيق أهداف المشروع الصهيوني وشطب الحق الفلسطيني في إطار صفقة القرن، من خلال عدة إجراءات: إقرار يهودية الدولة وما يترتب عليه من التوسع في الاستيطان وضم القدس وإلغاء حقوق الفلسطنيين كافة وطردهم من فلسطين، ثم القضاء على القوة العربية وتوجيهها ضد فلسطين دعماً للمشروع وما يترتب على ذلك من ضرب المقاومة بشقيها اللبناني والفلسطيني، واعتراف السعودية والخليج بإسرائيل، واستغلال سيناء في التسوية. هذا التوجه يساعد على إنشاء إسرائيل الكبرى والفناء العربي.
المصلحة العربية تقضي بدعم مصر وتحريرها من العوائق؛ لتكون قلب العرب، ودعم المقاومة، وكف يد إيران، والتفاف العرب جميعاً حول دعم العروبة والإسلام، وتعزيز الحكم الديمقراطي الضمانة الوحيدة لسلامة الدول العربية من التفتيت والاختراق الخارجي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.