ثلاثة أيام كاملة وهذا التعبير لم يفارقني "أيها المواطن المختطَف في الوطن المختطَف"، هذا التعبير الذي أطلقه الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية، في أثناء الورشة الأسبوعية التي ينظمها المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية الذي يُديره أستاذ آخر للعلوم السياسية هو الدكتور عصام عبد الشافي، ويُنبت مجموعة من الباحثين، دون شك سيكون لهم دور هام في تقديم الرؤى والأفكار والمقترحات لرسم ملامح مصر بعد زوال الانقلاب.
كان موعد الورشة الأخيرة، بعد دقائق من بث خطاب السيسي الأخير، ولَيْته يكون كذلك فعلاً. هذا الخطاب الذي ذكرني بخطاب أنور السادات في سبتمبر/أيلول 1981، والذي تحدث فيه بنبرة استعلاء وتجبُّر، وكان قبلها قد وقَّع على قرار اعتقال 1500 شخص من كل الأطياف السياسية والأيديولوجيات المختلفة، يجمعهم فقط رفضهم معاهدة كامب ديفيد، بينهم مرشد جماعة الإخوان عمر التلمساني، ورئيس حزب الوفد فؤاد سراج الدين، والكاتب محمد حسنين هيكل، وجابر عصفور، وفريدة النقاش، والشيخ المحلاوي، وميلاد حنا، وعبد المنعم أبو الفتوح، وحمدين صباحي، وغيرهم.
كان السادات يريد أن يُثبت لأميركا، بعد عودته من واشنطن في 3 سبتمبر/أيلول 1981، أنه الرجل القوي داخل مصر، والذي يستطيع إسكات كل الأصوات التي تعارض سلامه مع إسرائيل، فجاءت الاعتقالات والخطاب المشهور، وهو الشيء نفسه الذي يريد السيسي إثباته لأميركا أيضاً، وهو أنه وحده الرجل القوي القادر على تمرير "صفقة القرن"، وإسكات كل الأصوات المعارضة، وعلى رأسها الفريق سامي عنان، الذي اعتقله السيسي بعملية شبه عسكرية، تتطابق تماماً مع وصف محمد حسنين هيكل في كتابه "خريف الغضب" الذي كتب في إحدى فقراته: "الاعتقالات بدأت فجر 3 سبتمبر/أيلول، بعدما عاد السادات من واشنطن، الاعتقالات التي حدثت لطلبة الجامعة والشباب من الأحزاب والتيارات السياسية والجامعات الإسلامية المتطرفة كانت سهلة، أما اعتقالات السياسيين والمثقفين الكبار والمعروفين والقيادات الدينية من المسلمين والمسيحيين كانت عمليات شبه عسكرية".
وهذا ما جعل الدكتور سيف عبد الفتاح يقترح كأكاديمي تدشين باب جديد في العلوم السياسية يسمى "البلطجة السياسية"، وأن يشتمل بالطبع على فصل بعنوان "أدوات تحليل البلطجة السياسية"، فرغم التشابه بين خطاب السيسي في 31 يناير/كانون الثاني 2018 مع خطاب السادات في أعقاب إعتقالات سبتمبر/أيلول 1981، فإن السادات لم يجرؤ على وصف نفسه بأنه رجل غير سياسي، ثم استطرد السياسي ساخراً من السياسي باعتباره "بتاع كلام"، "وعادةُ السيسي أنه يغيِّر من نبرة صوته مستخدماً لسانه بطريقة فجة سوقية حين يريد السخرية من شيء".
وكأن السيسي يريد تذكير المصريين بأن طريقته المُثلى والمُجرَّبة هي ارتكاب المذابح الدموية للوصول إلى السلطة؛ بل ليؤكد هذا المعنى استخدم عبارة: "انتم ما تعرفونيش".
والأخطر من ذلك، أن السيسي استخدم لعبة الموت مع 100 مليون مصري بوجه عبوس قمطرير، حين حاول الربط بين أمن مصر وحياته، ثم استطرد محاولاً توريط الجيش معه بأن قال: " حياة الجيش كمان".
السيسي أيضاً، افتأت على الدستور، الذي يُفترض أنه يستمد شرعيته وسلطته منه، والذي يعترف بثورة يناير، حين قال مشيراً إليها: "اوعوا تفتكروا إن اللي حصل من 7 سنين هيتكرر تاني".
ثم وفي إشارة واضحة إلى دوره في إفشال ثورة يناير بوصفه مدير المخابرات الحربية وقت اندلاعها، قائلاً: "اللي منجحش وقتها موش هينجح دلوقتي".
ثم هدد السيسي ضمنياً بالعودة إلى استخدام العنف المفرط ضد المعارضين، قائلاً: "أنا ممكن أطلب تفويض تاني".
ثم هدَّد القوى المدنية التي أصدرت بياناً يعلن مقاطعتها "الإستربتيز السياسي" الذي يسميه انتخابات رئاسية، حين قال: "تفويض ضد أهل الشر، أي أهل شر".. وأهل الشر عند السيسي هم الذين ينازعونه سلطانه.
وقبل أن أتساءل معكم عن أي أمن يمنُّ علينا السيسي به وسيناء باتت محرقة دائمة للجنود والمعدات، والمواطن المصري يخشى على نفسه وعياله من التفجيرات والمذابح التي لم تنقطع في المساجد والكنائس، وإن نجا من ذلك فهو معرَّض للتصفيات خارج القانون أو الإعدامات أو الإخفاء القسري؟!
المواطن داخل مصر يعاني إرهاباً فكرياً غير مسبوق، والإعلام المصري دخل مرحلة تدجين أشبه بحالة إبان الحقبة الناصرية، ولكن برداءة وركاكة في الخطاب، نتيجة تدني ثقافة القائمين عليه.
قبل أن أتساءل عن هذا، أريد أن أوضح أن السيسي بخطابه هذا، والذي من الواضح أنه يعكس قلقاً من تنامي معارضة قوية له داخل المؤسسة العسكرية، خاصةً مع أنباء غير مؤكَّدة عن حملة اعتقالات بدأت بالتزامن مع اعتقال سامي عنان، وإقالة مدير المخابرات العامة ووضعه رهن الإقامة الجبرية، وأن نظراته الحادة باتجاه صدقي صبحي، ولغته الجسدية تعكس تهديداً واضحاً له، على الرغم من مبالغة صدقي صبحي في إظهار الولاء له والتصفيق الحاد بعد عباراته- فلقد رأينا السيسي يفعل الشيء نفسه مع الرئيس محمد مرسي، وأبو غزالة ومبارك مع السادات، والمشير عامر مع عبد الناصر، ومع ذلك لم تتوقف المحاولات الانقلابية منذ وثوب الجيش على السلطة في 23 يوليو/تموز 1952، وهو التاريخ الذي ماتت فيه السياسة بالفعل في مصر، ليكون الحكم للأقوى، الأكثر سيطرة على الجنود، حتى يقرر الجيش التخلص منه كما حدث مع السادات ومبارك ومرسي، وحاول أيضاً مع عبد الناصر، ومن قبله اللواء محمد نجيب.
أيها المواطن المختطف في الوطن المختطف، جاء خطاب السيسي الأخير ليؤكد تماماً أنك مسلوب الإرادة، لا صوت لك ولا قيمة ولا رأي يؤخذ به، أو حتى يكون موضع اهتمام العصابة الغاصبة للسلطة، وباختطافك وتكبيلك، اختُطف الوطن معك، فتم التفريط في حقول غازه بالمتوسط، ثم الجزيرتين الاستراتيجيتين؛ تيران وصنافير، وأخيراً تُمهَّد الأرض لـ"صفقة القرن"، وعبر هذه الرحلة المشؤومة تم رهن المستقبل بتكبيل مصر بالقروض الخارجية.
فهل آن الأوان أن ترفض ذلك كله، وأن تسعى لتحرير نفسك ووطنك من المختطفين،
وأن تقدِّم بحراكك الدعم اللازم لأحرار المؤسسة العسكرية ليقوموا بدورهم في حماية وإنقاذ بلادهم، أم أنك ستقبل طويلاً بهذا الوضع المهين؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.