مخطط فلاحي خاص بجماعة الجريفية بقيمة 46 مليار سنتيم
على ضوء الإعلان الرسمي لوزارة الفلاحة عن مخططها الخاص بجماعة الجريفية جنوب شرق مدينة بوجدور، والذي تضمن العديد من الأرقام والمعطيات الهامة بخصوص تنمية الإقليم، خاصة ما يتعلق بالميزانية المخصصة له وبفرص الشغل التي سيتيحها، تبرز مسؤولية المدنيين من إعلاميين واقتصاديين وحقوقيين، فالجميع مطالب بأن يدلي بدلوه حول المشروع ويتابع تفاصيله بدقة حتى لا يلقى مصير العديد من المبادرات التنموية التي طَبَّلَ لها الإعلام وسوّقت لها الجهات الرسمية قبل أن تستحيل إلى مجرد ريْعٍ يُدِرُّ المداخيل المعتبرة على قلة من المستفيدين المحسوبين على جهات سياسية معينة، بسبب المحسوبية والزبونية اللتين تطبعان تدبير الشأن العام في المنطقة؛ حيث يتم التلاعب بمعظم الصفقات الخاصة بإنشاء وتدبير تلك المشاريع، شأنها شأن فرص التشغيل التي تستغل لتجنيد الأتباع والمريدين السياسيين، وفي أحسن الأحول يتم استجلاب العمالة من مدن الشمال وحرمان أبناء المنطقة منها.
المشروع الذي يندرج في إطار "البرنامج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية" الذي دُشِّنَ خلال الزيارة الملكية الأخيرة للإقليم، يروم – بحسب ما صرح به المدير الجهوي لوزارة لفلاحة وتناقلته العديد من وسائل الإعلام- تهيئة 1000 هكتار، ورفع إنتاج الحليب بـ1750 طناً، واللحوم بـ 600 طن، والخضراوات بـ 50000 طن، كما يتضمن مدَّ الجماعة بتجهيزات السقي بالتنقيط، وبمختلف أساليب وأدوات الفلاحة العصرية كسلسلة إنتاج حليب الأبقار، وأدوات الزراعة تحت البيوت المغطاة.
لكن الأهم بالنسبة للساكنة هو ما يتعلق بالميزانية المخصصة للمشروع التي أعلنت عنها الوزارة، والتي ستبلغ أكثر من 465 مليون درهم )46 مليار سنتيم)، بالإضافة إلى فرص التشغيل المنتظر أن يوفرها والتي ستبلغ 756 منصب شغل، بحسب ما أعلن عنه المدير الجهوي لوزارة الفلاحة.
أرقام جد مشجعة، سواء بالنسبة لشباب المنطقة الذين أرهقهم الفقر وأنهكتهم البطالة التي تتربع الجهات الصحراوية على المراتب الأولى في معدلاتها في المغرب، ومعطيات تحظى بأهمية بالغة من طرف المستثمرين المحليين الذين يرومون الاستفادة من المشروع بشكل مباشر أو بالمساهمة في أشغال تشييد مرافقه، لكنها تبقى مجرد أحلام وردية سرعان ما ستصطدم بالتشكيك والتخوف إزاء شفافية القائمين على تدبير الصفقات المتعلقة بالمشروع.
فبالنظر إلى التجارب السابقة التي دشنت من خلالها الجهات الرسمية مشاريع بمليارات الدراهم في الإقليم، خاصة ما يتعلق بالتهيئة الحضرية للمدن الصحراوية أو بما أطلق عليه رسمياً "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" وهي المبادرة الخاصة بدعم المجتمع المدني وبتمويل المشاريع الخاصة للشباب، أو حتى بمشروع إنشاء محطة "نور العيون" الضخمة لإنتاج الطاقة الشمسية الجاري تشييدها حالياً شرق مدينة العيون، أو غيرها من المشاريع… جميعها مشاريع انتهت بالفشل الذريع، حيث غلب عليها الارتجال وطبعتها المحسوبية والزبونية، فتم تحوير أهدافها، وغابت نتيجتها على أرض الواقع، فلم تسهم لا في انخفاض معدلات البطالة في المنطقة، ولا بخلق فرص الشغل بين الشباب، ولا حتى بالنهوض بمستوى دخل الفرد، أو بالواقع الاقتصادي للإقليم، بدليل استمرار استعار الجبهة الاجتماعية في كافة المدن، التي لم تستثنِ أي فئة من فئات المجتمع، حيث لا تزال التنسيقيات غير المعترف بها رسمياً تصدرها لمشهد الشارع الصحراوي، بدءاً بالمعطلين، ومروراً بمتقاعدي مجموعة من القطاعات، وليس انتهاء عند الأرامل والمطلقات وغيرهن من الفئات المهمشة في المجتمع.
واقع مرفوض لدى غالبية أبناء المنطقة ينذر بمزيد من التصعيد في الشارع الصحراوي، ويتطلب لمعالجته مصارحة الساكنة بالأخطاء المرتكبة بخصوص تدبير الشأن الاجتماعي والاقتصادي طوال العقود السابقة، كما يتطلب القطيعة مع أساليب الريع والفساد التي تطبع تدبير الشأن العام؛ حيث تستحوذ مجموعة قليلة من الأفراد والأسر والعناصر المحسوبة عليها على معظم المواقع والامتيازات، ما يقضي على شروط التنافسية، وعدم التنافي وحتى مبدأ تكافؤ الفرص… فهل سيلقى المشروع الفلاحي الخاص بجماعة الجريفية مصير المشاريع التي سبقته فتنهب الميزانيات الرسمية وتضيع مقدرات الوطن بين المفسدين ولصوص المال العام وأذنابهم؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.