ليل سرمدي
جفاني النوم في هذه الليلة.. تقلّبت حتى سئمت وقمت أصنع فنجاناً من القهوة وخرجت إلى شرفتي.
لفحتني نسمات الفجر الدافئة لجة الرياض بالسعودية وأسئلة حائرة لا تجد لها جواباً لديّ، يا ترى؟ تتلوها يا ترى؟ حتى خفت مجرد التفكير في عدم خروج الناس وتلبية الدعوات، ولكن ما جعلني أهدأ هي أنني شممت أريج ثورة تونس، ورسائل الأصدقاء. وأطلّ عليَّ الصبح بنسمات جديدة تداعبني وترسل الطمأنينة داخلي.
ودقَّ الهاتف وسمعت صوتها يحمل معها نسيم تونس الخضراء، وتقول لي: اعلم أن النوم هجرك، والتفكير قد أخذ على عاتقه أن يجعل النوم ليس له عليك سبيل هذه الليلة.
ولكن لا تخَف إن الله لن يضيع عملكم، سواء الداخل أو الخارج، جاءت كلماتها ترسل السكينة والطمأنينة إلى قلبي.
وخرجت الجموع الهائلة تجتمع من ميدان إلى ميدان، وترتفع الأصوات مطالبة بالحرية والعيش الكريم والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.. وإقالة العادلي وتطهير الداخلية.
معسكر الثورة بالخارج
وكأن المصريين بالخارج المنتمي إلى معسكر الثورة قد أقاموا ميدان التحرير بالخارج، وتوالت الاتصالات بينهم وعمل مجموعات لمتابعة السويس، الإسكندرية، القاهرة.
الكل مرابط لتداول المعلومات، غرفة أخبار لم تنقطع عن بث الأخبار، وبالأخص في أيام انقطاع الاتصالات عن المحروسة (معركة الجمل)، الجزيرة التي لم تغلق لمدة 18 يوماً.
خطاب المخلوع العاطفي
ومع خطاب المخلوع الثاني المعروف إعلامياً بالخطاب العاطفي، تنهال عليّ بعض الاتهامات الأسطورية لنشري فيديو الدهس الشهير من بعض المعارف، بأنني قد حصلت على مبالغ مالية كبيرة مقابل نشري للفيديو وأنني أريد هدم الدولة، وأن جماعة الإخوان تمدني بالمال (شر البلية ما يُضحك)، وأن الرجل يريد إنهاء حياته في وطنه، وأننا ليس لدينا قلب، وكانت نتيجة خطابه "معركة الجمل".
معركة الجمل
تأتي المشاعر متضاربة: خوف وأمل، قوة ورهبة، صرخة وسكون، تفاعل وعجز..
ظللت طوال الليل متنقلاً ما بين شاشة التلفاز وقناة الجزيرة والفيسبوك والهاتف، وكأننا ننقل للناس بالداخل ما نراه على الشاشات، احذروا من هذا الاتجاه ومن هذا الاتجاه، وما بين حشد للأهالي وجنود الثورة بالنزول للميدان الآن، وكأن أحاديث السيرة قد مثلت أمامك، طلقات الرصاص التي تسمعها عبر الفيديوهات، وأخبار تأتيك من هنا وهنا.
وتتذكر قول الله تعالى: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" (البقرة: 214).
السجود لله فرحاً بنصر من الله على الطغيان والظلم الذي تجرعناه من حكم عسكري مدة 60 عاماً.
لم ولن نركع ننتصر أو نموت
وتقابلت قدراً مع شخص يعمل بإحدى الملحقيات الثقافية في مصر، وقال لي جملة أتذكرها حتى الآن: (ستجوعون بعد مبارك والأيام بيننا.. أنتم ضيعتم كنزاً من أيديكم).
وكان ردي عليه قد نجوع فترة، ولكن بكرامة سنبني وطننا.. أفضل من أن نأكل المنّ والسلوى ونحن مُطأطِئو الرؤوس.
وكأن شيخ المجاهدين عمر المختار تمثل أمامي قائلاً مقولته الشهيرة: (ننتصر أو نموت)، وحينها اتخذت قراراً نهائياً بعودة لا رجعة فيها إلى مصر، مستعيناً بالله وبحمل معاول البناء لهذا الوطن، حتى ولو كان الحياة والروح هما الثمن.
عودة للوطن
عدنا لوطننا، أخذت على عاتقي البناء العقلي، ونشر الحقيقة مهما كانت؛ لأكون جندياً بميدان نشر الحقيقة.
وتم الانقلاب على الثورة بعد 3 سنين من اندلاعها.. في غفلة من أبناء الثورة ومن يقظة دولة عميقة لها أذناب كثر، وقد هزمت الثورة في جولة، ولكن روح الثورة التي تسرى بروح أبنائها ما زالت يقظة لم تمُت رغم مرور 7 سنوات على الثورة.
روح الثورة
سترجع الثورة بركاناً يلتهم كل المحتلين للإرادة المصرية الذين سطوا على البلاد في ملابس عسكرية خدم يملك لجامَهم الصهاينةُ.
دمتم ثائرين أحراراً، ثابتين على الحق، رافعين لواء الحرية والثورة، مالكين لأدوات القوة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.