لم يكن أقل المتشائمين ولا أكثر المتفائلين يتوقع ما حدث في السباق الرئاسي في مصر، حين أصبح الجنرال الزعيم وحيداً ينافس نفسه، ولا يسمح لأحد بالتفكير حتى في الترشح، وإلا كان مصيره كعنان، أو نهايته كنهاية شفيق، الذي أخرج من الإمارات؛ ليدخل مصر غير آمن على نفسه.
لا يفعلها إلا عبد الفتاح السيسي، الفريد من نوعه، صاحب النظريات المثيرة للاستغراب، والكلمات العابرة لحدود العقل والمنطق، والإنجازات التي لم يُشاهدها إلا وهو وكفى.
إنه الجنرال الملهم دون رواية، والبطل دون حرب، وقائد معركة على الإرهاب المحتمل القادم على ظهر دبابة ليس لها مثيل مقارنة بكل دبابات نظرائه في القارة السمراء أو السوداء، على الأصح فلقد جعل السيسي وأشباهه من الجنرالات الأسود يليق بها أكثر.
ولكن السيسي يختلف عن غيره في تصرفاته الصبيانية وطيشه الشبابي وعشقه للون الأحمر، وهو لون الدم الذي صعد به جنرال مصر إلى حكم مصر، ودون رضاها، أو إذن شعبها.
ظهر السيسي في ثوب المتدين مع الإخوان، والليبرالي مع الليبراليين، والعاشق المستلهم فكر عبد الناصر مع القوميين، وفي الأخير ظل محافظاً على العقلية العسكرية والطبائع التي يمتاز بها المجندون دون غيرهم من غلظة وشدة بأس، والمضي قدماً في الطريق الذي يرسمونه في معاركهم، وللأسف كانت المعركة ضد الشعب، والعدو هو الشعب، وذلك ما نجح فيه السيسي ومن جاء به إلى سدة الحكم.
السيسي مستبد وديكتاتور وفتوة، ولم ينجح في أن يتقمص شخصية الرجل المدني، كما يفعل بعض جنرالات القارة السابقة، وإن لم يكونوا بارعين في التفنن في الدور، إلا أنهم على الأقل يتركون مساحة قليلة يستطيعون من خلالها التمثيل على الشعب، ولا يقبلون خوض السباق الانتخابي المحسوم لهم قبل أن يبدأ.. دون مرشحين.
وأما السيسي فمستبد فريد من نوعه، أوتي القليل من عنف هتلر، وجنون موسوليني، وتهور الأسد وغبائه مع شيء من الفرعنة التي يمتاز بها بعض الفراعنة.
فهو يجمع بين شخصية الديكتاتور الغربي الذي يخطط لما يريد هو ويصل له وبين المستبد العربي الذي يقمع فقط ويقتل فقط؛ ليصل إلى أهدافه.
يقول الكواكبي في كتابه عن طبائع الاستبداد: إن أحقر أنواع الاستبداد هو استبداد الجهل على العلم. وذلك هو السيسي حين انقلب على الديمقراطية الوليدة في مصر.
وإن أحقر أنواع الاستبداد هو استبداد النفس على العقل، وذلك هو السيسي حين خطط للمجازر وارتكب أبشعها؛ ليزرع الخوف في نفوس الناس، ويقتل كل كل روح ثائرة بداخلهم، وهنا سمح السيسي دوناً عن كل الجنرالات لنفسه الأمّارة بالسوء أن تتفوق على عقله وإنسانيته.
السيسي يستبد بمصر وبشعبها وبأنصاره وبجواره، فهو الآمر الناهي، والمرشح والناخب والمنتخب، وهو أدرى بشعبه وبمصلحته من الشعب نفسه، ولن يسمح لأي فاسد غيره أن يفسد ما وصل إليه من فساد.
إنها مصر الكبيرة على السيسي، لا أمان فيها إلا لمن أمن له الزعيم، وآمن بالزعيم الأوحد المفدَّى.
ولا حياة إلا لمن هتف بحياة الزعيم وسبّح بحمده، فالسيسي أكبر من الرئاسة، وأعظم من أن ينافسه أحد.
إنه يترشح لوحده، ويفوز لوحده، ويقف لوحده، ويصرخ لوحده، وينظر لوحده، أليس حامي البلاد من شباب البلاد وثورة البلاد؟
أليس الذي أشبع شعبه من جوع وشربهم من عطش؟
مَن يجرؤ أن ينافس الزعيم مفقود؟
مَن يترشح ضد الزعيم مفقود؟
مَن يذكر اسم الزعيم دون أن يُثني على الزعيم أو يذكر أحد إنجازاته الكثيرة مفقود مفقود مفقود.
سامي عنان تهمته الوحيدة أنه ترشح ضد الزعيم، وتلك خيانة عظمى أشد جرماً من بيع أرض البلاد، لقد أخطأ في حق زعيمهم المفدى حين وضع نفسه معه في خانة واحدة نداً لندّ.
والسيسي يُخيل له من سحر الاستبداد وعظمة النفس المستبدة أنه من كوكب آخر وأوتي مفاتيح كل شيء.
ولا نقول إن السيسي أكثر إجراماً من غيره، أو قتلاً من غيره، ولكنه يختلف كثيراً عن غيره من المستبدين، إنه فريد من نوعه في كل شيء يقوله أو يفعله أو يقوم به.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.