مصر تحتاج أن تقلب الصفحة

ماليزيا زارها ديكتاتوريون عرب وسألوا عن طريقة استنساخ التجربة الماليزية ببلادهم المنكوبة، بالتأكيد الإجابات كانت كلها دبلوماسية لا تتسم بالجدية.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/29 الساعة 02:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/29 الساعة 02:03 بتوقيت غرينتش

الحديث العقيم عن الانقلاب أنسانا في غمرة الأحداث المؤلمة، التي ما زلنا نعيشها بكل دقائقها، أنسانا الوضع البائس التي آلت إليه البلاد خلال عقود من الحكم العسكري الذي استنزف ثروات وموارد مصر البشرية والمادية.

صفحة حكم العسكر قاتمة أينما حللت، وأمثلتها لا تخطئها عين فاحصة، تبحث في دول أميركا اللاتينية ومدى ما حققته دول نحَّت جانباً حكم العسكر؛ لتنطلق من أغلال القيود المفروضة على البحث العلمي، وتطوير الإنسان في مجالات التعليم والصحة والابتكار.

وربما لنا في إندونيسيا وماليزيا مثال حي لما ما يمكن أن يحدث عند تنحية الجنرالات عن سدة الحكم.

فبرغم أن إندونيسيا قد اختارت الديمقراطية طريقاً لتناوب الرئاسة، فإن تأثير المؤسسة العسكرية ما زال ملموساً في توجيه الناخب الإندونيسي.

على النقيض، ماليزيا تحكمها ملكية دستورية، بمعنى أن الملك لا يتعدى رمز البلاد وينتخب رئيس الوزراء الذي يدير الدولة من البداية للنهاية.

دخل الفرد بماليزيا ثلاثة أضعاف دخل الفرد بإندونيسيا، هذا الفارق يتضاءل بالتدريج لانفراج القبضة العسكرية ولو قليلاً عن الحكومة الإندونيسية.

الملاحظ في مثال الدولتين الآسيوتين أنهما شريكتان في ملامح كثيرة عرقية ولغوية وعقائدية، ولكن جنوح أحدهما لمدنية الدولة أكسبها مرونة ولياقة؛ لتتبوأ مكاناً مميزاً في مجموعة النمور الآسيوية.

ماليزيا زارها ديكتاتوريون عرب وسألوا عن طريقة استنساخ التجربة الماليزية ببلادهم المنكوبة، بالتأكيد الإجابات كانت كلها دبلوماسية لا تتسم بالجدية.

سر تقدم ماليزيا جاء في الاهتمام بالتعليم وتأسيس منظومة تعليمية تقوم على استثمار الدولة في تطوير الإنسان على مراحل عمرية، وفي اتجاه مدروس تفصيلاً.

جميع جامعات ماليزيا مصممة لتقديم خريجين يخدمون اقتصاد الدولة حسب خطة منتقاة، بمعنى أنه إذا كان الاتجاه لجذب استثمارات في مجال صناعة الإلكترونيات فلا يكفي أن يكون هناك قسم داخل كلية الهندسة للإلكترونيات، هناك ينشئون جامعات للهندسة وليست كليات كما هو متعارف عندنا، بل دولية وفي مجالات متخصصة.

هذا يعفينا عن أن نبحث في طريقة إدارتها وتطويرها واتصالها بالخارج والمنافسة على احتلال مكانة علمية موجهة لتطوير الدولة.

الأمر غاية في التعقيد البناء، والذي يبنى على تحرير القوة الخلاقة لتقود البناء.

لا يفوتنا ونحن ندرس ماليزيا كمثال بالجامعات الأميركية أن نذكر كيف تصرفت حكومتها أثناء أزمة انهيار العملات الآسيوية، غاية في الروعة والدقة، فحالة التقشف وربط الأحزمة نالت كل أفراد الشعب من منع استيراد أي منتج أجنبي إلا الدواء، وشراء عملة البلاد من كافة المصارف الدولية وإغلاق البورصة وغيرها من إجراءات كانت ماليزيا تتباهى بأنها الدولة الوحيدة الآسيوية التي لم تمد يدها إلى البنك الدولي للاقتراض، وخرجت من الأزمة بعد ثلاث سنوات قبل كوريا وسنغافورة والهند بلا أي خسائر.

كل هذا لأن القائمين على الحكم، وعلى رأسهم مهاتير محمد رئيس الوزراء، ووزير اقتصاده أنور إبراهيم، كانوا على مستوى من الكفاءة أداروا هذه الأزمة دون اللجوء إلى الآخرين.

العقم الذي أصاب النخبة المصرية لم يمتد إلى قطاع كبير من شباب مصر، ولا أخفيكم أنني لا أعول كثيراً على الجيل الماضي الذي رضي ربما يتباهى بثورة 52، التي غيرت من ديناميكية وهيكلة المنظومة التعليمية، والتي أثرت سلباً على قدرات المصريين في مواجهة الكوارث الاقتصادية وتوابعها.

مصر تحتاج نفرة تنفض عن صدرها كابوس حكم العسكر، الذي لا يملك أدنى كفاءة لإدارة دولة ترسيم مستقبلها.

مصر تحتاج أن تقلب الصفحة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد