الشباب السعودي يترقب بحذر خطوات بن سلمان نحو التغيير.. ما يهمه أكثر من مجرد حفلات ترفيه وقيادة المرأة

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/29 الساعة 10:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/29 الساعة 10:48 بتوقيت غرينتش

يدوِّي صوت الموسيقى الراقصة من مقهى بالرياض. وفي الردهة، تصطف الشابات في عباءاتهن الملونة ليسجلن أسماءهن على قائمة الانتظار. إنَّه مشهد من تلك المشاهد التي تجعل من السهل اعتقاد أنَّ التغيير قادم إلى السعودية بسرعة فائقة.

على بُعد نصف ساعة بالسيارة جنوباً، يوجد عالم مختلف وفق وكالة Bloomberg الأميركية. ففي مركز العاصمة التاريخي، حيث يتردد صدى الصلوات من مكبرات الصوت ويطارد الأطفال الشحاذون الزوار، لا يَملك مسعد، البالغ من العمر 23 عاماً، خبراً يقوله عن الانفتاحة الاجتماعية التي تكتسح مهد الإسلام. يقول وهوَ يسبِّح بمسبحة في محلّ المجوهرات حيث يعمل: "أنا ضد ذلك. مِن وجهة نظر عاداتنا، وتقاليدنا، وقيمنا".

أكثر من نصف تعداد السكان السعوديين هُم أصغر من سن الـ30 عاماً. وكذا الحال مع حاكم المملكة الفعلي، الذي يكبُر هذه السن ببضعة أعوامٍ فقط. يعلِّق ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، الذي استعدى مراكز السلطة التقليدية في صفوف رجال الدين والعائلة المالِكة فيما يسارع بتغيير هيئة المملكة، آمالاً عدة على أقرانه مِن جيل الألفية.

وبتخفيفه القواعد الدينية، يخاطب الأمير تطلعات هؤلاء؛ إذ أخبر الأمير محمد المستثمرين الأجانب العام الماضي، بأن الشباب السعودي لا يريد سوى "حياة طبيعية"، مُعلناً أنه سيعود بالسعودية إلى "الإسلام المعتدل". ترعى الحكومة الآن حفلات تجتذب جمهوراً من كلا الجنسين، وسيُسمَح للنساء بقيادة السيارات قريباً، وكُسرَت شوكة الشرطة الدينية (هيئة الأمر بالمعروف) سيئة السمعة.

ما هي الحياة الطبيعية؟


لكن وفق تقرير وكالة Bloomberg، هناك الكثير من الشباب، أمثال مسعد، ممَّن لا يعتقدون أنَّ المشهد الاجتماعي الجديد في الرياض أمرٌ طبيعي، وهُم قلقون من أن يجري تجاهلهم وتناسيهم في غمرة رغبة تغيير المجتمع والاقتصاد السعوديَّين.

وقد قاتل آخرون، هُم أبعد ما يكون عن السعي لإرساء بصمةٍ دينية أخف على مجتمعهم، في سبيل فرض بصمةٍ دينية أشد على البلدان الأخرى؛ إذ سافر آلاف الشباب السعودي -أو حاولوا السفر- إلى أفغانستان والعراق، ومؤخراً سوريا، للانضمام إلى حروب الجهاديين ضد حكامٍ يُنظر إليهم على أنَّهم مخالفون للإسلام.

وقالت أليسون وود، وهي مستشارة بشؤون الشرق الأوسط لدى شركة كنترول ريسكس الموجودة في لندن، إنَّه توجد "مقاومة حتى وسط الشباب" ضد خطط الأمير. وأضافت: "مِن هنا ترى الفروق بين السعوديين الأكثر ثراءً ممَّن تسنَّت لهم فرصة السفر والدراسة في الخارج، وهؤلاء ممن لم يفعلوا ذلك". وقالت إنَّه بالنسبة لتلك المجموعة، تُعَد القواعد الدينية الصارمة "هيَ السياق الاجتماعي الوحيد الذي يعرفونه".

وتُوجَّه بعض الانتقادات إلى أجندة الأمير محمد الاقتصادية، القائمة على الخصخصة والتقشف. فإن كانت السعودية الجديدة لن تتحكم في حيوات الناس كما كانت تفعل قبلاً، فإنَّها كذلك لن توفِّر لهم الرفاهية الدائمة كما كانت تفعل أيضاً.

"يموتون كل يوم"


يدعم مسعد، الذي درس في الولايات المتحدة فترة وجيزة واضطر إلى العودة لبلاده عندما لم يتمكن من الحصول على منحةٍ دراسية، تلك التغييرات. لكن كثيراً من أقرانه لا يوافقونه الرأي؛ إذ إنَّ ثُلث السعوديين تحت سن الثلاثين عاطلون عن العمل، وقد شعروا بأثر الضرائب الجديدة ورفع الدعم. وغالباً ما يقترن الاستياء بسبب المعاناة الاقتصادية بالاعتراض على التغيير الاجتماعي.

قالت رهف، وهي فتاة تبلغ من العمر 25 عاماً وتبحث عن وظيفة: "يجب إنفاق المال المدفوع على حفلات هيئة الترفيه على المواطنين أنفسهم، بدءاً من زيادة الرواتب وحتى توفير الإسكان والوظائف".

وقالت منال، وهي ربة منزل تبلغ من العمر 32 عاماً، إنَّها تأمل أن يتخلى الأمير عن معظم خطته. فهيَ سعيدة بأنَّ النساء سيُسمح لهن بالقيادة، لكنَّها قالت إنَّها تشعر بالانزعاج لإنفاق المال العام على الحفلات، خاصةً في ظل خوض المملكة حرباً دموية ومكلفة في اليمن المجاور. وقالت: "أرى في ذلك استفزازاً لمشاعر جنودنا في الجنوب، الذين يموتون كل يوم، وأرى فيه أيضاً مضيعةً للمال".

ومثل غيرها من السعوديين الذين انتقدوا سياسات الحكومة في المقابلات الصحفية، طلبت منال ألَّا تُعرَّف باسمها الكامل؛ حتى يتسنى لها التحدث بحرية.

لا جود لـ"الرأي العام"


حرية الرأي محدودة في السعودية؛ إذ جرى إلقاء القبض على عشراتٍ من منتقدي الحكومة البارزين العام الماضي. وكذلك هو الحال مع استطلاعات الرأي، ما يجعل الحكم على أي الرأيَين ممثلاً للشباب أمراً صعباً.

وجد استطلاع أجرته شركة إيبسوس لأبحاث السوق، أن 63% من السعوديين رحَّبوا بقرار الحكومة، في سبتمبر/أيلول الماضي، رفع الحظر على قيادة النساء. وهُناك بالتأكيد أدلة على حماستهم تجاه خيارات الترفيه الجديدة؛ إذ بيعت كل تذاكر الحفلات، مثل تلك التي أحياها الموسيقيّ اليوناني ياني في ديسمبر/كانون الأول 2017. وتكتظ المهرجانات التي تُقام في الشوارع بالرواد.

ومع ذلك، قالت كريستين ديوان، وهي باحثة مقيمة أولى بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن، إنَّه "من المستحيل معرفة الرأي السعودي، فـ(الرأي العام) السعودي لا وجود له في الحقيقة. لا يزال منقسماً إلى حدٍّ كبير، والتنمية ليست متساوياً".

ففي الجانب النامي، تجد سعوديين مثل فهد البليهي، البالغ من العمر 21 عاماً، وهو طالب جامعي يتاجر بالأسهم في وقت فراغه ويمتلك شركة خاصة به في مجال تكنولوجيا المعلومات. يقول البليهي إنَّه يشجع ولي العهد، ويرفض آراء هؤلاء الذين يعارضون خطته للتحديث. وقال البليهي، وهو منكفئٌ على حاسوبه المحمول في ردهة فندق فور-سيزونز بالرياض، إنَّ هؤلاء فشلة كانوا "يستفيدون من النظام القديم".

الاقتصاد أصعب


لكن ذلك النظام القديم أرسل مئات الآلاف من السعوديين الشباب للدراسة في الخارج، ما يساعد على تجهيزهم من أجل سوق العمل في القطاع الخاص الذي يريد الأمير أن يدشِّنه، والذي سيكون عليه استيعاب العدد الكبير من الشباب السعودي، حسب تقرير Bloomberg.

وفي الوقت الراهن، يعاني الاقتصاد السعودي، وقد تقلَّص بنسبة 0.5 في المائة العام الماضي. ويُعَد ثلثا السعوديين ممَّن يعملون موظفين لدى الحكومة. ويستحق نحو 10.6 مليون شخص، يمثِّلون نصف السكان الأصليين تقريباً، الحصول على دفعاتٍ شهرية بموجب برنامج دعم العائلات منخفضة ومتوسطة الدخل في المملكة. واضطر الأمير محمد إلى التراجع عن سياساته في أكثر من مناسبة، وتخلَّى عن تنفيذ اقتطاعاتٍ من فاتورة الأجور العامة، وسط مشاعر استياء.

وفي نهاية الأمر، وفقاً لهشام الغنام، وهو باحث سعودي بجامعة إكسيتير في المملكة المتحدة، سيكون حشد دعم جيل الألفية الأجندة الاقتصادية أصعب من حشده لمثيلتها الاجتماعية.

وقال الغنام إنَّ بإمكان الحكومة تنفيذ إصلاحاتٍ اجتماعية "بسهولة" دون أية ردود فعلٍ عنيفة. في حين أنَّ إقناع الشباب السعودي بأنَّ الدولة يجب ألا تكون هي جهة التوظيف الرئيسية بعد الآن " أمرٌ أصعب كثيراً من السماح بإقامة الحفلات".

تحميل المزيد