"عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية".. سبع سنوات مرت على نزول الشعب المصري في الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011، منادين بهذا الشعار الثلاثي، الذي يحوي في طياته كل معاني الحياة الكريمة التي تمنَّاها وانتظرها المصريون، وثاروا لها بعد عقود من البطش وفساد الدولة وانزلاقها في براثن الخراب والمحسوبية.
خرج المصريون وكلهم صدق وشعور بالمسؤولية تجاه وطن مسلوب من عصبة أفراد، وهدفهم وقف الظلم والخراب، وكانت أقصى الأماني أن يُقال وزير الداخلية في حينه، ولكن انقلب الوضع بشكل ربما أجابت عنه الأيام؛ انقلبت المظاهرات إلى ثورة، فاعتصام، فثبات أمام الظالمين، فانصياع لإرادة الشعب ورحيل رأس النظام،
لكن تحوَّل الحلم لكابوس بعد سنتين ونصف السنة، وتم وأد التجربة الديمقراطية في مهدها، بانقلاب دموي استباح الأرض والعرض، وبتآمر ودعم خليجيَّين، وأصبح الوطن عبارة عن قلعة من المخاوف والمظالم والقتل اليومي.
واليوم وبعد كل هذه المجازر وهذا الظلم الفادح والوضع المعيشي الصعيب، يبقى السؤال: هل ماتت ثورة يناير/كانون الثاني وذهبت معها رياح الثورة وروحها؟
والجواب في رأيي الشخصي، أن الثورات لا تموت، وأن رياحها لا تزول، لكن من الطبيعي أن تسكن قليلاً، فالأمر برمته نقاط ودرجات؛ فأحياناً يكون المد الثوري الرافض للظلم في أعلى مستوياته التوعوية كما حدث في يناير/كانون الثاني 2015.
العامل الأول: الوضع السياسي
أحياناً تشعر بأن الأرض انبسطت واستقرت وماتت الثورة، وهذا طبيعي في حياة الثورات، فلا أحد يستطيع الحسم المباشر لصالحه؛ بل هي صولات وجولات، ثم إن عوامل بقاء الروح الثورية كثيرة، فأسباب العودة والصعود ما زالت قائمة؛ بل اليوم أقوى.
فإذا كنا نتحدث قديماً عن احتجاز وتعذيب وقتل خالد سعيد وسيد بلال كشرارة للثورة، فاليوم لدينا أكثر من 80 ألف أسير خلف الأسوار من مختلف التوجهات الوطنية، فلم يعد النظام يفرِّق بين يساري وإسلامي، وهذا من أكبر مقومات وعوامل بقاء الروح الثورية لثورة يناير/كانون الثاني وبقائها في نفوس الثوار، حتى لو كان المد ضعيفاً، لكنه موجود فما زال في الوقت متَّسع.
العامل الثاني: الوضع الاقتصادي
الوضع الاقتصادي يتهاوى بشكل يصعب تخيُّله، حتى أصبحت الأجيال القادمة مديونة للخارج؛ وحجم الديون تجاز تريليون جنيه؛ والغلاء المعيشي الذي حوَّل حياة المصريين لجحيم، يتصاعد بشكل رهيب؛ وقيمة العملة الوطنية انخفضت في ظل ارتفاع سعر الدَّين الداخلي والدولار الأميركي، وهذه أيضاً من مقومات الثورة.
فإذا كان العيش هو أول نداء، فمن أين بالعيش الآن وسط منظومة خبز فاسدة إدارياً بشكل كبير، واتجاه قوي لرفع الدعم كلياً عن التموين والسلع؟ وهذا -بلا شك- سيحوِّل أكثر من 22 مليون مواطن إلى البحث عن بدائل حياتية له ولأسرته حتى يعيش أو يضمن حياة تحول دون أن يتسول قوته وقوت أبنائه.
العامل الثالث: الوعي المجتمعي
لا ينكر عاقل أو مُنصف أن الوعي المجتمعي تغيَّر بشكل كبير، وأن الحاضنة الشعبية للثورة المضادة انقسمت وتفرقت؛ بل أصبحت تعاني، سواء على مستوى النخبة السياسية، فالكثير بين معتقل ومطارد وممنوع من الكتابة وممنوع من السفر، أو على مستوى الحاضنة المجتمعية؛ فمن تمنى بالأمس زوال التجربة الديمقراطية تحت أي واقع مستقبلي، أصبح اليوم يدرك أن هذا المسار كان غباء شديداً، يدفع الجميع ثمنه اليوم بلا تفرقة، وأن من هلَّل بالأمس طرباً يبكي اليوم دماً؛ لأنه ذاق الويل في حياته ومصدر رزقه وغلاء الأسعار.
لذلك، فالوضع المجتمعي المصري اليوم أشبه بما قبل ثورة يناير/كانون الثاني، وأن الأجواء تشبه إلى حد ما 2010، لكنها -بلا شك- تسير ببطء شديد، وليس شرطاً أن تكون المآلات كما كانت في الماضي، فما مضي لن يعود، ومن غير المعقول أن يتكرر النجاح بطريقة واحدة، ولم نعد في حاجة لميدان يجمع ما فرَّقته السياسة بقدر ما نحتاج لعقول واعية تبني وعياً لأجيال شابها المسخ الفكري.
والضلال الإعلامي والفساد الأخلاقي والإداري المتفشي في أرجاء الوطن المظلوم،
لكن كل هذه العوامل تقف صامتةً بلا حراك فيها أمام الشعور باليأس والقنوط وتملُّك الروح اليابسة والضعيفة على الفرد، وهذا ما سنناقشه في المقال القادم؛ كيف نعالج هذا اليأس وذاك الإحباط؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.