في مصر.. صندوق الذخيرة قبل صندوق الانتخابات

أي حديث عن انتقال سلمي للسلطة، أو انتخابات أو تغيير وجوه، هو محض هراء، لا يمت إلى الواقع بِصلة.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/28 الساعة 07:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/28 الساعة 07:01 بتوقيت غرينتش

اعتُقل عنان، وتحطمت على وقع بيان ناري من القوات المسلحة، يتهم فيه أحد قادتها بالتزوير والخيانة، فقط من أجل إعلانه نيته المنافسة على عرش مصر- كل الأوهام والأباطيل التي أقنعتنا زوراً بأن الحكم في بلادنا يمكن أن يمر عبر صناديق الانتخابات، أو أن الرئيس المسجون "محمد مرسي" كان رئيساً ضعيفاً ساذجاً.

اعتُقل عنان، ذو الخلفية العسكرية، والرئيس السابق لأركان القوات المسلحة، وصاحب التاريخ الذي يشارف نصف قرن من العمل في الجيش، وعدد لا بأس به من الأنواط والأوسمة الرفيعة، ومشاركات معتبرة في حرب أكتوبر/تشرين الأول 73 وحرب الاستنزاف.

اعتُقل عنان، ولم يشفع له اشتراكه مع قادة المجلس العسكري في إدارة البلاد عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني وتهيئة الأجواء لما نحن فيه الآن،
جاء الاعتقال غاشماً سفيهاً كغيره من أفعال دولة مصرية، شاء القدر أن توضع بيد من احتار المصريون في تقييم قواه العقلية وقدرته على التمييز.

ومصداقاً لقوله المأثور: "قسماً بالله.. اللي هيقرب لها لأشيله من فوق وش الأرض"، تم اختطاف الفريق سامي عنان، من على قارعة الطريق، وتم اقتياده لجهة غير معلومة، ليخرج بعدها بيان ألمعي من قيادة الجيش المصري، الجيش الأول عربياً والأول بالمنطقة (هكذا تقول الإحصائيات)، وبلغة شبيهة بلغة إعلان الحروب أو بيانات الانتصار على الأعداء، وبصوت مدوٍّ جَهْوَري، أبلغنا المتحدث العسكري أن القائد السابق لأركان الجيش المصري مزور ومحتال وخائن، ارتكب جرائم مخجلة، أبرزها التحريض والوقيعة بين الشعب وجيشه!

أي جيش؟! وأي شعب؟!

أيُعقل أن تترك قواتنا المسلحة مهامها الجليلة في زراعة الأسماك وتغليف الجمبري وخبز الكعك و"البسكويت" وإدارة قاعات الأفراح، لتصدر لنا بياناً عريضاً من أجل شخص واحد فكَّر في الترشح لرئاسة "سرايا المجانين"!

فعل عنان ما فعله السيسي في 26 مارس/آذار 2014 حين طلب وقف قرار الاستدعاء ثم أعلن نيته الترشح لرئاسة الجمهورية، لكن الفارق أن الأول لم يخرج علينا ببدلته العسكرية لاعتزاله العمل العسكري منذ سنوات، بينما فعلها الأخير، وفتحت له جميع الفضائيات أذرعها وشاشاتها، يُعلِم الشعب المصري، بتنهيداته وهمهماته، أنه قرر أخيراً إصلاح خطئه، وإضفاء شرعية على اغتصابه للحكم، من خلال زواج شرعي عبر صناديق اقتراع وبطاقات مختومة، ورقص أمام اللجان.

بل فعل السيسي ما لم يفعله عنان، حين أعلن نيته الترشح صراحة في الخامس من مارس/آذار 2014، وهو ما زال يمارس عمله العسكري؛ بل ويباشر مهمته في إدارة وزارة الدفاع، ولم يتهمه أحد بالتزوير، ولم يتم سجنه كالعقيد قنصوة.

ورغم فجاجة الحدث، وخروجه بهذا الشكل الهزلي، يتلطف بنا الحكيم الخبير، كما عودنا دائماً، منحة من داخل المحنة، ولطائف عدة ودروس بالغة، تنبه الغافل وتوقظ النائم وتعلم الجميع، لا حل لما نحن فيه الآن، سوى بطريقين اثنين لا ثالث لهم؛ إما بانقلاب مسلح كما فعلها السيسي من قبل، أو بثورة جامعة كما فعلها الشعب في الخامس والعشرين من يناير.

وأي حديث عن انتقال سلمي للسلطة، أو انتخابات أو تغيير وجوه، هو محض هراء، لا يمت إلى الواقع بِصلة.

لم يكن الرئيس مرسي ضعيفاً ولم يكن ساذجاً، خانه التوفيق في كثير من الأمور، لكن يبقى الأشرف والأنزه عبر التاريخ.

والانقلاب على رئيس مصري بتلك المواصفات، كان حتمياً، ورغبة دولية، وضرورة إسرائيلية، دبرت الانقلاب في تل أبيب، ونفذته بالقاهرة على يد رجلها المخلص وبطلها القومي "عبد الفتاح السيسي"، وإيميلات هيلاري كلينتون المسربة تكشف لنا الكثير، فهي تؤكد لنا أن المنقلب كان على اتصال مباشرة بإسرائيل في أثناء حرب "عامود السحاب" التي شنها الكيان الصهيوني على غزة.

وأنه صاحب خطة الإطاحة بطنطاوي وعنان، وبالطبع نسنتنج من هذا، من هو مدبِّر حادث رفح! وهو ما تؤكده كل أحداث العنف التي وقعت في سيناء طوال 4 سنوات.

وتبقى "صفقة القرن" وخطة تدمير مصر وتجويع شعبها وتعطيشه وإذلاله كما تنبأت بذلك السفيرة الأميركية "آن باترسون"- هي الهدف الأخير من ايصال السيسي للحكم، وحتى تستكمل إسرائيل مخططها وأهدافها في احتلال مصر، والذي بدأ فعلياً في الثالث من يوليو/تموز 2013.

علينا التمسك بعقولنا جيداً؛ كي نتحمل العيش في هذه المأساة، وانتظار المشهد الأخير، بعد اعتقال أبطال المسلسل كافة، وصعود المخرج المعتوه فوق كرسيه ليعلن أمام الكاميرات: "أنا سفاح، أنا شراني، أنا بلوة سودة، أنا أقوى من عتريس، أنتم فاكريني هسيبها، لا والله…".

نتمنى لكم مشاهدة ممتعة.. لكن من داخل ميادين مصر.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد