عن 70 عاماً.. “الأونروا” تحت التفكيك!

منذ تشكيل الأونروا "UNRWA" في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1948، والذي تم بناءً على قرار هيئة الأمم المتحدة، في أعقاب إنشاء دولة إسرائيل، وتضمنت مهمتها مسألة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/28 الساعة 01:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/28 الساعة 01:16 بتوقيت غرينتش

منذ تشكيل الأونروا "UNRWA" في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1948، والذي تم بناءً على قرار هيئة الأمم المتحدة، في أعقاب إنشاء دولة إسرائيل، وتضمنت مهمتها مسألة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ووصلت مساعداتها -الآن تقريباً- لنحو 5.3 مليون لاجئ فلسطيني بالضفة الغربية، قطاع غزة وفي أنحاء الشرق الأوسط.

كان رفض الفلسطينيين قيامها واضحاً بداية الأمر؛ لأملِهم الجارف في الإجهاز على الدولة الإسرائيلية الوليدة، والعودة إلى ديارهم، لكنهم تراجعوا عن رفضهم بشكلٍ مفاجئ، عندما أيقنوا أن قضيتهم تزداد تعقيداً، وحياتهم أصبحت أكثر مأساةً، كما أن قيمة المساعدات التي بدأت الأونروا بتقديمها، بدت رهيبة، ووصلت إلى حد التبذير، حيث غطّت رؤوس اللاجئين، وأغرقت جيوب الموظفين منهم، وأولئك الذين لا عمل لهم، لدرجة أن المواطن يكون محظوظاً، في حال تمّ زواجه بامرأة لاجئة، باعتباره مشروعاً ناجحاً، سينعكس على جملة حياته وعلى الصعيدين المادي والمعنوي.

شيئاً فشيئاً، أصبحت الأونروا الملجأ الكبير الذي يعتمد عليه الفلسطينيون (رسميون- لاجئون- مواطنون)، وفي ظل أن جملة مساعداتها أصبحت تمثل عصب حياتهم اليومية، خاصة أنها تشمل جميع المواد التموينية والتعليم والصحة إلى جانب تنفيذ برامج متقدمة، كالحماية والرعاية والتأهيل وخدمات تطويرية أخرى، بحيث تعلو أصواتهم في حال تأخرت وجبة المساعدات أو تباطأت تلك البرامج يوماً أو بعض يوم.

لكن الحال لم يدم طويلاً؛ حيث أصبحت تلك البرامج تتناقص كلما مرّ الوقت، وتسببت في حصول أزمات مادية ومعنوية لدى الفلسطينيين بعمومهم، ليس بسبب تكاثر أعداد اللاجئين أو لازدياد حاجاتهم، وإنما لدواعٍ سياسية وأمنيّة محضة، غالباً ما تكون آتية من الولايات المتحدة وإسرائيل، أو من دول أوروبية أخرى، أو الأونروا نفسها، باعتبارها جزءاً من عملية التضييق على اللاجئين؛ رغبةً في حل نفسها، وإن كان ذلك استجابة لضغوطات من تلك الدول.

على أي حال، فقد أثرت تلك الأزمات سلباً على فئات معينة وكبيرة من اللاجئين، بعد تخلّيها عن تنفيذ أعمال رئيسية داخل المخيمات، بفضل سياسة الولايات المتحدة المتجهة ضد الفلسطينيين. ففي كل عهد، كانت تتوعد بحسم أجزاء كبيرة من الدعم، في أعقاب أي حادثة، أو لأي مناسبة، أو لوجود اشتراطات طارئة، مثل ربطها بضرورة عودة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات.

وكانت الأونروا قد تلقّت اتهامات متواصلة، متعلقة باستمرارها في طرح الدروس المعادية لإسرائيل في مدارسها، وتتجاهل في الوقت نفسه، النشاطات المسلحة لفصائل المقاومة الفلسطينية، التي تتم في منشآتها، بما يشمل الادعاءات بتخزين الصواريخ ووجود أنفاق تابعة لحركة حماس والجهاد الإسلامي بداخلها، فضلاً عن اتهام بعض موظفيها الفلسطينيين، بأنهم تابعون للحركتين والحركات الفلسطينية الأخرى، أو يدعمون نشاطاتها المسلحة.

اضطرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وعلى خلاف الجيش وجهات أمنية إسرائيلية، إلى مجاراة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشأن نواياه بحجب الأموال المقدمة للأونروا، وإن كانت رغبته تدل على القطع التدريجي، بدلاً عن قطع الفجأة؛ خشية من اندلاع مشكلات وأعمال عنف، إسرائيل في غنى عنها، حتى في ضوء اقتناعه التام بأنها منظمة خارجة عن المألوف، وأنه في النهاية يجب تفكيكها والإطاحة بمؤيديها، خاصةً أنها لا تزال تعمل على إدامة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وعلى إدامة مسألة حق العودة الفلسطيني، الذي هدفه إزالة إسرائيل ومحوها عن الخارطة.

بدا ترامب من أكثر المستفيدين من أفكار نتنياهو، التي أوصلته حتى إلى تجاوز السلطة الفلسطينية، والسير باتجاه خلق وتحفيز قيادات جديدة يسهل التحاور معها، بشأن العثور على سبيل يُسهّل حصول العيش المشترك، وحل القضية الفلسطينية حلاً إقليمياً، وذلك من خلال خطته (صفقة القرن)، التي تستند إلى "العصا والجزرة"، والتي تعني منح جوائز وتسهيلات اقتصادية للفلسطينيين، وتوجيه عقوبات صارمة ضدهم في حال رفضهم الخطة، وفي ظل وجود الآلاف في قطاع غزة -على الأقل- يحتجّون على تدهور ظروفهم المعيشية.

الولايات المتحدة، في حال تنفيذها قرار تقليص حصتها المدفوعة لصندوق الوكالة، والبالغة 125 مليون دولار، فإنها تثبت أنها غير طاهرة باتجاه الفلسطينيين؛ وذلك بسبب عدم قيامها بالمساس بالدعم المقدّم لهم، والذي يخدم مصالحها ومصلحة إسرائيل، فهي ستستمر في تقديم الأموال باتجاه مؤسسات السلطة، التي تهتم بالجوانب الأمنية على نحوٍ خاص.

الفلسطينيون ككل (سلطة وفصائل ومواطنين)، إلى حد الآن، جميعهم يفضّلون أكل الحصى على الانحناء أمام النوايا الأميركية، وخاصة في شأن هذه المسألة، باعتبارها تمثل ابتزازاً صارخاً، وخارجاً عن الصف الأممي، الذي يساند القضية الفلسطينية وحتى الرمق الأخير، وهذا شيء جيّد.

لكن ما يُثير المخاوف، وبصورةٍ مُرعبة، هو عدم استطاعتهم الاستمرار في فعل ذلك، حينما يستولي الشعور، بأن هناك وميضاً أخضر من بعض الدول العربية أمام الموقف الأميركي، والتي تستطيع تبرير سلوكها، بأنه حان الوقت لحل القضية الفلسطينية، والأخذ بيد الفلسطينيين.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد